تقدم رئيس الجمهورية المؤقت السيد فؤاد المبزع والوزير الأول الجديد السيد الباجي قائد السبسي مساء أول أمس وصباح أمس بكلمتين إلى الشعب التونس تضمنتا رسائل سياسية بالجملة . وكانت أهم تلك الرسائل على الاطلاق مخاطبة الشعب من مبنى قصر رئاسة الجمهورية بقرطاج وتحديدا من قاعات العمل الرسمية فيه تأكيدا على بدء صفحة سياسية جديدة من تاريخ البلاد . وكانت الرسالة الثانية التي أكدت عليها الكلمتان التأكيد على الصبغة الاستراتيجية لاولوية تحسين الاوضاع الامنية ومناخ الحوار بين الاطراف السياسية . المشاكل الامنية وكان مهما جدا تقديم الكلمتين تطمينات للشعب وللرأي العام العربي والعالمي حول تعاقب المؤشرات الايجابية لتحسين الاوضاع الامنية في كامل البلاد مع التعهد بمعالجة " الملفات العالقة " خلال الأيام والأسابيع وربما الأشهر القليلة القادمة . وبذلك جمعت الكلمتان بين الحزم والصرامة من جهة والواقعية من جهة ثانية إقرارا بتعقيدات بعض الملفات الأمنية وذيولها. والصيغة التي وردت بها الكلمتان تحمل المسؤولية في نفس الوقت للحكومة والاجهزة الامنية والعسكرية وللشعب بمختلف مكوناته مع تجنب تقديم " وعود غير قابلة للتطبيق " أمنيا وسياسيا . الحداثة والهوية العربية الاسلامية الرسالة السياسية الثالثة المهمة التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية المؤقت وكلمة الوزير الأول الجديد هي التأكيد على التمسك بقيم الحداثة والمعاصرة للدولة الحديثة التي بناها رجالات تونس طوال العقود الماضية ، مع الاعتزاز بمقومات الهوية التونسية بكل ابعادها الثقافية الوطنية والعربية الاسلامية . وقد استخدم خطاب رئيس الجمهورية المؤقت وخاصة كلمة الوزير الاول المطولة عشرات المرات ايات قرآنية وأحاديث نبوية وحكما عربية مأثورة ، في نفس الوقت الذي دافعت فيه عن مكاسب تونس الحديثة ومن بينها ما يهم تلك التي وردت في مجلة الاحوال الشخصية .. في نفس السياق وقع تجديد التمسك بالفصل الاول من الدستور الذي يعتبرتونس دولة حرة ذات سيادة الجمهورية نظامها والعربية لغتها والاسلام دينها.. مقاومة الفساد والاستبداد وكانت الرسالة السياسية الرابعة في كلمتي السيدين فؤاد المبزع والباجي قائد السبسي الى الشعب ، التأكيد على الحزم في التتبع القضائي للمورطين في العهد السابق في ملفات الفساد المالي والاستبداد السياسي وعلى راسهم الرئيس المخلوع الذي ورد على لسان الوزير الاول الجديد ولاول مرة بصفة رسمية أن من بين الاتهامات الموجهة اليه " الخيانة العظمى وخيانة الامانة " الى جانب تهم التحيل المالي والاستيلاء بصفة غير قانونية على اموال عمومية .. وبحكم التخصص القانوني للرئيس المؤقت والوزير الاول الجديد تكتسي تصريحاتهما اهمية خاصة ، لاسيما بالنسبة للسيد الباجي قائد السبسي الذي توقف مطولا عند ملفات الفساد الاداري والمالي والاستبداد السياسي للرئيس المخلوع ، ووضع الوزير الاول بذلك حدا للتخمينات والاشاعات التي روجت الى ان التتبع القانوني لبن علي والمقربين منه " اختزل في نزاع مالي وفق قوانين الصرف والمعاملات القمرقية يمكن تسويته قضائيا عبر مصالحة مع البنوك والقمارق ومصالح الضرائب ".. حقوق الانسان وحق الاختلاف كما وجهت كلمة الباجي قائد السبسي أمس رسالة سياسية سادسة مهمة جدا، تكرس ماضيه الحقوقي واليبيرالي منذ صراعه مع رموز الدكتاتورية في عهد بورقيبة في مؤتمرالحزب الدستوري في 1971، ثم مع رموزالاستبداد في عهد بن علي منذ 1991.. فقد أكد السبسي على حق احترام حق الاختلاف والتعدد ورفض الإقصاء .. وعند تعرضه لتتبع المتهمين بالضلوع في ملفات فساد مالي وسياسي من الحجم الخطير من بين مئات الموقوفين أو المعرضين للإيقاف أورد السبسي أن القضاء سيقوم بدوره وأن القانون سيطبق على الجميع بمن فيهم بعض أقرباء بن علي المتهمين بالفساد المالي والسياسي الذين لم يوقفوا بعد . لكن الوزير الأول أكد في كلمته مرارا وبحزم واضح على احترام القانون ومبادئ حقوق الإنسان الكونية ولقاعدة " المتهم بريء حتى تثبت إدانته "، وهو ما يعني وجود إرادة لاحترام الجوانب الاجرائية الحقوقية وتجنب الخلط بين واجب فتح التحقيقات القضائية في " المشتبه في ضلوعهم في الفساد المالي والسياسي " مع عدم الخلط بينهم من حيث درجة تحمل المسؤولية والتمييز "بين من أعطى الاوامر ومن كان عون تنفيذ أوبيدقا .." الكلمة الاخيرة للشعب وكانت الرسالة السياسية الرئيسية السابعة الكبرى التي وجهتها كلمتا المبزع والسبسي هي احترام ارادة الشعب وأنه سيكون بعد ثورة 14 جانفي صاحب الكلمة الاخيرة . وفي هذا السياق أعلنت الكلمتان عن مبدأ "طي صفحة الماضي نهائيا " و" المضي في المسار الديمقراطي التعددي دون رجعة ". وتناسقا مع هذا المبدا أعلنت الكلمتان عن تنظيم الانتخابات العامة لاختيار اعضاء " المجلس الوطني التأسيسي " الذي سيكون بمثابة البرلمان الاول للثورة والتي ستكون يوم الاحد 24 جويلية ( عشية ذكرى اعلان المجلس التأسيسي الاول يوم 25 جويلية 1957 لالغاء الملكية وقيام الجمهورية الاولى بزعامة الحبيب بورقيبة . في الاثناء تقر اعتماد تنظيم وقتي للسلط العمومية متكون من رئيس الجمهورية المؤقت وحكومة انتقالية. على أن" ينتهي العمل بالتنظيم الوقتي للسلط العمومية يوم مباشرة المجلس الوطني التأسيسي مهامه اثر انتخابه انتخابا شعبيا حرا تعدديا شفافا ونزيها". وحتى يكون انتخاب المجلس الوطني التأسيسي انتخابا ديمقراطيا ونزيها تقرر تعديل النظام الانتخابي خلال الاسابيع القادمة باشراف الحكومة التي تعهد رئيسها بالعمل كذلك على تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب وبدء مسار المعالجة الشاملة للمشاكل الموروثة عن العهد السابق وبينها المشاكل الاقتصادية . سهو عن قطاع الاعلام والاتصال كانت الكلمتان هامتين اذن على كل المستويات سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا لكنهما لم تتوقفا مباشرة عند ملف خطير جدا توقف عنده عدد من الساسة بينهم السيد محمد الغنوشي في خطاب استقالته يوم الأحد الماضي هو ملف " الفلتان الاعلامي " والنقائص المتراكمة التي برزت في قطاع الاتصال خلال الأسابيع الماضية ، وبرزت خاصة في الفضائيات وبعض القنوات الإذاعية . وبعد ان تبين أن الشباب الذي انجز الثورة اعتمد اساسا على المواقع الاجتماعية الالكترونية ووسائل الإعلام الاجنبية في ابلاغ صوته ، قد لا يكون مقبولا اليوم ان تتواصل ظاهرة اعتماد الشعب التونسي على وسائل اعلام اجنبية اكثر من اعتماده على وسائل وطنية في نشر اخباره ووجهات نظره ..بسبب الثغرات المتراكمة في وسائل الاعلام الوطنية منذ عقود والثغرات الجديدة التي افرزتها الاسابيع القليلة الماضية ..