رئيس الجمهورية يشرف بمقر المجلس الاعلى للتربية والتعليم على الاحتفال بعيد الشجرة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    بطولة الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 14 – الدفعة 2): النتائج والترتيب    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    بشرى للشتاء المبكر: أول الأمطار والبرق في نوفمبر في هذه البلدان العربية    عاجل/ تعلّيق عمل شركة "شي إن" الصينية في فرنسا..    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    من صفاقس إلى منوبة: تفاصيل صادمة عن مواد غذائية ملوّثة تم حجزها    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    ممرض ألماني أنهى حياة 10 مرضى... ليخفف عبء العمل عليه    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    5 أخطاء يومية لكبار السن قد تهدد صحتهم    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    مدير ديوان رئيسة الحكومة: قريباً عرض حزمة من مشاريع القوانين على البرلمان    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    مونديال أقل من 17 سنة: تونس تواجه بلجيكا اليوم...شوف الوقت والقناة الناقلة    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي في الرؤية (5) تضييق الواسع
نشر في الحوار نت يوم 06 - 11 - 2010


عماد الطرابلسي

أواصل على بركة الله في هاته الحلقة التعرض للفقرة التي تناولتها في الحلقة السابقة و لكن بشيئ من الدقة و مزيد من التفصيل و التوقف عند كل لفظ من الفاظها لنخلص بانها تتراوح بين نقل دون بصيرة و قيود تركها اولى من ذكرها و كلمات غير دقيقة لا ترقى الى مستوى الرسوخ في العلم و اخرى عائمة حمالة لوجوه شتى قد تفتح ابوابا واسعة لتاويل تعم به البلوى .
و هذا نص الفقرة اسجله من جديد مقسما اياه لفقرات عشر اتناولها واحدة تلو الاخرى حتى تسهل المتابعة للقارئ:
" 1 وعليه، 2 فإننا لا نكفر مسلما 3 أقر بالشهادتين وتوابعها مما سبق ذكره، 4 وعمل بمقتضاها 5 وأدى الفرائض برأي أو معصية،6 إلا أن أقر بكلمة الكفر7 أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة،8 أو كذب صريح القرآن 9 أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال 10 أو عمل لا يحتمل تأويلا غير الكفر."
1 وعليه
قول المصنف :"و عليه" يمثل احدى زيادتين (اضافة الى "و توابعها مما سبق ذكره") على الاصل العشرين للبنا ليبني به في الظاهرمسوغات و شروط تكفير المسلم على الفقرة السابقة و يعللها بها.
يقول نص الفقرة السابقة التي انبنت عليها قواعد التكفير عند حركة الاتجاه الاسلامي ما يلي:
" مرتبة الطلب، فلا يقبل عمل إذا لم يكن وراءه هذه العقيدة كدافع للعمل وواقع حسبما تقتضيه هذه العقيدة. فإن اختلت العقيدة أو فسدت أو كانت باطلة أو لم تتضمن أصولها كان العمل فاسدا أو غير مقبول، وبقدر رسوخ معالم العقيدة وأصولها في النفس يكون العمل ثقيلا في ميزان الحساب."
(نقلا عن موقع نهضة انفو).
ليست هذه الكلمات باقل من سابقاتها جدارة بالتوقف عندها و سبر اغوارها بل انها تحوي من العجائب الكثير و ساكتفي هنا بتسجيل الملاحظات التالية حولها:
1 خلاصة هذه الفقرة ان الاعمال لا تقبل دون عقيدة كدافع للعمل و هذه الفكرة لا يمكن ان ينبني عليها بحال تحديد دائرة التكفير فلا يستقيم باي وجه القول بانه على اساس عدم قبول الاعمال دون ان تكون وراءها عقيدة كدافع للعمل فان حركة الاتجاه الاسلامي لا تكفر مسلما الا ان اقر بالكفر الى آخره من الاعمال... مما يؤكد مرة اخرى على ان الامر يتعلق بمجرد فقرات منقولة من هنا و هناك ليتم الربط بينها بروابط مختلفة دون اعتبار للمعنى.
ان هاته الكلمات لا تصلح ان تكون تعليلا او مقدمة لاخراج المسلم من اسلامه اذا عمل عملا تراه حركة النهضة مدعاة للتكفير اي للحكم بالردة و ما يتبعها من عقوبة التصفية اذ و بغض النظر عن صحة المقدمة و النتيجة من عدمها فلا علاقة ظاهرة او خفية بين المقدمة و النتيجة . فاذا قبلنا بصحة المقدمة و هو ان كل عمل لا تكون العقيدة دافعا لفعله هو عمل فاسد و غير مقبول وهو ما لا يستقيم كما سياتي فان تكفير اصناف معينة من الناس نتيجة غير لازمة لها مما يخرج هذا البناء عن كل انواع الاستدلال الاستنتاجي مباشرا كان او غير مباشر اذ لا تقابل للقضيتين لا بالتداخل و لا بالتضاد .
اذن فان الفقرة الثانية عن شروط تكفيرالمسلم ليست باي حال نتيجة للفقرة السابقة عن اشتراط دافع العقيدة و ليس قول المصنف "و عليه" الا من باب الربط التعسفي التجميلي خاصة اذا علمنا حقيقة ان المقدمة و النتيجة ليستا الا نصين منقولين عن كاتبين مختلفين كما سياتي في الملاحظة الثانية لا علاقة مباشرة بينهما الا بقدر علاقة الاصل السابع عشر بالاصل العشرين للامام البنا.
2 ثم ان هذه الجملة منقولة حرفيا عن الشرح العراقي للاصول العشرين للدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام السابق للاخوان المسلمين بالعراق و هو ما لم نذكره في الحلقة الثانية من هذه السلسة في معرض سرد الامثلة الخمسة عن النقل الحرفي عن الامام البنا و الشهيد سيد قطب مما يرفع من كم المنقولات و يزيد من ضيق مساحة تبريرات النقل غير المعزو خاصة بعد تعرفنا في الحلقة الماضية عن افكار الدكتور زيدان و منهجه في شرح الاصول العشرين التي كفر فيها المصر على ترك الصلاة و قرر فيها قتله ردة لا حدا.
و اليكم كلمات الدكتور زيدان المطابقة لفقرة الرؤية الآنفة الذكر في معرض شرحه للاصل السابع عشر :"العقيدة الاسلامية هي التي تقوم على الايمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و باليوم الآخر و بالقدر خيره و شره و ما تتضمنه اصول هذه العقيدة فهي و الحالة هذه اساس العمل, فلا يقبل عمل إذا لم يكن وراءه هذه العقيدة كدافع للعمل وواقع حسبما تقتضيه هذه العقيدة. فإن اختلت العقيدة أو فسدت أو كانت باطلة أو لم تتضمن أصولها كان العمل فاسدا أو غير مقبول، وبقدر رسوخ معالم العقيدة وأصولها في النفس يكون العمل ثقيلا في ميزان الحساب ومثمرا اطيب الثمرات, كالشجرة كلما غارت اصولها جاءت ثمارها طيبة يافعة ريانة. (الشرح العراقي للاصول العشرين صفحة 26).
3 كذلك فان هذه المقدمة بهذه الصياغة لا تخلو من نقائص تركيبا و معنى و قد كنت اشرت في الحلقة الثانية الى ان لفظي"مرتبة الطلب" لا محل لهما و رغم ان هذا الامر اوضح من الشمس في رابعة النهار فلم يتعرض احد من المدافعين عن هذه الوثيقة بتقديم تفسير لهذا العجب و لا قام موقع النهضة انفو باستدراك الخطا مما يضطرني لتقديم تفسير رجح عندي لهذه الفقرة العجيبة من الوثيقة التي لا تنقضي عجائبها.
ما بدا لي و الله اعلم ان كلمتي "مرتبة الطلب" قد سبقتهما فقرة او فقرات سقطت من الوثيقة اثناء عملية الرقن وكانتا آخر كلام هذه الجملة المقتضاة او انهما قفزتا الى راس الجملة اثناء عملية النسخ من شرح الاصول العشرين للدكتور زيدان خاصة و انهما كلمتان غير متداولتين و نادرتا الاستعمال الا انهما وردتا في الاصل السابع عشر للامام البنا المتعلق بنفس موضوع الفقرة حيث قال البنا رحمه الله:" و العقيدة اساس العمل و عمل القلب اهم من عمل الجارحة و تحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا و ان اختلفت مرتبتا الطلب." مما يزيد من الشكوك حول مصدر هاتين الكلمتين الدخيلتين على راس الفقرة التي لا تعدو الا ان تكون جزء من الشرح العراقي لهذا الاصل
4 فاما قول المصنف "اذا لم يكن وراءه هذه العقيدة" فالاولى لغة ان يقال "اذا لم تكن وراءه هذه العقيدة". و اما قوله:"فلا يقبل عمل اذا لم يكن وراءه هذه العقيدة كدافع للعمل وواقع حسبما تقتضيه هذه العقيدة" فمشكل اذ حركة العين في "واقع" تتراوح بين الرفع و الكسر, فاما الرفع فيقتضي عطفها على "هذه العقيدة " فيصبح المعنى ان شرط قبول العمل هو ان يكون وراءه عقيدة وواقع و هذا محال, و اما الكسر فيقتضي عطفه على "للعمل" و هو ما لا يستقيم بحال, و الظاهر هو ان يكون قد قصد بان العمل لا يقبل اذا لم تكن وراءه عقيدة او لم يكن واقعا حسبها, و هذا ما يتطلب فتح العين المنونة لتصبح "واقعا" وكذلك استعمال "او" عوضا عن واو العطف اذ نفي الشرطين المعطوفين بالواو يقتضي لزوم توفر احدهما بما يعني اجزاء الثاني عن الاول و الاول عن الثاني و لا يجزئ هنا وقوع العمل حسبما تقتضيه العقيدة عن توفرها اصلا.
و على علو قدر الدكتور زيدان في العلم فان كتابه " الشرح العراقي للاصول العشرين "يشتمل على الكثير من مواضع الضعف منها ما ذكرناه في الحلقة السابقة من قوله:" : ترك الصلاة كفر اما تكفير شخص معين بالذات فلا بد من صدور ما يكفر به يقينا مثل جحوده فرض الصلاة او استتابته و القول له : اذا لم تصل نقتلك و يصر على الترك و يؤثر القتل فهذا دليل خلو قلبه من الايمان و يموت كافرا." فان عطف الاستتابة مع الاصرار على جحود فرض الصلاة باعتبار المعطوف و المعطوف عليه مما يكفر به يقينا , لا يستقيم لغة.

5 اما قوله:" فإن اختلت العقيدة أو فسدت أو كانت باطلة أو لم تتضمن أصولها كان العمل فاسدا أو غير مقبول" فغير دقيق بالمرة فلا معنى هنا للتفريق بين الفاسد والباطل من العقيدة و لو قال ذلك في وصف العمل لكان مستساغا و لكنه افرد العمل بالفساد و فرق بين فساد العقيدة و بطلانها و اختلالها. و معلوم ان العطف ب "او" يقتضي المغايرة و لا يكون التغاير بين الفساد و البطلان الا في الاعمال و ذلك على راي الاحناف فقط و في بعض انواع الاعمال فحسب اذ يجتمع الباطل مع الفاسد في ان كليهما غير مشروع بوصفه بينما يفترقان في ان الباطل غير مشروع في اصله على عكس الفاسد كأن يفتقد العمل بعض صفات الجواز دون ان يفتقد شرطا من شروط الصحة فيكون بذلك فاسدا لا باطلا و لا يكون هذا الا في المنهيات المتعلقة بغير المنهي عنه من التصرفات الشرعية اي فيما ما لم يكن لازما لها و لا ينطبق هذا على العقائد بل لا يجري حتى على الامور الحسية مما يجعل التفريق هنا بين الفاسد و الباطل من العقيدة امرا غير ذي بال .
6 اما اشتراطه ان تكون العقيدة هي الدافع للعمل حتى يكون مقبولا او غير فاسد فمن قبيل المبالغات و من باب تقويل البنا ما لم يقله في فصله السابع عشر.
فلو قال بتلازم العقيدة و العمل الصالح لوافق قصد البنا في قوله بان العقيدة اساس العمل و هذا ما عليه اعتقاد سواد الامة و هو ان العمل لا ينفع دون عقيدة و ان كان في ذلك نظر اذ النار دركات و قد ينفع عمل صالح في التخفيف عن صاحبه من الارتقاء في دركاتها و ان لم يكن مؤمنا و تقوم على ذلك ادلة عقلية و نقلية منها ان ذود ابي طالب عم النبي صلى الله عليه و سلم عن ابن اخيه قد نفعته بان جعلته اهون الناس عذابا يوم القيامة و دعك من الحرفيين ممن يقولون بان شفاعة المصطفى هي النافع و ليس العمل فلا فرق بين الامرين اذا كان العمل هو موجب الشفاعة.
اما القول بان العقيدة يجب ان تكون دافعا وراء كل عمل حتى يكون نافعا فيعارضه ما اتفق عليه جمهور الامة من ان الكافراذا اسلم ينفعه عمله الصالح قبل اسلامه و قد قال السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي :" و هذا الحديث ( يقصد حديث ابن جدعان فقد سالت عائشة النبي صلى الله عليه و سلم عنه و ما كان يصنعه من الخير هل ينفعه. فقال "انه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين") يدل على ان حسنات الكافر موقوفة ان اسلم تقبل و الا ترد و على هذا فنحو قوله تعالى (و الذين كفروا اعمالهم كسراب)محمول على من مات على الكفر و الظاهر انه لا دليل على خلافه و فضل الله اوسع من هذا و اكثر فلا استبعاد فيه و حديث (الايمان يجب ما قبله من الخطايا)في السيئات لا في الحسنات.". (انتهى قول السندي).
فقوله "موقوفة" دليل على ان مناط القبول هو الايمان و ان كان متاخرا و ليس ان يكون الايمان هو الدافع وراء هذا العمل فلا يكون حينها موقوفا بل غير مقبول اطلاقا اذ لا اثر للايمان المتاخر على الدافع وراء عمل حسن اقترف في زمن الكفر.
و اريد ان اقرللمخالف من باب الامانة العلمية ان قول السندي هذا ليس محل اتفاق رغم قوله انه لا يعلم دليلا على خلافه فقد نقل الحافظ في الفتح انه لا يلزم من كتابة ثواب الكافر بعد اسلامه ان يكون ذلك لكون العمل الصادر منه في الكفر مقبولا و انما تفضلا من الله و احسانا و الحديث انما تضمن كتابة الثواب و لم يتعرض للقبول , لكنه قال بعدها :"و يحتمل ان يكون القبول يصير معلقا على اسلامه ... و هذا قوي جدا".
و الحديث المقصود من كلام الحافظ هو قول النبي صلى الله عليه و سلم :"اذا اسلم العبد فحسن اسلامه كتب الله له كل حسنة كان ازلفها و محيت عنه كل سيئة كان ازلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشرة امثالها ال سبع مائة ضعف و السيئة بمثلها الا ان يتجوز الله عز و جل عنها"
و قد سقطت كتابة الحسنات من رواية البخاري في المعلقات حتى قيل ان المصنف اسقطها لانه مشكل على القواعد في ان الله لا يقبل عملا لم يرد به وجهه تعالى كما قال المازري تعليقا على هذه الزيادة المثبتة في جميع الروايات ما عدا البخاري ان الكافر ليس كذلك بل و تابعه القاضي عياض على هذا الاشكال و لكن النووي رد ذلك قائلا:"الصواب الذي عليه المحققون بل نقل بعضهم فيه الاجماع ان الكافر اذا فعل افعالا جميلة كالصدقة و صلة الرحم ثم اسلم ثم مات على الاسلام ان ثواب ذلك يكتب له و اما دعوى انه مخالف للقواعد غير مسلم لانه قد يعتد ببعض افعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار فانه لا يلزمه اعادتها اذا اسلم و تجزئه." و قد وافق النووي ابراهيم الحربي و ابن بطال و القرطبي و ابن المنير حيث قال هذا الاخير ان المخالف للقواعد هو ان يكتب له ذلك في حال كفره.
و لا ارى تعارضا بين هذا الحديث و اختيار الجمهور لقبول اعمال الكافر اذا اسلم دون انتكون اعماله بدافع العقيدة الصحيحة و بين قول النبي صلى الله عليه و سلم :" ان الله عز و جل لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا و ابتغي به وجهه" فانه لا يحمل على ما حملته الرؤية الفكرية و من قبلها الدكتور زيدان بوجوب وقوف العقيدة الصحيحة غير الباطلة او الفسدة او المختلة و المتضمنة لاصولها كدافع لذاك العمل ثم ان يكون ذاك العمل واقعا حسبما تقتضيه العقيدة لانه بذلك يكون معارضا لكل ما سبق تثبيته من قبول اعمال الكافر ان اسلم و لم يكن لعمله اي صفة مما اشترطته وثيقة الاتجاه الاسلامي و انما يفسر قول النبي صلى الله عليه و سلم :"خالصا و ابتغى به وجهه" بعدم قبول الاعمال الواقعة رياء او ابتغاء لمصلحة دنيوية خالصة فان العمل يكون مردودا سواء اكان الفاعل مسلما او كافرا اسلم بعد فعله و مات عليه , و عليه فان الاعمال بدافع الشفقة مثلا دون ان يكون وراءها دافع العقيدة و غيرها من الشروط المضيقة على عباد الله تكون مقبولة و على هذا جرى فهم حديث المراة البغي من بغايا بني اسرائيل التي دخلت الجنة في كلب يلهث ياكل الثرى من العطش فملات موقها ماء فسقت الكلب فغفر الله لها.
فلا يستقيم باي وجه ان تكون هذه البغي اليهودية و هي زانية غير تائبة قد سقت الكلب لان العقيدة الصحيحة المتضمنة لاصولها و غير المختلة و لا الفاسدة او الباطلة قد كانت وراء سقايتها للكلب و انما الحقيقة البينة هي انها سقته رافة به لتنقذه من الموت دون ان تبتغي بذلك سمعة او اجرا من احد فكان ان غفر الله لها و ادخلها الجنة.
بهذه النقطة اراني قد بينت للقارئ ان حركة النهضة لم تسلك في وثيقتها هذه منهج الاعتدال في تصورها لمناط قبول الاعمال بل سلكت سبيل المغالين باشتراط ما لم يشترطه جمهور الامة و التضييق فيما وسعه الرحمان على عباده فادخل الجنة من لم يعمل خيرا قط بنزع غصن شوك عن الطريق اوبوصية التجاوز عند التقايض او بالخوف من العذاب مع اقترانه بالشرك الظاهركما جاءت بذلك الاحاديث الصحيحة في حين توسع دائرة التكفير ما استطاعت الى ذلك سبيلا فصارت كمن كان شعاره "لان يخطئ الامام في العقوبة خير من ان يخطئ العفو" او كمن ترك ما تيسر لياخذ ما تعسر او كمن اغرق الكلي بالجزئي تضييقا على الذات.
(يتبع الجزء السادس باذن الله)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.