بسم الله الرحمان الرحيم بقلم عبدالكريم زغدودي- الجزائر في 05/03/2011 أتحفنا السيد الباجي قائد السبسي الوزير الأول القادم من الأرشيف الوطني التونسي في ندوته الصحفية الأولى بالحديث عن الخيانة العظمى التي اقترفها المخلوع بفراره من مسؤولياته كرئيس للجمهورية وكقائد أعلى للقوات المسلحة وكأنه كان يتمنى من المخلوع البقاء في حين أن فراره هو مزيته الوحيدة في تاريخ تونس...القادم من بعيد ذكرنا بهيبة الدولة وضرورة إعادتها ليعود الأمن وتعود الدولة العتيدة وكأن تونس كانت دولة بالمفهوم المتعارف عليه لغة واصطلاحا ...لا يا سيدي تونس لم تكن دولة ..كانت مجرد حديقة خلفية للشبق البورقيبي ثم أضحت مرتعا للمافية السياسية والأمنية في عهد سيء الذكر بن علي وعصابات الطرابلسية وأشياعهم. الحديث عن هيبة دولة غير موجودة هو الفصل الثاني من المخطط المسطر من قبل المافيا الأمنية والسياسية والمالية التي خلفتها الهمجية النوفمبرية وليس النظام النوفمبري لأنه لم يكن في تونس نظام.الفصل الأول أعلنه السيد فؤاد المبزع بإعلانه إيقاف العمل بالدستور القديم مقرونا بتاريخ انتخاب المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية 2011 أي في شهر رمضان القادم وهو تاريخ يراد منه الإيهام بتأسيس الجمهورية الثانية لأن الأولى ويعود تاريخها الى يوم 25 جويلية 1957. وهي لم تكن جمهورية بل كانت دولة الفردانية والنرجسية وتأليه الزعيم الأكبر وقد شارك فيها الرئيس المؤقت وكذلك رئيس حكومته العتيدة وكأننا في رحلة عبر الزمن...انتخاب المجلس التأسيسي بعد أكثر من أربعة أشهر ومن بعد صياغة دستور جديد الخ...الخ...في حين أن صياغة دستور جديد لا تستغرق كل هذه الفترة المديدة لأن المسودات متوفرة عند رجال القانون الدستوري الشرفاء ولا تحتاج إلا إلى تنقيحات طفيفة ...أيها السادة إن الأسلوب الذي استقر عليه رأي المافيا السياسية والأمنية التي حكمت البلاد عقودا طويلة هو الإرجاء وإطالة آماد أية خطوة ربحا للوقت حتى تخمد نيران الثورة في قلوب الشعب التونسي وتتضح الصورة عند دول الجوار القريب والبعيد...وإلا فما معنى أن يتمكن فريق الأستاذ طارق البشري في مصر من تعديل ما هو مطلوب تعديله في الدستور المصري في غضون أيام قلائل ويحدد المجلس العسكري يوم 19 مارس الجاري تاريخا للاستفتاء على الدستور وقد اسقط مبارك شهرا بعد فرار بن علي...ويتم في تونس مط أجل أي انجاز بدعوى أسبقية الاستقرار على أي أمر أخر...الشعب التونسي لم يبحث في ثورته عن الاستقرار الموهوم الذي يتحدثون عنه...الشعب التونسي ثار من أجل الكرامة..من أجل الحريات...من أجل العدالة...لم يثر الشعب التونسي من أجل الموسم السياحي وراحة الجنس الأبيض القادم من أروبا...لا هيبة للدولة دون هيبة مواطنيها...لا استقرار دون القطيعة التامة مع العهود السابقة من عهد البايات إلى عهد المافيا...سياسة الخطوة خطوة لا يطالب بها إلا المنتفعون من العهد السابق ومن يتوهم التموقع على حساب دماء الشهداء من القادمين الجدد الذين تقوم القنوات التلفزية الرسمية والخاصة بتلميع صورهم عبر دعوتهم للمشاركة في كل ما هب ودب من برامج لتسويقهم للشعب التونسي...يجب إعادة النظر في التواريخ المقترحة وتقريبها أقصى ما يمكن لقطع دابر المتآمرين ...هناك أمر يدبر لالتفاف على مطالب الثورة عبر تمييعها زمنيا ثم إلغائها فعليا...على القارئ الفطن أن يراجع خطاب الراحل محمد بوضياف عندما جيء به عام1992 إلى الجزائر- بعد نفي دام 27 عاما -بعد إلغاء المسار الانتخابي وكانت المظاهرات قد عمت القطر الجزائري احتجاجا على الانقلاب العسكري أو تأييدا له فكان أول الغيث من القادم من بعيد- جيء به من القنيطرة بالمغرب الأقصى- ضرورة إعادة هيبة الدولة والحس المدني وكان ما كان واغتيل المغرر به بعد ستة أشهر وذهبت الهيبة وأوشكت الدولة نفسها أن تلحق بها سنين عديدة وعرف الشعب الجزائري في تلك العشرية الدم والدمار وحكومة الليل وحكومة النهار...والجزائر العميقة وجزائر قصر الصنوبر-المنطقة الخضراء التي سبقت مثيلتها في بغداد-. على الرئيس المؤقت /الدائم ورئيس حكومته أن يدركا أن المسار الحالي قد جرب من قبل عند الجيران والجيران لهم من الإمكانيات ما حال دون انهيار الدولة وتونس لا يمكنها أن تلعب نفس اللعبة لأن العين بصيرة واليد قصيرة...وعلى الشعب التونسي أن ينتبه إلى أن هيبة الدولة لا تتحقق إلا على أيد الشرفاء ممن ضاقوا الأمرين من أجل كرامتهم وكرامة شعبهم ...هيبة الدولة تكون بعد المجلس التأسيسي ...بعد الدستور الجديد..بعد ذهاب كل الأحافير التي لا تزال ترهق سمع و نظر كل حر أبي من أبناء الشعب التونسي...