معهد الفنون والآداب العربية مؤسسة ثقافية عربية حديثة النشأة في باريس تسعى إلى إقامة حوار ثقافي عربي فرنسي من خلال مجموعة من الأنشطة والاصدارات والندوات والمعارض وآخر الندوات التي نظّمتها ندوة عن الشابي بمناسبة سبعين عاما على رحيله. حول نشاط هذا المعهد ودوره في تقديم الثقافة العربية كان هذا الحوار مع الأستاذ أسامة خليل مديره. كيف ولد هذا المعهد وماهي المحطّات التي مرّ بها نشاطه؟ تمّ تأسيس هذا المعهد سنة 1996 ولا أودّ أن أتحدّث عن المحطات الأولى لأنها كانت ناجحة جدّا ويبدو أنّ ضريبة النجاح عندما نتعامل مع هيئات عربية تكون إخفاقا بمعنى أنّنا نحمل معنا من بلادنا منطق الإعاقة أو آليات الإعاقة التي تؤدي إلى آليات الإخفاق. عندما وجدت أن هذا النجاح : ندوات إصدارات دروس في اللغة العربية... دفع بعض الهيئات العربية للغيرة من هذا المعهد وحدثت بعض المعوقات لا بد أن نبدأ جديد في مكان جديد لذلك لا أريد أن أتحدّث عن المراحل الأولى لأنّها تذكّرني بما حدث في البداية لأنّه شيء مؤسف أن تفعل شيئا ثمّ تجد الهيئات المسؤولة عن التعريف بالثقافة العربية تنظر إليك باعتبارك منافسا لها وتحاول منعك من العمل. عام 2003 ومن أواخر 2002 تحديدا استطعت أن أستأجر الفضاء الثقافي لأرمطون، يعني أن المعهد بدأ يعمل من جديد في نهج Les écoles وتمكّنت من تأجير هذا المكان وتحويله إلى مقرّ للمعهد من جديد وأقدّم فيه دروس اللغة العربية واللهجات المحلية العربية والموائد المستديرة والمعارض الفنية ونصدر كتبا أيضا. بالنسبة للمعارض لها أهمية كبرى لأنّها تسمح لنا أن نحقّق مبدأ حوار الثقافات لأنني أعتقد أن القول بحوار الحضارات هو أن يكون ذلك بين الحضارة العربية الإسلامية وبين الحضارة الأوروبية... أعتقد أحيانا أن العرب يقولون للأوروبيين أنتم لا تفهموننا نحن طيّبون ونحن مع الحوار مع الثقافات الأوروبية أبحث عن الحوار مع إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاّتينية وأتوجّه أيضا إلى العالم العربي لأنّني أعتقد أن هناك شيء من عدم المعرفة بين أقطار العالم العربي مهما ادعينا. ولذلك عملت أن تكون المعارض ممثّلة للإبداع العالمي من تايلندا إلى الكراييب إلى السينغال إلى الكامرون إلى تونس والمغرب ومصر والخليج العربي. نريد أن نكون همزة وصل بين العالمين العربي والأوروبي وآخر معرض كان بين جامعتي السربون وتونس وكان بعنوان : Visage croisé وجمع عددا من الفنانين وأساتذة علم الجمال في فرنساوتونس والمعرض الأخير كان للفنانين العراقيين في الداخل لأنه يجب علينا مساعدة هؤلاء الفنانين الذين عانوا غياب المواد الأساسية للعمل. لا بد أن نمدّ لهم يد العون وجاءت اللوحات من بغداد مباشرة . من أين تأتي تمويلات المعهد ؟ ممّا لا شكّ فيه أن عدم اعتماد التمويل الخارجي مسألة من أصعب ما يكون وتتطلّب تضحيات ولكن القيمة الحقيقية هي العمل بحرية وأنّ الأوساط العربية الموجودة في فرنسا تنظر إليك باعتبارك إنسانا مستقلا وهذا مهم جدّا لأنه يسمح لك أن تجمع مختلف الطوائف والتيارات السياسية العربية تستطيع أن تجمعهم في مكان واحد دون خشية من أي تهمة حقيقية أو وهمية. إذن من الأشياء المهمّة جدّا هو استقلالية المكان ولسوء الحظ التعامل مع الجهات العربية يعني التبعية بشكل أو بآخر وإن لم تكن التبعية مفروضة مع الصك المدفوع فهي أحيانا تكون مفروضة ذوقيا باعتبار أن من ساعدك لا ينبغي أن تغضبه. نحن نريد أن نفكّر بحرية واستقلالية نفكّر أنّنا مواطنو العالم أوّلا ثمّ مواطنو العالم العربي ثانيا ثمّ أنّنا ننتمي إلى أصول لغوية وعرقية داخل العالم العربي حتّى يضيف كلّ منّا إلى هذا العالم العربي يعني أن نفتح المجال أمام كلّ الاتجاهات والتيارات كي تعبّر عن نفسها وأن لا نقتصر على اتجاه معيّن يمنع الآخرين من الحديث. مشكلتنا أن التعددية حقيقة في العالم العربي لكنّنا نتجاهلها لابد من حوار عربي عربي هذا شيء هام جدّا. التأكيد على وحدة التاريخ العربي شيء جميل لكن عندما يتحوّل إلى إقصاء إلى مراحل أخرى من تاريخنا يتحوّل إلى أقصاه. العالم العربي يعتني بالبربرية والسريانية والفرعونية والفينيقية والرومانية كل هذا يعني الثقافة العربية لأنّها جذورنا المشتركة. الفيلسوف أفلوطين ينظر إليه على أساس أنّه يوناني وهو مصري، لماذا هذا ؟ لماذا لايكون أفلوطين وغيره من تراثنا الحضاري؟. ما هي طبيعة علاقة المعهد بالسفارات والمراكز الثقافية العربية في فرنسا ؟ علاقتي بشكل عام طيّبة مع جميع الهيئات الديبلوماسية وغيرها مثل معهد العالم العربي لكنّها علاقة غير مثمرة لأنني لا أطلب ترجمة هذه العلاقة ماديا أو معنويا لأنّنا نعلم أنّ كل هيئة ديبلوماسية تحسب ألف حساب في أيّة علاقة... ففي العالم العربي هناك معارضات تعيش في فرنسا وهناك حساسيات بين الدول العربية وبالتالي فأنت لا تستطيع أن تصدر كتابا يهتم بقضايا العالم العربي دون أن تضع في اعتبارك هذا المعطى... فهذا يخشى أن يلتقي مع فلان الفلاني لأنّه معارض سلطة بلده وأيضا المثقف الذي اختار المعارضة يرفض أن يشارك في لقاء فيه ديبلوماسيين معهد العالم العربي له ظروفه الخاصة التي تجعل من عمله ممتازا لكنّه محدود بحدود معيّنة. في كل الأحوال أحاول أن أنظّم شيئا رغم الصعوبات ففي سنة 2003 نظّمت ست أو سبع ندوات عن الجزائر بمناسبة سنة الجزائر في فرنسا وشاركت فيها شخصيات هامّة جدّا قمت بهذا دون أن أحصل على مليم واحد من أيّة هيئة لا فرنسية ولا عربية. العمل في هذا المعهد عمل ثقافي وليس سياسي وأنا لست ساذجا ولا أعتقد أن هناك عملا ثقافيا دون أن يكون سياسيا ولكن عندما تقوم بعمل سياسي نصطدم بالحائط في حين عندما نقوم بعمل ثقافي فالثقافة هي الشيء الوحيد الذي يجمع العرب مع الثقافات الأخرى لذلك فإن ما نهدف إليه في هذا المعهد ليس فقط التوجّه للعالم العربي لأنّي أعتقد أن العالم العربي مليىء بالتناقضات لكني اكتشفت بعد 34 سنة من الإقامة في باريس أن هناك 5 ملايين عربي ومسلم على الأقل في فرنسا هؤلاء يبحثون عن موقع داخل فرنسا ويشعرون بضرورة التعرّف على الثقافة. في فرنسا هناك جمعيات عربية إسلامية تقدّم الثقافة العربية في حدود لأنها مقتصرة على ما يسمّى بالعلوم الإسلامية يعني علم الصلاة وعلم الوضوء إلخ... هل الثقافة الإسلامية هي فقط هذا ؟! ماذا نسمّي الشعر والموسيقى والأدب ماذا نسمّي ابن خلدون هل هو ثقافة إسلامية أم غربية وابن رشد والفارابي وابن سينا والشابي والبياتي والسياب وعبد الصبور بماذا نسمّيهم ؟ لذلك اخترنا في المعهد تقديم ما لاتقدّمه الجمعيات الإسلامية إلى الجيل الثاني والثالث من العرب والمسلمين... أبحث عن هامش مختلف وهو ما تهمله هذه الجمعيات من الثقافة العربية. هل استطاعت النخبة العربية في فرنسا أن تؤثّر في الخطاب الفرنسي ؟ أستطيع أن أقول أن من ينظر إلى المشهد الثقافي الفرنسي سنة 1970 وينظر إليه الآن يجد أن هناك طفرة هائلة حدثت عام 1970 كنّا نبحث عن نشر ترجمة لرواية لتوفيق الحكيم فنذهب إلى دار نشر فرنسية صغيرة لا أهمية لها وندفع لصاحب الدار تكاليف الطباعة حتّى تنشر الرواية باسمها. اليوم الأعمال العربية المترجمة لكبار الروائيين والشعراء العرب في فرنسا تعدّ بالآلاف. دور النشر العربية أصبحت كثيرة في فرنسا كما أن دور النشر الفرنسية أصبحت تهتم بالأدب العربي يعني أن هناك ازدهار. إذن نستطيع أن نقول أن هناك حركة ثقافية حقيقية موجودة في فرنسا ليس فقط على مستوى الترجمة لكن على مستوى النشر باللغة العربية أيضا من جهة أخرى الحضور الثقافي يتمثّل أيضا في الموسيقى العربية التي أصبحت منتشرة جدّا في فرنسا. لكن المشكلة أن هناك جهات لاترضى أن تقدّم الثقافة العربية بشكل إيجابي الشروط السياسية التي فرضها الوضع العالمي تجعل هناك نوع من التوتّر سواء على مستوى العرب أنفسهم أو الفرنسيين أو بعض القوى التي ليس لها مصلحة في انتشار الثقافة العربية. لكن هذه مسألة عابرة لأن الحضور العربي سيكون إيجابيا مهما بلغ حجم التشويه إذ أنّني أعتقد أن هناك تشويه قادم من العرب والمسلمين أنفسهم. هل فكرتم في إصدار مجلّة ؟ كنت أنشر مجلة باللغة العربية بعنوان : أصول وحقّقت نجاحا كبيرا في العالم العربي وكانت تباع في تونس. كنت أحرّرها في فرنسا وأطبعها في مصر لكنها كانت مجلة خاسرة في المستوى المادي رغم نجاحها في مستوى المضمون. أعتقد أن الأفضل هو إصدار الثقافة العربية باللغة الفرنسية ونحن الآن نعدّ لإصدار مجلّة ونشر بعض الكتب ولدينا ترجمة تحت الطبع لقصائد لصلاح عبد الصبور وكتاب عن «لامرتين والإسلام» وكتب أخرى. وستكون المجلة فصلية باللغة الفرنسية تكون في مستوى جيّد شكلا ومضمونا فهدفنا هو الوصول إلى المثقّف الفرنسي وهذا يشترط مسارا خاصّا. * التقاه في باريس نور الدين بالطيب