لا هذه الحكومة ولا حكومة مكوّنة من أطراف أخرى، هي بالقادرة على إصلاح الأوضاع في تونس، او على إيجاد حلول لمشاكلها المتراكمة أو حتى على بعث الأمل في أناسها. فهذه الحالة من الفرقة بين مكوّنات البلاد، وهذا النفور المتواصل بين مختلف الأطراف، لن يقدرا إلا على مواصلة ذات النهج الذي لا يقود إلا الى المآزق. وواضح جدّا أنه توجد عدة أطراف لا تريد أن تتعظ من الدروس التي ألقتها المرحلة السابقة، بل هي غير قادرة على الاتعاظ، وذلك لتمسّكها بما تربّت عليه من شعارات ولاعتقادها في أن المناسبة الانتخابية المقبلة هي أهم في الإعداد لها والعمل من أجلها، من الخسارات العامة التي لحقت بالبلد، وضرورة محاصرتها والتقليل منها في المرحلة القادمة.
لذلك سوف تبقى هذه المرحلة موسومة بشيأين:
الفراغ والتوتّر إن بالمعنى السياسي او الأمني او الاجتماعي. وسوف تدار بنفس الطريقة التي أديرت بها المرحلة السابقة والمتمثلة في التصرف اليومي مع الأحداث وأغلبها مجهول الشكل والنتيجة وانتظار الغد مع التسليم التام لما يحمله، لا بالوسائل التي تلزمه.
وبالتالي فإنه إذا لم يتم تحقيق انفراج حقيقي في المشهد السياسي وفي القواعد الكثيرة الموضوعة له، فإن الوضع القديم سوف يتكرر بتفاصيله، من انفلاتات أمنية بين الفينة والأخرى، ومن احتجاجات اجتماعية تكاد تكون يومية ومن مهاترات سياسية لا ترسو إلا في أحابيل الثورات. وسوف يكون الاقتصاد هو المطالب بدفع ضريبة باهظة لا تخفف منها في شيء لا التصريحات الخاصة بنسب التشغيل، ولا الكلام المرسل حول تطوّر النمو، ولا الزعم الذي يشرح كل فشل بالتآمر و«اللهو الخفي» كما يقول المصريون.
وهذا المآل سوف يكون نتيجة لعمل اي حكومة مهما كانت مكوّناتها، ما دام عملها الوطني خاضعا للهو سياسي، وما دام نسق عملها (وأهدافه) موجبا للخضوع الى ربح سياسي حزبي، يوضع كشرط مسبق لا حياد عنه او فيه. وعلى أساسه يتحدد قرار الحكومة. وانطلاقا منه يصنع ذلك القرار. وجزء كبير من المشاكل حددها وسيظل يحددها هذا العنصر الأخير وهو عبارة عن سجن يقلّص من حرية أفق القرارات المطلوبة والمفروضة، ويضيّق من شساعة المحتاج اليه وطنيا لصالح ما يحتاج إليه حزبيا.