بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا كان الإسلام جزءا من ألمانيا فلم لا يعترف به دينا رسميا؟
نشر في الحوار نت يوم 08 - 10 - 2010

صرح الرئيس الألماني كريستيان فولف بمناسبة الإحتفال بالذكرى العشرين لعيد الوحدة الألمانية ( 3 أكتوبر 1990) بأن الإسلام أيضا جزء من ألمانيا وذلك بعدما ذكر اليهودية والمسيحية.كما صرحت المستشارة الألمانية قبل ذلك بأيام قليلة بأن المساجد جزء من ألمانيا ضمن مشهد التنوع رغم أنها أقدمت على أكبر خطوة في تراثها السياسي كما عبر عن ذلك المراقبون وذلك من خلال تكريمها للدانماركي صاحب الرسوم الساخرة قبل ذلك بأيام قليلة كذلك. تزامنت بعض تلك التصريحات بمقتل خمسة مسلمين ألمان من أصل تركي في إثر قصف إستهدف وجودهم في بعض مواقع المقاومة الأفغانية ضد الإحتلال الأمريكي. كما تزامن ذلك بحملات صحفية ألمانية وحملات مضادة يستند بعضها إلى تقارير إستخبارية تفيد بهجوم وشيك ضد أروبا بصفة عامة وألمانيا بصفة خاصة من لدن تنظيم القاعدة سيما أن ألمانيا باتت حتى اليوم في منأى عما أصاب بعض البلدان الأروبية الأخرى. وتزامن ذلك بصدور كتاب يتصدر واجهات المكتبات الألمانية أينما حللت وإرتحلت. كتاب أثار زوبعة وأسال مدادا وشغل الناس وتمحل فيه السياسيون بالإستنكار غير أن من قرأه يدرك أن الرجل وهو إقتصادي ألماني رفيع المستوى وصاحب تجربة مالية كبيرة “ سرازين “ بذل فيه من التحقيق الذي بذل وأتى فيه بالإحصائيات الدقيقة جدا سيما فيما يتجنب الألمان الخوض فيه أي : إنقلاب الهرم الديمغرافي رأسا على عقب في غضون سنوات معدودات سوى أن السياسيين من ألمان وغير ألمان لم يتوقفوا في الكتاب سوى عند ( ويل للمصلين ) كما يقولون. هو كتاب ( ألمانيا تهدم نفسها أو تعبيرا قريبا من ذلك Deutschland schafft sich ab). وتزامنات أخرى كثيرة تضيق عنها هذه المقدمة منها أن أكثر من رئيس حكومة ألمانية محلية ( بسبب النظام الفدرالي الألماني) طالب بضرورة إعتماد تدريس الدين الإسلامي في المدارس الحكومية.

إهتمام دولي بالإسلام غير مسبوق.

ربما لم تشهد الدنيا منذ قرون طويلة ربما تحديدا منذ إنطواء جزء كبير من التأثير الإسلامي الدولي بعيد أكبر حدثين هزا ذلك الوجود : سقوط بغداد في أيدي المغول و سقوط الأندلس الأروبية .. ربما لم تشهد الدنيا منذ تلك الأيام إهتماما متزايدا حيا بالإسلام بمثل ما يحدث اليوم. أنى إرتحلت بإهتمامك شرقا أو غربا لا بد أن تلفى أن الإسلام محل إهتمام الناس بين مؤيد وبين معارض وبينهما كثير ممن تضطره مواقعه السياسية والفكرية إلى البحث عن سبيل بين هؤلاء وأولئك.

هناك عامل معاصر جديد لا بد من تقديمه ضمن قراءة ذلك الإهتمام الدولي الواسع جدا بالإسلام حتى تكون المقاربة أدنى إلى الموضوعية. هو عامل الثورات الإعلامية التي حولت الأرض إلى رقعة صغيرة لا يقتصر شرقها على ترديد صدى غربها بل يعيشه معه لحظة بلحظة صوتا وصورة. ذلك معطى صحيح سوى أنه لا ينفي عالمية الإهتمام بالإسلام ولكنه يوسع أثره ويطير به أثيره فيضاعف من ذلك الإهتمام.

لماذا يهتم الناس بالإسلام إذن؟

لحسن الإجابة عن السؤال لا بد من أسئلة أخرى مساعدة من مثل : لم لا تحظى اليهودية والمسيحية بعشر معشار ذلك الإهتمام وهما بذلك جديران لأسباب كثيرة منها : أنهما دينان سماويان معترف بهما من لدن الإسلام ذاته ( إعترافا وضعيا وموضوعيا على قاعدة حرية الإعتقاد التي يرعاها الإسلام ثابتا من ثوابته العليا وليس إعترافا بالمشروعية الدينية التي تتنسب إلى الحق أو تدعي فيه نصيبا) وأن عدد المتدينين في العالم سيما بالمسيحية هو تقريبا عدد المتدينين بالإسلام وأن منابع القوة الإعلامية والمادية والسياسية والعسكرية التي يسيطر عليها المسيحيون إن بالقوة أو بالفعل بلغة الفلاسفة لا تقع أيدي المسلمين على عشر معشارها. لم لا يهتم الناس بالتنصير المسيحي الذي يضرب بقوة في إفريقيا حتى وصل لأول مرة بعض بلدان المغرب العربي مستغلا الفقر والجوع وآثار الحروب وحملات الهجرة إلى أروبا طلبا للعيش الكريم أثرا من آثار مؤتمر كولورادو عام 1978 ( إدفع دولارا واحدا تنصر مسلما)؟ أليست تحوز المسيحية على دولة تامة السيادة ( الفاتيكان) فضلا عن آلاف الأحزاب التي تنتسب إليها إسما أو حقيقة بمثل ما تحوز مؤسسات كنسية تعادل ميزانية الواحدة منها ميزانية قارة إفريقيا بأسرها؟ بل لم لا يهتم الناس باليهودية التي يتلبس بها الصهاينة في فلسطين المحتلة وخارجها سيما أن الإعلام الدولي اليوم بل القانون الدولي أصلا قرن بوقاحة عجيبة بين إسرائيل ومعاداة السامية بل سيما أن لليهودية اليوم “ دولة “ هي “ دولة إسرائيل اليهودية”.؟ في حين أنه لا يجرؤ رئيس عربي واحد اليوم أن يصرح بأنه رئيس دولة إسلامية هروبا من تهمة الإنتماء أو الإحتفاظ بدولة إسلامية. لك أن تقول أيضا : لم لا يهتم الناس بأديان أخرى وضعية أو فلسفات أرضية من مثل البوذية التي تنشر باعة صحفها في كل زاوية من ألمانيا ومن مثل الأحمدية التي تهتف بإسمها فضائيات وتتهاطل عليها الأموال من كل صوب وحدب. لك أن تسأل : كم عدد الفضائيات التي تدعو الى الإسلام أو تعرض بضاعته وكم عدد المؤسسات والمنظمات والأحزاب والهيئات التي تفعل ذلك؟ وضع لا يقارن مجرد مقارنة بما يتوافر لكل الأديان الأخرى سماويها ووضعيها. ( نقول : أديان .. والحقيقة أن الدين واحد لا يتعدد).

إجابة سهلة خاطئة رغم دور الإثارة فيها.

تلك هي إجابة جاهزة يتلقفها الإعلام ويبني بها الناس أفكارهم دون تمحيص. تلك هي قولك أن الإهتمام الدولي غير المسبوق بالإسلام إنما جاء في إثر الهجوم على نيويورك في سبتمبر من عام 2001 وما تلا ذلك مما هو معروف. بل إن بعض السذج حتى منا يعقدون صلة موضوعية شرطية بلغة المناطقة بين تلك الكارثة وبين حركة إعتناق الإسلام الحثيثة. مؤدى ذلك هو بالضرورة بحسب ذلك التفكير العقيم هو أن قتل الأبرياء ذريعة لنشر الدعوة الإسلامية. هل نظر أولئك في الحقل الثاني من الواقع الذي خلفته تلك الكارثة أي : جمود وضمور الوجود الإسلامي الفاعل يستوي أن يكون فعله في البلدان العربية الإسلامية الواقعة تحت التأثير الغربي أو أن يكون فعله في الغرب نفسه؟ عندها تتبين حصيلة الكارثة كاملة غير منقوصة أما التاجر الذي يشغله حساب أرباحه على حساب خسائره وديونه فهو الأحمق حقا. كارثة سبتمبر إذن لم يكن دورها في تذكية حركة إعتناق الإسلام أو الإهتمام به إلا على سبيل الإثارة العابرة وبذلك يسقط ذلك الإعتبار من الحساب كليا ولا بد من البحث عن أسباب أخرى تفسر ظاهرة الإهتمام الدولي الواسع جدا بالإسلام الذي لا يتوافر إلى يوم الناس هذا منذ سقوط الخلافة العثمانية على الأقل على أي هيئة رسمية ( دولة أو حكومة أو حلف أو غير ذلك) تدافع عنه أو تتولى الدعوة إليه أو تعرض بضاعته بمثل ما يفعل اليهود والمسيحيون فضلا عن البوذيين والأحمديين وغيرهم.

الإسلام نفسه هو من يشرح لك تلك الأسباب.

أجل. لا تذهب بعيدا لتبحث عن سر ذلك الإهتمام فالإسلام ذاته يهديك الطريق إلى ذلك.

1 القوة الروحية التي يزود بها الإسلام صاحبه.

من المؤسف جدا أن هذا العامل الروحي لا يجد له كثير منه أثرا في نفسه بينما يتشبع به كثير من الغربيين الذين يعتنقون الإسلام تشبعا يكون أحيانا زائدا عن اللزوم وذلك عندما يصرفونه في الإنخراط في أعمال إستشهادية في غير ساحاتها المناسبة. إذا أردت أن تدرك سر تلك القوة الروحية فتصور شابا غربيا لا يكاد يفهم من كتاب الإسلام حرفا واحدا بسبب غربته عن اللغة العربية ثم بمجرد إسلامه تطير به قوته الروحية إلى أعلى درجات التضحية بما كان بالأمس القريب جدا يعد عنده قدس الحياة أي : بدنه ولونه وماله ومتعته.. صحيح أن كثيرا من تلك التضحيات في غير مكانها المناسب ولكن ليس ذاك موضوعنا الآن. موضوعنا الآن هو أن القوة الروحية التي يزود بها الإسلام صاحبه لأول وهلة بنسبة تفيض عليه فيضانا عجيبا هي أول ما يفسر إهتمام الناس في الأرض كلها بالإسلام دون اليهودية والمسيحية وغيرهما.

2 الوضوح العقلي والقدرة الذهنية اللتان يتزود بهما المسلم الجديد.

لا تكاد تسأل مسلما جديدا من الرجال والنساء سواء بسواء عن أكبر الأسباب التي جعلته يعتنق الإسلام حتى يفاجئك بأنه وجد في الإسلام للحياة هدفا ومعنى فكان ذلك منقذا له من التيه والضياع على حد تعبيره هو. من المؤسف جدا مرة أخرى أن كثيرا منا لا يجد ذلك في نفسه إلا عن طريق التوليد والتذكر و البحث في بضاعته. لعلك تندهش عندما تطلع على مئات القصص من قصص الإسلام لقسيسين ورهبان ورجال دين معتبرين. تندهش لسرعة سقوط الإعتقاد بالتثليث.
على أن هناك ملمحا آخر قليل منا يدركه يجعل الناس يهتمون بالإسلام ضمن عامل الوضوح العقلي وهو أن الإسلام ممثلا في كتابه الذي ينطق بإسمه يمنح صاحبه لأول وهلة مساحات من الحرية الفكرية واسعة جدا. بعض تلك المساحات يعبر عنها بإعمال العقل والبرهان والبينة والسلطان والأمارة شرطا لقبول أي عقيدة أو طرد أخرى وبعض المساحات الأخرى يعبر عنها بمنطقة عفو أو فراغ تشريعي واسع جدا ومن أعجب الآثار لتلك المنطقة أنها تربي المسلم الجديد لأول وهلة على الإعتماد على نفسه والبحث عن مختلف الإجابات والتمييز بين المقاربات المختلفة والإنخراط في حركة حوار لا تنتهي إلى نتائج قطعية ملموسة ولكنها تنتهي إلى الإحتكاك بالناس وقبول تعددهم فإذا تطور ذلك المشوار بالمسلم الجديد صنع له عقلا جديدا يخبر به الحياة ويسعى في مناكبها بحكمة وصبر. كل ذلك لا تجد له أثرا في المسيحية واليهودية فضلا عن غيرهما ممن يجعل من رجل الدين إلها يفعل بالمريد ما يشاء.

3 بساطة الحياة في ظل الإسلام والشعور بنعمة التكافل.

يسير عليك فهم ذلك إذا كنت ممن يعتقد أن المنزع الفطري في الإنسان إلى الحرية والكرامة وغزيرة حب التقدير و التوازن الوسطي في الحياة هو جبلة مجبولة وليست دثارا يتلبس به متى شاء وينزعه متى شاء. ولأجل أن تعتقد ذلك عليك أن تعتبر من حياة الذلة والهوان إذا ساقتك الأقدار يوما إليها .. بل إسلب نفسك بنفسك شيئا من ذلك لتدرك أنك تجود بروحك التي هي حياتك إستردادا لما سلب منك.. خالط مسيحيا أسلم وأسأله عن شعوره بالسعادة وهو يصلي صلاة المسلمين رغم أن حركاتها وشروطها أكثر من صلاة المسيحيين ولكن مساحات الحرية فيها أكبر. الحرية في الصلاة معناها : توجه الإنسان إلى ربه الحق مباشرة دون حاجة إلى رجل دين من أي صنف بل دون حاجة إلى مكان أصلا ولا زمان. ذلك أمر نغفل عنه نحن مساجين الإلف والعادة. سل مسيحيا أسلم عن شعوره بنعمة التكافل حتى لو لم يجن من التكافل المادي قرشا واحدا. سيجيبك بأنه متأثر بتكافل المسلمين تأثرا عجيبا. يقصد التكافل المعنوي أكثر من قصده التكافل المادي. في أحيان كثيرة يغالبك شعور بأن المسيحي المسلم يبالغ في شعوره بنعمة التكافل بين المسلمين ولكن تصدق أذنيك عندما تعلم أن قيمة التكافل في غير الإسلام عدم معدوم ووهم موهوم.

الإسلام إذن مزود ذاتيا بجهاز يلتقط الإهتمام الخارجي به.

عليك أن تميز بين الأمرين تمييزا دقيقا. أمر الإعتبارات الخارجية التي لا يتعدى دورها الإثارة من مثل كارثة سبتمبر وما في حكمها من جهة ومن مثل الهجومات المنظمة ضد الإسلام والمسلمين من جهة أخرى. تلك إثارات قد تذكي الإهتمام أو تسرع وتيرته ولكنها لا تفسر بأي حال إهتمام الناس بالإسلام إذ لو كانت تلك الإثارات محددة في الإهتمام لخبا ذلك الإهتمام بخبو تلك الإثارات نفسها. إنما الذي يجعل الإسلام دوما محل إهتمام الناس هو أنه مزود ذاتيا بجهاز يلتقط الإهتمام الخارجي به. قد نكتشف ذلك أو بعضه وقد لا نكتشفه ولكن الإهتمام حقيقة واقعية.
لماذا نذهب بعيدا. سل بنفسك من شئت ممن أسلم من اليهود والمسيحيين ومن غيرهم ثم أجرد من عملك التحقيقي ذاك خلاصات توفر لك الإجابة الصحيحة.

سؤال آخر في الموضوع مهم جدا.

لم تكون المرأة الغربية أكثر إهتماما بالإسلام من الرجل؟ نسبة إعتناق المرأة الغربية للإسلام من المجموع العام تزيد عن النصف في كل الأحوال بل تزيد في بلدان أروبية كثيرة عن الثلثين. في ألمانيا مثلا ينضاف إلى ذلك معطى مدهش مذهل هو أن نسبة المرأة المثقفة ثقافة جامعية عالية من نسبة النساء التي تزيد بدورها عما هو أدنى بقليل من ثلثي المعتنقين الجدد.. نسبة تلك المرأة المثقفة تزيد عن النصف. أليس ذلك مدهش؟ أليس ذلك محير ومذهل؟ أنى يمكن لك أن تجد صيغة رياضية عقلية مفهومة مقبولة تجعل البشر من حولك يجمعون بين أمرين : المرأة في الإسلام مهضومة الجانب بسبب التعدد والخمار وغيرهما ولكن المرأة الغربية المثقفة بعدما ثملت بقيم الحرية الشخصية إلى حد السكر الواضح إختارت دين المرأة الشرقية مهضومة الجانب بالتعدد والخمار وأشياء أخرى كثيرة!!! عجب عجاب!!! مازالت كتب الإعلامية الألمانية الشهيرة ( ُEvaHermann ) تثير الجدل في ألمانيا. المرأة طردت شر طردة على الهواء مباشرة بسبب آرائها حتى ليخيل إليك أنك في بعض أدغال إفريقيا أو في بعض بلداننا العربية وليس في دولة ديمقراطية من مثل ألمانيا. وليست حالة زميلتها :
Christiane Baker ببعيدة عنك وقد ألفت كتابا في موضوع إسلامها وتجربتها ونقلتها.

بل قل : قطعة قماش رفعت حكومات و وضعت أخرى.

حول بصرك إلى تركيا ثم إلى تونس أو إلى فرنسا وغيرها. خرقة قماش كانت كفيلة بكشف عورة العالمانية المتطرفة التي لا تنتسب إلى العالمانية بقيمها الأصلية من حيادية حيال الدين وضمان الحريات الشخصية إلا كما ينتسب الدعي إلى متبنيه. خرقة قماش كانت كفيلة بإزاحة ورقة التوت البالية التي يستر بها نظام عورته من مثل النظام التونسي. خرقة قماش تنتمي إلى مساحة الهوية الشخصية والجمعية لصاحبها بما جعلها فارس المعركة الطاحنة. خرقة قماش وضعها الإسلام على جدول أولوياته السلوكية على أساس أنها رمز التحرر والإنعتاق والأنسنة بدل التشيء المعد للإستمتاع الرخيص. خرقة قماش ظن أكثر الغربيون أنها مفروضة على المرأة الشرقية التي لن تتردد في نزعها لأول وهلة من فرص التحرر من الموروث الثقافي الإسلامي التقليدي الجامد فإذا بهم يفاجؤون ببناتهم ونسائهم يهرعون إلى الخرقة ذاتها! ذلك هو المقصود من قولك : الإسلام يحمل جهازا دفاعيا مناعيا ذاتيا يقيه الذوبان من جهة ويجعله محل إهتمام الناس من جهة أخرى.

تعال نستجمع أطراف سؤالنا الكبير.

سؤالنا الكبير هو : لماذا يهتم الناس بالإسلام وكل المعطيات على الأرض تشي بأن الإسلام آخر شيء يهتم به الناس سيما من أهل أروبا الميسورين؟

إليك هذا الجواب مستجمعا مما أنف : لأن الإسلام وحده يلبي أكبر وأعرق وأعند غريزة بشرية أي غريزة الحرية ونشدان الكرامة والتوقان إلى إعادة الإعتبار للذات. إذا فقد الإنسان ذاته هرع إلى الإسلام وإذا سلب حريته دغدغته وعود الإسلام بتعبير الفيلسوف الفرنسي روجي قارودي.

إذا كان الإسلام جزءًا من ألمانيا فلم لا يعترف به دينا رسميا.

كون الإسلام جزءًا من أروبا كلها وليس من ألمانيا فحسب تلك حقيقة لئن صرح بها الرئيس الألماني متأخرا جدا عن زمانها المناسب فهي أثبت من ذلك وأعرق. الإسلام ليس جزء من ألمانيا أو أروبا بل هو أبو التقدم العلمي الأروبي كله. سل الأندلس الأروبية التي عمر فيها ثمانية قرون كاملة. بل سل جنوب ووسط إيطاليا وسل كل هضاب شمال المتوسط.. سل البيروني في الصيدلة وسل إبن الهيثم في البصريات والضوئيات وسل الخوارزمي في الجغرافيا والفلك والحساب وسل جابرا إبن حيان في الكيمياء وسل عضد الدين الإيجي في دوران الأرض حول الشمس وسل الرازي عن الجاذبية وسل إبن فرناس عن الطيران وسل إبن النفيس عن الدورة الدموية وسل الكندي عن الرصد الجوي وسل إبن خلدون عن الإجتماع السياسي وسل إبن البيطار عن علم النبات وسل إبن سينا عن الطب وكتابه المترجم إلى اللغات اللاتينية : الكليات في الطب وسل .. وسل .. وسل..

أما الإزداواجية السياسية الغربية فلا يجنى منها غير الشوك.

أن يكون الإسلام جزءًا من ألمانيا ثم لا يوضع على جدول السياسة الألمانية في أي مستوى من مستوياتها ولو سجالا إعلاميا إمكانية الإعتراف بالدين الإسلامي لتلبية حاجيات المسلمين ومنهم ما لا يقل عن 200 ألف مسلم ألماني أصيل دون حساب المجنسين ودافعي الضرائب الأساسية من مثل الذبح الحلال في عيد الإضحى والختان ورفع الأذان مرة واحدة في الأسبوع على الأقل فضلا عن عدم التضييق على المختمرات إلخ ... تلك إزدواجية غربية مقيتة لا يشترط في المرء ذكاء وقّادا حتى يفهم أن أكثر التصريحات إستهلاكا سياسيا.

الحوار.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.