أول تعليق لرئيس الجمهورية على أعمال العنف في حي التضامن..    فظيع: وفاة كهل جرفته مياه وادي الصابون بفريانة بعد ارتفاع منسوبه..    في مكالمة هاتفيّة مع نظيره الصربي ..وزير الخارجية يتلقى دعوة إلى زيارة صربيا    الحكومة لا تتفاعل مع قرارات الرئيس...عمال الحضائر يطالبون بوضع حدّ للهشاشة المهنية !    فظيع: ينتمي إلى شبكة دولية في إيطاليا .. تونسي يستدرج أطفالا لفيديوهات جنسية    ملف التآمر على أمن الدولة ..ختم الأبحاث و إحالة الملف على دائرة الإتهام    وزارة الفلاحة :'' الحشرة أصيلة أمريكا اللاتينية وغزت تونس خلال صائفة 2021''    أولا وأخيرا: ربيع النقل السريع    صفاقس ..70 عارضا بصالون الموبيليا وجهاز العرس    تقلص العجز التجاري بعد ارتفاع الصادرات وتراجع الواردات    مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟    إرتفاع أسعار الذهب لهذه الأسباب    طهران لإسرائيل: سنرد بضربة أقوى وبثوان على أي هجوم جديد    قوات الاحتلال تقتحم جنين ومخيم بلاطة وتعتقل عددا من الفلسطينيين بالضفة الغربية    بالمر يسجل رباعية في فوز تشيلسي العريض 6-صفر على إيفرتون    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    عاجل : خلية أحباء النادي الافريقي بألمانيا تهدد    خروج نديكا لاعب روما من المستشفى بعد سقوطه على أرض الملعب    أخبار النادي الإفريقي...بقاء المنذر الكبيّر غير مؤكد وغضب على العلمي    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار متفرقة بأغلب المناطق    سوسة: أحكام بالإعدام ضدّ قاتلي إمرأة مسنّة    الحماية المدنية: 19حالة وفاة و404 إصابة خلال 24ساعة.    صفاقس...يعتديان على الأفارقة ويسلبانهم    تفاصيل القبض على مروج مخدرات وحجز 20 قطعة من مخدر القنب الهندي في سليمان    الأولى في القيادة الأركسترالية في مهرجان «Les Solistes»...مريم وسلاتي مستقبل قائدة أوركستر عالمية    عنوان دورته السادسة «دولة فلسطين تجمعنا يا أحرار العالم»...المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج يحطّ الرحال بنابل    أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني عمل إرهابي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    خطير/ حجز 70 صفيحة "زطلة" لدى مسافر تونسي بميناء حلق الوادي..    آخر زلات بايدن: أشاد بدولة غير موجودة لدعمها أوكرانيا    الكيان الصهيوني : الرد على طهران لن يعرض دول المنطقة الى الخطر    قيس سعيد: لابد من دعوة عدد من السفراء الأجانب لحثّ دولهم على عدم التدخل في شؤوننا    الامارات: سحب ركامية وأمطار غزيرة مرفوقة بنزول البرد    عاجل: قيس سعيد: آن الأوان لمحاكمة عدد من المتآمرين على أمن الدولة محاكمة عادلة    حركة المسافرين تزيد بنسبة 6،2 بالمائة عبر المطارات التونسية خلال الثلاثي الأوّل من 2024    جندوبة: الاتحاد الجهوي للفلاحة يدين قرارات قطع مياه الري ويطالب رئيس الجمهورية بالتدخل    زغوان: تكثيف التدخلات الميدانية لمقاومة الحشرة القرمزية والاصابة لا تتجاوز 1 بالمائة من المساحة الجملية (المندوب الجهوي للفلاحة)    البطولة الافريقية للاندية البطلة للكرة الطائرة - فوز مولدية بوسالم على النصر الليبي 3-2    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    دار الثقافة بمساكن تحتضن الدورة الأولى لمهرجان مساكن لفيلم التراث من 19 الى 21 افريل    البطولة الوطنية لكرة السلة(مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة التاسعة    معرض تونس الدولي للكتاب.. 25 دولة تسجل مشاركتها و 314 جناح عرض    وزير الدفاع يستقبل رئيس اللجنة العسكرية للناتو    منظمة الأعراف تُراسل رئيس الجمهورية بخصوص مخابز هذه الجهة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    أكثر من 129 ألف مترشحا لبكالوريا 2024 يشرعون في اجتياز اختبارات التربية البدينة " الباك سبور"    الدورة السادسة لملتقى "معا" للفن المعاصر بالحمامات يستضيف 35 فنانا تشكيليا من 21 بلدا    أنس جابر تبقى في المركز التاسع في التصنيف العالمي لرابطة محترفات التنس    نصائح للمساعدة في تقليل وقت الشاشة عند الأطفال    المؤتمر الدولي "حديث الروح" : تونس منارة للحب والسلام والتشافي    ايطاليا ضيف شرف معرض تونس الدولي للكتاب 2024    تألق المندوبية الجهوية للتربية صفاقس1 في الملتقى الاقليمي للموسيقى    تونس: التدخين وراء إصابة 90 بالمائة من مرضى سرطان الرئة    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    أولا وأخيرا... الضحك الباكي    تونس تحتضن الدورة 4 للمؤتمر الأفريقي لأمراض الروماتيزم عند الأطفال    فتوى جديدة تثير الجدل..    الزرع والثمار والفواكه من فضل الله .. الفلاحة والزراعة في القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار (5)
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 02 - 2008


عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار (5)
* علي شرطاني
- استراتيجية "حماس" في فتح معبر رفح العربي الإسلامي :

لم تكن مدينة رفح طوال تاريخها مصرية ولا فلسطينية، ولكنها كانت عربية إسلامية، ولم تصبح مصرية فلسطينية إلا بفعل "لإستعمار" الغربي، والصهيونية العالمية، والحركة القومية العربية الوحدوية، والنظام العربي العلماني والتقليدي على حد سوى. وبفعل النخبة العلمانية اللائكية والتقليدية زاعمة الوحدة، ومقيمة الإقليمية والقطرية والإنفصال، والمحافظة على الإرث الإستعماري في الحدود والتقسيم، وتأكيد الفرقة والإنقسام، ليس الجغرافي فقط، ولكن الأشد منه خطرا، والمتمثل في الإنقسام الفكري والثقافي والإجتماعي، والعرقي والديني والطائفي وتأبيد الحدود، في الوقت الذي كانت الزعامات الوحدوية العربية قد أمجت أسماع الشعوب والجماهير بشعارات الوحدة والحرية والإشتراكية عقودا من الزمن. لقد أوجدت كل هذه الجهات مجتمعة هذه الحالة من الإنقسام والتجزئة والفرقة والإنقسام، والذي لم يكن إلا لصالح الغرب الصليبي والكيان الصهيوني، الذين أصبحت مخططاتهما تمر عبرالنظام العربي الوحدوي "الإنفصالي"، والنخب العلمانية اللائكية والتقليدية الداعمة له. فمدينة رفح هي كغيرها من المدن والقرى والمناطق والمساحات الحدودية الكائنة بين مختلف أجزاء الوطن العربي الواحد، وبين أجزاء العالم الإسلامي الواحد.فالوضع غير الطبيعي الذي عليه "هذه المدينة الفلسطينية المصرية"، هو وضعها الحالي، وهو الوضع الشاذ الذي عليه كل أجزاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهو الوضع الذي أصبح عليه كل أجزاء وأقطار وأوطان العالم العربي الإسلامي الواحد، وهو الوضع الذي لا يجب أن يكون، والذي لا يجب أن يستمر، والذي لا يزول إلا بزوال أسباب وجوده، وبزوال الجهات والأطراف التي أوجدته وفرضته واعتمدته وأكدته.وبما أن هذا المعبر هو معبر غير طبيعي، وليس إلا من صناعة الغرب والصهيونية وأتباعهما، فالطبيعي هو فتحه وليس إغلاقه، والطبيعي هو إنهاء العمل به، وإزالة مثل هذه الحدود، ليس التي جعلت من مدينة رفح العربية الإسلامية الموحدة مدينة مقسمة تقسيم الوطن العربي الواحد، والعالم الإسلامي الواحد، إلى رفح المصرية ورفح الفلسطينية، ولكن كذلك تلك التي جعلت من الوطن العربي أوطانا، ومن الشعب العربي شعوبا، وتلك التي جعلت من العالم الإسلامي شعوبا وأمما وأوطانا وطوائف وأعراقا وعشائر وقبائل.
ما كان للشعب الفلسطيني أن تكون منه تلك الهبة الجماهيرية لولا إيمانه، وإن لم يكن قاصدا هذه المرة، أن هذه المدينة هي مدينته، وأن هذا المعبر هو معبره، وأن هذه الحدود ليست حدوده وهي في النهاية لا تلزمه وفي حال الإضطرار على الأقل. ولذلك كان العمل في موقعه وفي وقته، وبالطريقة التي تقتضيها حالة الإضطرار الشديد، والتي يقتضي الأمر فيها في الحقيقة، نظرا لحالة الضغط الشديد، وحالة التوتر الأشد، وحالة الإحتقان الأكثر شدة، أكثر عنفا وأكثر تهورا وأكثر انفلاتا وفوضى. وكان يمكن أن يكون ذلك ممكنا لولا حكمة القيادة السياسية في غزة وحرصها على عدم استفزاز القيادة المصرية، وإدارة المسألة بأكبر قدر من الحكمة والمسؤولية. وبناء على ذلك كان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر قد أبدى مستوى راقيا من الإنضباط والسلوك الحضاري الذي يحسب له ويكسبه التقدير والإحترام. وليس زحف مجاهدات الشعب الفلسطيني في غزة على معبر رفح واقتحامه إلا من الحكم البالغة لقطع الطريق على كل الظنون والشكوك والمزايدات. وهي خطوة ناتجة عن معرفة دقيقة بالعقلية العربية التي تعتبر أن كل عمل من هذا القبيل حين يكون من طرف الرجال، لا يكون النظر إليه من خلال العقلية العربية الشرقية إلا على أنه تحد وعمل ممنهج يستهدف السيادة المصرية والأمن القومي المصري، ويراد به إلحاق الضرر بالشعب المصري الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته، ويرى أن الشعب الفلسطيني منه وإليه، وأن الأرض المصرية والفلسطينية هي أرض واحدة ووطن واحد لشعب واحد.وقد كان من الحكم البالغة للقيادة الفلسطينية في قطاع غزة، أن أوكلت مهمة اقتحام المعبر، الذي هو معبر فلسطيني مصري، كان ينبغي أن لا يكون وضعه على ما هو عليه، وكان ينبغي بوجوده أن لا يكون الحصار بالسوء الذي كان عليه وبالشدة التي كان عليها، وأن لا يكون الضغط على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بتلك الشدة وعلى ذلك المستوى من القسوة، لنساء فلسطين المجاهدات الشهيدات بنات الشهداء والشهيدات، وبنات الأسرى والأسيرات، وبنات المجاهدين والمجاهدات، وبنات المرابطين بأرض الرباط والمرابطات، لإنجاز المهمة العظيمة، ولتنجزها حرائر فلسطين، ولسحب كل الذرائع من المرجفين والمفسدين وأبواق الدعاية وموقضي الفتن والسائرين في ركاب العدو من حيث يريدون أو لا يريدون، ومن حيث يدركون أو لا يدركون، ومن حيث يعلمون أو لا يعلمون، ومن حيث يشعرون أو لا يشعرون، أولئك الذين رغم كل شيئ، ورغم كل هذه الحكمة، ورغم كل هذا الإنضباط، لم يستطيعوا إلا أن يرفعوا عواقرهم ويصخروا أقلامهم، لمحاولة دفع الرأي العام المصري باتجاه استبدال تضامنه وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني واحتضانه، بالحقد عليه وكراهيته والنظر إليه على أنه من المعتدين على سيادة مصر، ومن المهددين لاستقلالها ولأمنها الوطني، ولاستقرارها ووحدة شعبها، دفاعا عن الحدود وعن الإقليمية والقطرية والإنفصال، والقبول باستمرار الحصار، وببقاء الفلسطيني مكتوف الأيدي حتى يهلك جوعا وعطشا في عالم وفي دنيا الطعام والماء ووفرة المادة التي تحولت إلى معبود يفقد الإنسان أمامه أي قيمة إنسانية له، محاطا بعالم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي دنيا العقل والعلم والحضارة.
كان يجب أن يبحث الشعب الفلسطيني لنفسه عن متنفس، وكان يجب أن يكون ذلك باتجاه أي دولة عربية، وكان يجب أن يكون ذلك باتجاه مصر أو الأردن، بل كان يجب أن يكون باتجاه مصر ومن خلال معبر رفح تحديدا، وذلك ما له فيه حق، وذلك ما ليس لأحد في الحقيقة أن يمنعه منه عندما لا تتحمل مصر القيادة مسؤوليتها في تشغيل المعبر، وفي تمكينه وهو صاحب الحق في إدارته من العبور منه، ومن تذليل ما استطاع من الصعوبات التي تواجهه في الحصار الذي فرضه عليه الإحتلال ومن وافقه على ذلك، ومن استجاب لندائه، ومن كان عند طلبه اقتناعا أو خوفا أو طمعا.
كان يجب أن يكون ذلك قد حدث منذ البداية. وكان يجب أن يكون ذلك بأي طريقة وبأي أسلوب وبأي ثمن، خاصة وأن القيادة المصرية لم تكن قادرة على تحمل مسؤوليتها في إدارة المعبر بما لها فيه من حق في إدارته، وبما يحقق مصلحة وأمن الشعب المصري والشعب الفلسطيني معا. إلا أن هذه القيادة كانت تجعل تقديم واحترام الإتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات الظالمة الجائرة المجحفة في حق الشعب المصري والفلسطيني معا في المقام الأول، وعلى حساب مصلحة "الشعبين" وأمن الشعبين وكرامة الشعبين لحساب العدو وحلفائه ومؤيديه وداعميه، في موطئ قدم كان ينبغي أن لا يكون له أي حق وأي دور في إدارته والإشراف عليه.
أما وقد التقت مصلحة القيادة السياسية المصرية والقيادة السياسية الفلسطينية المتمثلة في محمود عباس وعصابته في الضفة الغربية مع مصلحة الكيان الصهيوني في ما كانت هذه الأطراف تتفق فيه من موقف عدائي مشترك من القيادة الشرعية ذات الطبيعة الإسلامية في قطاع غزة، والتي من حقها أن تمتد سلطتها على الضفة الغربية كذلك، بل وعلى فلسطين كلها، باعتبارها القيادة الوحيدة التي تتمتع بشرعية كاملة من دون كل القيادات الموجودة هنا وهناك، سواء كانت قوة احتلال أو قوة نظام سياسي أو سلطة سياسية علمانية لائكية أو تقليدية مستبدة ظالمة. فقد كان الوضع في فلسطين كلها وفي قطاع غزة تحديدا وفي معبر رفح خاصة على ذلك النحو الذي ينزع الشرعية الوطنية والقانونية من المقاومة ومن الحركة الإسلامية عموما، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كبرى حركات المقاومة في فلسطين المحتلة، من حقها ذات يوم في الإشراف على تسيير المعبر، حتى يتسنى لكل هذه القوى خنق الحركة وخنق الشعب الفلسطيني معها في الوقت المناسب. وذلك ما كانت خططت له هذه الجهات وهذه الأطراف، وما جعلته منذ البداية في اعتبارها.
- موقف النظام المصري :
كان النظام المصري بين ثلاثة عوامل رئيسية محرجة، ليس الواحد منها بأفضل من الآخر.
كان:

1- بين اقتناعه، باعتبار طبيعته العلمانية الهجينة، وتبعيته للغرب ولأمريكا والصهيونية تحديدا، وعدم امتلاكه لسلطة القرار شأنه في ذلك شأن كل الأنظمة التابعة، بأن يكون شريكا في الحصار، نظرا لموقفه المعلوم من المشروع الإسلامي ومن الحركة الإسلامية المعاصرة كحركة تحرر عربية إسلامية، وأن لا يكون طرفا ولا معنيا بفكه أو بالمساعدة على ذلك.
2- وبين التزاماته الدولية في ما اتفق فيه مع الإحتلال ومع قيادة ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية ومع الإتحاد الأوروبي وما يسمى الرباعية الدولية في عدم التعامل مع القوى والتنظيمات "الإرهابية" في المقاومة الفلسطينية، بعد انتهاء النظام العربي إلى اعتبار السلام خياره الإستراتيجي، وفي احترام الإتفاقية المنظمة لمعبر رفح الحدودي، بما يجعله في الأصل لا يتعامل إلا مع الجهات الرسمية الممضية عليها، ولا حق له في التعامل مع غيرها، خاصة حين تكون هذه الجهة ذات طبيعة عربية إسلامية، ومؤمنة بالمقاومة والإصلاح كخيارين استراتيجيين للتحرير ونيل الإستقلال، ورافضة لما يسمى بخيار السلام على طريقة النظام العربي الفاسد، وعلى الطريقة الغربية الأمريكية الصهيونية الإستعمارية العنصرية بخلفيتها اليهودية الصليبية، خاصة وأن هذه الجهة كانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي أصبحت في قطيعة كاملة وتامة مع حركة فتح، كثاني أكبر شريك في السلطة السياسية بفلسطين المحتلة بعد نتائج أول انتخابات تشريعية ديمقراطية وشفافة جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد فضيحة أوسلو، وكانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" طرفا فيها. وهي التي انتهت إليها السيطرة الكاملة على القطاع التي أصبحت بعده معنية بنظام المعابر وبالإتفاقيات التي تحكمها وتنظمها، وخاصة معبر رفح الحدودي مع مصر.
3- وبين الرأي العام المصري والعربي الإسلامي المتعاطف مع الشعب الفلسطيني العربي المسلم والمساند والداعم له في حقه في التحرير والإستقلال وإنهاء الإحتلال والحصار والمعاناة.
وقد جعل لعامل التأييد الشعبي المصري والعربي الإسلامي الإعتبار الأول في التعامل والتعاطي مع القضايا العالقة ذات الصلة بالشعب الفلسطيني المحتل والمحاصر، ولم يكن ذلك من قناعاته، ولكنه رأى أن ذلك كان في مصلحته، وأنه كان من الصعب عليه في ظرف حرج للغاية أن يتخذ بعض الخطوات المتفقة مع قناعاته ومع قناعات ومصلحة قوى الهيمنة الدولية التي ليس لها مكان في العالم هي فيه أكثر سيطرة على الأوضاع منه في الوطن العربي المفكك والعالم الإسلامي المبعثر والمشتت. وهي الأوضاع التي كانت ومازالت وستظل المسؤولية فيها على النخب العلمانية العبثية والتقليدية العدمية. ذلك أنه لم يخطو خطوة في كل ما جد مما له علاقة بقضايا الشعب الفلسطيني وبمعاناته إلا بعد وقت طويل، وبعد البحث عن حلول مع بعض الجهات المعنية، وبعد تمسك الفلسطينيين في أي قضية من القضايا المتعلقة بالعلاقة بالمعبر دخولا وخروجا وذهابا وإيابا، وتحت طائلة الخوف من المفاجئات غير السارة المحتملة دائما، وبعد أن لم يكن هناك بد من إيجاد حلول للقضايا العالقة المتعلقة بتشغيل المعبر. كان النظام المصري، وخلافا لقناعاته ولمصلحة قوى الهيمنة الدولية، وتحت ضغط القوى الوطنية العلمانية والإسلامية المصرية الداخلية منها والخارجية، وأمام الحرج الشديد الذي كانت تمثله له الإحتياجات الفلسطينية الملحة التي لا وجود لطريق لحلها إلا عبر الحدود المصرية الفلسطينية المنظمة في معبر رفح، الذي للنظام المصري عليه السيطرة والإدارة، والذي من المفروض أن للشعب المصري عليه السيادة، وإن كانت اتفاقيات الوضع في سيناء مخجلة في الحقيقة ومذلة، ومازا الحديث عن سيناء المحررة ليس دقيقا بل ليس صحيحا، لا يتدخل لحل أي إشكال، ولا يبدي استعداده للتدخل السريع لمعالجة أي مشكلة مهما كانت، وعلى أي مستوى من الحرج والخطورة، مما جعل الكثير من المواطنين الفلسطينيين يلفظون أنفاسهم الأخيرة ويفارقون الحياة عند المعبر، والنظام المصري يرقب ذلك ولا يحرك في البداية ولمدة آجال طويلة أحيانا ساكنا. وكانت تلك قيمة الأنفس البشرية لدى النظام العربي المصري كغيره من الأنظمة العربية في مختلف أقطار الوطن العربي، وكغيره من الأنظمة العلمانية الهجينة المغشوشة في مختلف أوطان شعوب الأمة في العالم الإسلامي. وهي نفس القيمة التي للكيان الصهيوني لأنفس وأرواح العرب والمسلمين، بل لكل الأنفس والأرواح البشرية الأخرى في كل أقطار الدنيا من دون اليهود، وفق الثقافة التوراتية الإنجيلية المحرفة، وهي ليست قيمة النفس البشرية لديه حين يتعلق الأمر بأقل وبأي نفس بشرية يهودية ولو كانت بقايا جسد وأشلاء لأي يهودي، وكذلك هو الشأن بالنسبة للإنسان الأبيض الغربي الذي أقام الحضارة على أساس التفوق والنقاء العرقي الغربي للرجل الأبيض، وعلى أساس التفوق الديني المسيحي على قاعدة أن الديانة المسيحية المحرفة هي خلاصة الأديان، كما كان التأكيد على ذلك من طرف المفكرين والفلاسفة الغربيين منذ القرن الرابع عشر حتى القرن الثامن عشر الذي انتهى فيه الفيلسوف الألماني هيجل خاصة إلى إرساء قواعد الفكر الغربي والثقافة الغربية للطبقة الرأسمالية البورجوازية الغربية صانعة الحضارة المادية المعاصرة، ومفجرة حركة الإستعمار البغيضة.
وهو النظام الذي كان لا يتقدم خطوة باتجاه إنقاذ بعض المواقف، والتدخل لحل بعض القضايا الخطيرة الملحقة أضرارا كبيرة بالشعب الفلسطيني وبمختلف مكونات المجتمع فيه، إلا بعد أن يرى أن ذلك قد أصبح من القضايا التي لم يعد ينفع التغاضي ولا غض الطرف عنها ولا المماطلة فيها، وأنه لا بد له من أن يتدخل لإنقاذ الموقف ولإيجاد حل لمن لا حل لمشكلاتهم إلا بتدخله، لوضع الترتيبات المناسبة قانونيا أو إنسانيا، وأمام الضغط الشديد والحرج والتوتر الشعبي المصري والفلسطيني والعربي الإسلامي والإنساني الشديد أحيانا.
لقد كان موقف النظام المصري خجولا جدا في ما يتعلق بقضية الحصار، وبما له من سلطة ومن دور على معبر رفح. وكان موقفا مترددا لامبدئيا في ما يتعلق بالعلاقة بما حدث وما يحدث في قطاع غزة من صراع ومن حصار، وهو الذي لم تكن منه مبادرة شجاعة واحدة معبرة عن مسؤولية كاملة وجدية واضحة في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في ما يعانيه من أهوال وقتل وتدمير وحصار، منع عليه فيه الإحتلال الصهيوني والعالم من حوله الوقود والطعام والماء والدواء وكل ضروريات الحياة، عقابا له على صموده وبسالته وتمسكه بحقوقه كاملة في الحياة على أرضه كغيره من سكان وشعوب الأرض، ومن أجل تمسكه بحكومته الشرعية المنتخبة، وبقياداته الميدانية الجادة الصالحة التي هي منه وإليه. ولكن كل الذي بدا منه، كان من مواقع الحرج الشديد، والضغط الذي كان يخشى أن يتفجر من خلاله الوضع، ليس بالبلاد فقط، ولكن بالمنطقة كلها.لقد كان النظام المصري كعادة النظام العربي المنتهية في الحقيقة صلاحيته، والذي يلعب في الوقت بدل الضائع، والذي مازالت قوى الهيمنة الإستعمارية الغربية التي أوجدته والصهيونية العالمية في حاجة إليه، والذي لم تعد الجماهير والشعوب العربية الإسلامية في حاجة إليه، لا يصنع الأحداث دائما، ولكنه يجاريها ويواكبها ويتبعها، يتبع الإحداث التي أصبح الشعب الفلسطيني من مواقع الحصار والإغلاق هو صاحب المبادرة في صناعتها بكل فئاته، برجاله ونسائه وأطفاله، وبكل فصائل المقاومة الجادة المخلصة والصادقة فيه. ومن موقع اللاهث وراء الأحداث المتفجرة من حوله، كان النظام المصري ينأى بنفسه عن المواقف المتوترة المتشنجة التي تورطه في أدق وأهم قضية من قضايا أمة العرب والمسلمين والأحرار في العالم، وكانت دبلماسيته تتمثل في النهاية في الموافقة على ما يحدث مما لا إيمان له به ولا اعتقاد له فيه من منطلق مبدئي ليحمد بما لم يفعل، وليحسب له ما وقع مما لم يبادر به ومما لا اقتناع له به، وما لم يعارضه، وهو المؤمن في الأصل بمعارضته، وما لم يقمعه وهو المؤمن في الأصل بقمعه، وله في ذلك تاريخه الطويل وعاداته وتقاليده وثقافته، وما يتوافق مع توجه الرأي العام الشعبي العربي الإسلامي الذي لا احترام له عنده في الأصل، ولا اعتبار ولا قيمة له عنده كذلك عادة ومن منطلق مبدئي، وما لا يتوافق في الأصل مع توجه القوى الدولية الغربية الأوروبية والأمريكية والصهيونية، والذي لا مصلحة لها فيه وما لا تريده ولا ترغب فيه، ولا توافق لو كان لها الأمر والرأي عليه.
لقد أصبح النظام المصري مجبرا ومضطرا للتعامل مع الحكومة الشرعية الميدانية المنتخبة ديمقراطيا في قطاع غزة. وهو الذي لا يعترف لها بالشرعية التي لا معنى لها في ثقافة النظام العربي المتخلف إلا حين تكون ممثلة في شخص الرئيس "المنتخب". أما لما تكون ممثلة في مجلس نيابي منتخب وفي حكومة منتخبة، فلا قيمة للشرعية ولا معنى لها، ولا اعتراف للنظام العربي الفاسد بها. ولذلك فقد كان النظام المصري، وهو يتعامل ميدانيا وواقعا مع الحكومة المنتخبة شعبيا من موقع المضطر، والقابل بالأمر الواقع الذي لا يملك حياله شيئا، وعينه على الشرعية التي لا علاقة لها بالأحداث ولا علاقة لها بالواقع الفلسطيني في قطاع غزة، ولا دور لها في إدارته، والمتمثلة في محمود عباس وعصابته المتعاونة مع الإحتلال والمشاركة في الحصار، ومعاقبة الشعب الفلسطيني من أجل تمسكه بقيادته الشرعية الميدانية المتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وبحكومته المنتخبة، والرافض لحكومة فياض الصهيونية الأمريكية الأوروبية العربية الرسمية، وينتظر الوقت المناسب الذي يجد فيه نفسه في غير علاقة وفي أي مستوى مع المقاومة ومع القيادة الشرعية الممثلة في الحكومة الشرعية التي ترأسها "حماس"، وفي علاقة مباشرة أو غير مباشرة وفي أي مستوى، مع الشرعية في قاموس النظام العربي وفي ثقافته المتخلفة الرجعية الفاسدة، والتي يمثلها عنده الرئيس الفلسطيني المنتخب محمود عباس وحكومته غير الشرعية برئاسة فياض
...(يتبع)
* صاحب المدونة على الرابط التالي :
http://chortani.wordpress.com
رابط البريد الإلكتروني :
[email protected]
المصدر: بريد الفجرنيوز Thursday, February 28, 2008 12:42 PM


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.