كبيرة كبائر السياسة والاخلاق والتاريخ والجغرافيا المقترفة من قبل المعارضات السياسية في بعض بلدان – ما آصطلح على تسميته- «الربيع العربي» كامنة في إسقاط الحدود والدوس عن الثوابت وتجاوز المسلمات واختراق البديهيات. فبالإمكان الاختلاف حول الأنظمة والسياسات ولكن لا يمكن أبدا ومن غير المسموح به أخلاقيا وفكريا الاختلاف حول الأوطان وحول مصائر الشعوب.
بالإمكان الاختلاف حول الأشخاص وحول الأحزاب الحاكمة في أوطاننا العربية ولكن لا يسمح أبدا بتحويل هذا التباين إلى مقدمة لقصف العواصم العربية واستهداف مقدراتها ومحق وحدتها الاثنية والثقافية وتدمير مقوماتها الفكرية والاقتصادية والحضارية وضرب دورها الإقليمي في المنطقة العربية. الطامة الكبرى حين تقتل التبريرات والمسوغات السياسية المشروعة من قبيل إنهاء القمع والتعذيب ووضع حد لثنائية الفساد والاستبداد , مسلمات استراتيجية تمثل العداوة للكيان الصهيوني والوقوف في وجه الإمبريالية الأمريكية أبرز عناوينها.
حين يتحول أي حراك شعبي – مشروع في أصوله , مفهوم في نداءاته وشعاراته السلمية – إلى محط تنويه وإشادة من قبيل إسرائيل وأمريكا وحين «يمتدح» قائد الجيش الصهيوني بني غايتس قدرة المعارضة السورية المسلحة على إزاحة 7 ألوية عسكرية من الجيش السوري كانت مرابطة في الجولان المحتل مؤكدا أن الخطر الاستراتيجي الدمشقي انزاح من على ظهر إسرائيل ... فعلى الجميع أن يدقوا ناقوس الخطر .. وعلى الجميع أيضا أن يدركوا أن التقاطع الاستراتيجي مع إسرائيل وأمريكا في سوريا وضد الشام – حتى وإن كان غير مدروس أو مخطط له – فهو يطعن في صميم أي تحرك ويسقط عنه أية مرجعية أخلاقية يتدثر بسقفها أو يسترشد بروحها.
لا نعرف في شواهد التاريخ ولا في مشاهد السياسة ... انتفاضة شعبية قامت ضد ظلم محلي فإذ بها تستقوي بمجموعة من الظالمين ... من العرب والعجم... لا نعرف في شواهد التاريخ ... هبة شعبية قامت ضد فساد واستبداد محليين فإذ بها تتقاطع وتتحالف وتتآلف مع رؤوس الفساد وبطون الاستبداد وعناوين الاستعباد ... عربا وعجما ...
لا نعرف في شواهد التاريخ ... ثورة قامت ضد سياسات التعذيب والتنكيل ومسالك إهانة الإنسان ... فإذ بها تضع يدها في يد عائلات حاكمة بالحديد والنار ... لا تخجل في الزج بشعراء الثورة في سجونها ... وتحكم عليهم بالمكوث في أقبية مخابراتها سنينا وسنين... لا شرعية لأية ثورة إلا بالتمسك بذات الثوابت التي قامت عليها داخليا وخارجيا ...
لا شرعية لأية ثورة تتناقض حكامها وتتقاطع مع إسرائيل وأمريكا ... روحا وفكرا وسياسة وإجراء... ولا شرعية أيضا لأي مقاوم عربي ... يقاوم ظلم إسرائيل والأمريكان ويغض النظر عن الفساد والاستبداد