بقلم: شعبان عبد الرحمن الفجرنيوز حالة تصيب المرء بالحيرة والتفاؤل حينًا، وبالأمل والحسرة حيناً آخر.. فبينما يتحول الخمول إلى بَلادة في بلادنا؛ يزداد صوت الضمير في الغرب قوة، وتتسع صيحاته بطريقة تقرع الآذان، وتصيب الصهاينة بحالة من الهستيريا، خاصة أن صوت الضمير ينطلق من شخصيات ومؤسسات لها وزنها الكبير في المجتمع الأمريكي، وذلك جديد- لمن يرقُب حركة المواقف- على الساحة الأمريكية بل والغربية، فقد عوّدتنا الساحة الأمريكية- رسمية وشعبية- على المواقف المنحازة للصهاينة على طول الخط ودون تفكير، لكن شيئًا جديدًا بدأ يتشكل وينمو يومًا بعد يوم، وهو يؤشر إلى ملل قطاعات مهمة من العربدة الصهيونية، وذلك ما حدث قبل أيام من الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر".
فبينما يغلّف الصمت المنطقة العربية حيال ما يجري في القدس وحيال فظائع الصهاينة؛ خرجت مفاجأة تاريخية من عقر دار الغرب تصفع الصهاينة، وتبصق في وجوههم حيال ما يقترفونه هناك ليل نهار، وذلك عبر مشاركة الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" (82 عامًا) مع الرئيسة الأيرلندية السابقة "ماري روبينسون" في مظاهرة فلسطينية حاشدة في قلب القدس ضد الممارسات الصهيونية الجائرة؛ حيث أشاد بصمود سكان القدس وقال: إن هدم المنازل وإجلاء العائلات أمر غير عادل ولن يؤدي للسلام، وانتقد الحصار "الإسرائيلي" المفروض على قطاع غزة، قائلاً: إن "مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في سجن أو قفص، وقد أطبق عليهم الحصار من كل جانب، وحُرموا من حقوقهم الأساسية". (القدس "أ.ف.ب" 23/10/2010م).
ومشاركة رئيس أمريكي سابق بوزن "كارتر" (الرئيس ال39 للولايات المتحدة) في مظاهرة في قلب القدس، وتجشمه عناء السفر من بلاده إلى فلسطين وهو ابن الثانية والثمانين من العمر.. حدث تاريخي بكل المقاييس، فلم يحدث أن فتح رئيس أمريكي- خلال حياته- فمه بكلمة نقد ضد الصهاينة لا أثناء توليه الرئاسة ولا بعد تركه لها.. "كارتر" فقط هو الذي فعلها وبقوة، وكل من سبقوه في الغرب احتفظوا بحنقهم على اليهود حتى فارقوا الحياة، فالرئيس الأمريكي "هاري ترومان" وهو أول رئيس أمريكي يعترف بالكيان الصهيوني عام 1948م صبّ في يومياته التي نشرت- بعد وفاته بالطبع- على موقع "مكتبة ترومان" على الإنترنت صبّ جامَّ غضبه على اليهود قائلاً: "... إن اليهود أنانيون جدًّا جدًّا.. وحين يتمتعون بالسلطة المالية؛ فإنهم لا يدعون "هتلر" أو "ستالين" يتفوقان عليهم فظاظة وسوء معاملة تجاه الناس العاديين...".
وفي عام 1999م أفرج الأرشيف القومي الأمريكي عن كامل الأحاديث الصوتية التي أجراها الرئيس الأسبق "ريتشارد نيكسون"؛ فانكشف عمق الغضب والكراهية اللذين يحملهما "نيكسون" لليهود، وكان ذلك سببًا في الإطاحة به.
نفس المشاعر حملها الرئيس "جيرالد فورد" الذي خلف "نيكسون" بعد فضيحة "ووترجيت"؛ إذ قال لأحد أعضاء "الكونجرس" الأمريكي متعجبًا: "هل سنسمح لليهود أن يحكموا السياسة الخارجية الأمريكية؟!".
فقط الرئيس "كارتر" هو الذي يصدع بمواقفه حيًّا، ويترجم أقواله إلى تحركات وأفعال، فمنذ عام 1980م قال لأحد المقربين إليه: "إذا تمت إعادة انتخابي فسوف أقسو على اليهود"، ولم يتم انتخابه، لكنه أصدر كتابه الشهير "فلسطين: سلام وليس فصلاً عنصريًّا" عام 2006م الذي شرح فيه النظام العنصري الصهيوني، ورغم الحملة الشديدة التي شنّها اللوبي اليهودي عليه؛ إلا أنه لم يستسلم والتقى قادة "حماس"، وما زال يواصل تحركاته.
إن قائمة الناقمين على المسالك اليهودية العنصرية من كبار الساسة والمفكرين والصحفيين تطول، وبتنا هذه الأيام نفاجأ بمواقف أشبه بالعمليات الاستشهادية تضرب اليهود في سويداء القلب، ويعلم أصحابها عاقبة مواقفهم والعقاب الكبير على ارتكابها، فقبل أسابيع قليلة فقَدَ الصحفي الشهير "ريك سانشيز" عمله في ال"سي إن إن"؛ لأنه انتقد سيطرة اليهود على القناة، وقبل ذلك بأشهر قليلة، واجهت عميدة الصحافة الأمريكية السيدة المحترمة "هيلين توماس" (89 عامًا) حربًا شعواء، وتجريدًا من كل مواقعها الصحفية؛ لمجرد قولها: "على اليهود أن يعودوا إلى بلادهم ويتركوا فلسطين لأهلها".. والقائمة تطول، والمزيد في الطريق، وهو ما يمثّل بارقة أمل في تحول الموقف الغربي نحو الحق العربي، ولكن تلك المواقف وإن كانت مزعجة للصهاينة؛ إلا أنها تظل تتحرك بصعوبة، ولا تجد أي صدى لدى مؤسسات صنع القرار في أمريكا، والسبب يسوقه لنا الرئيس "كارتر" نفسه قائلاً: "لا أعتقد أن أي عضو من أعضاء مجلس النواب أو من أعضاء مجلس الشيوخ يرغب في إعادة انتخابه سينتقد الحكومة اليمينية "الإسرائيلية" لسبب واضح ومباشر؛ هو أن كل من يتوجه بأي نقد مهما كانت درجة اعتداله إلى الحكومة "الإسرائيلية" أو حتى إلى سياسة من سياستها في الأراضي المحتلة؛ سيوصف بأنه معادٍ للسامية...". وبعد.. ألا يتخلى أهل البَلادة والانبطاح عن خصالهم؟! ------------------ * كاتب مصري - مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية