الذي صنع الثورة قادر على حمايتها... هل بالفعل هناك ضرورة لمجلس يحمي الثورة ؟؟ أم أن هناك ضرورة لتكاتف الجهود لحماية الثورة، بدون وصاية من أحد؟ القارئ للمشهد منذ بدايته، يوم 17 ديسمبر، الى اليوم قراءة موضوعية ومنصفة، منصفة لتلك السواعد المجاهدة والمعطاءة التي روت تراب تونس بعدد لا يستهان به من الشهداء وبتضحيات لم تكن تخطر ببال أحد، يمكن أن يستنتج أن الثورة وانجازاتها في أمان وستحرسها عيون من صنعوها وعيون من التحق بهم من شرفاء تونس وأن من دفع بابنه لساحة النضال ثم عاد اليه في كفن لن تغفل عينه ولن يحيد بصره عن مراقبة سير القافلة ، لن يحيد بصره عن مجراها ولا عن مرساها... أن الذي قرر في يوم ما طرد عصابة السراق (رفع هذا الشعار من أول يوم انطلقت فيه الثورة، ثورة 17 ديسمبر) لن يقبل بعودة شبيهاتها في ثوب جديد وله من الوعي العميق الذي اكتسبه من المحن التي مر بها ما يجعله يميز بين من جاء لخدمته أو جاء لخدمة أجندته أو من جاء ليركب على تضحياته الجسام التي فاقت كل التقديرات أو من جاء ليكون شريكا في صنع التغيير والمساهمة فيه بدون علياء ولا أستاذية...الذين أنجزوا ثورة 17 ديسمبر نموا لديهم حواس جديدة بمثابة مقياس يمكن من خلاله قياس درجة الاخلاص والصدق لدى كل من يريد الانضمام لقافلتهم... الذين صنعوا الثورة حموها بصدورهم العارية والدكتاتور متربع على عرشه موجها آلته القمعية الى أجسادهم فسقط من سقط شهيدا وجرح من جرح ، ولم يفكروا للحظة في خيانة مسارهم أو الرجوع على ما عقدوا العزم عليه ، الاصلاح الشامل ...واليوم وقد ضمنوا حق النضال والتظاهر وكسروا شوكة الآلة القمعية واجتازوا شوطا كبيرا جدا في ما طمحوا اليه وقد فرضوا في البلاد خياراتهم، فحسب رأيي ليسوا في حاجة لدروس من أي كان ولا لمجلس ولا لمؤتمر لحماية الثورة ، مجلس نصب نفسه ولم ينصبه أحد ، انتخب نفسه ولم ينتخبه أحد...بل أرى أن مجرد تسميته هي ركوب على الثورة وسرقة لمجهودات صناعها الحقيقيين، أسأل القائمين على هذا المجلس ، وأتمنى احابتي، لماذا أطلقوا على الثورة تسمية ثورة 14 جانفي ' والحال أن كل الثورات تسمى بتاريخ انطلاقتها ، والله رجعت حتى الى عدة ثورات لا يسع المجال لذكرها ذكرت في التاريخ فكانت التسمية بحسب يوم انطلاقتها وليس نهايتها وانظروا اليوم الى مصر وليبيا واليمن وحتى المغرب...فلماذا تونس ، هل من مجيب؟ أن هذه التسمية فيها من الخبث الكثير...لماذا تسمى الثورة اليوم بثورة 14جانفي، فأن قلنا أنها تاريخ نهاية الظلم وهو يوم رحيل الظالم فأنه منذ البداية ومن الغد قيل أن الثورة لم تكتمل بعد وبدأ مباشرة اعتصام القصبة الاول والذي ومن المفارقات كانت نواته الاولى أبناء المنطقة التي انطلقت منها الثورة (الرقاب ومنزل بوزيان من ولاية سيدي بوزيد ومن أبناء القصرين المجاهدة...)والى اليوم الكل يرى أن الثورة لم تكتمل بعد ...وان كانت تلك التسمية هي نسبة الى بدايتها فتلك الطامة الكبرى والظلم بعينه، انها سرقة للثورة بأتم معنى الكلمة... أسوة ببقية الثورات مصر، ليبيا، اليمن... فأن ثورة تونس اسمها ثورة 17 ديسمبر 2010، وتسميتها بغير ذلك هو اعتداء على التاريخ ، وفيه تنكر لدماء الشهداء الذين سقط كلهم قبل يوم 14 جانفي ، رغم ما ليوم 14 جانفي من أهمية في نفوس التونسيين بل سيظل محفورا في الذاكرة ، لانه يؤرخ لرحيل طاغية نكل بكل أطياف المجتمع، كل من موقعه...رحل مبارك يوم 11 فيفري لكن المصريين سموا ثورتهم بثورة 25 يناير وليس ثورة 11فبراير ، أي بيوم انطلاقتها التي كانت ببضعة مئات... ما أطرحه قد يعتبره البعض هامشيا ، لا بالعكس هذه مسائل هامة لكتابة التاريخ الذي ستقرؤه الاجيال التي تأتي من بعدنا ، لذلك يجب تسمية الاشياء بمسمياتها...أطرح هذا للتاريخ الذي يجب حمايته من التزييف ، حمايته من تزييف مرحلة هامة مثلت نقلة نوعية داخل الحياة السياسية في تونس ، مرحلة تمثل نقطة مضيئة في تاريخنا علينا نقلها بأمانة للاجيال القادمة.... الثورة حراك تاريخي مستمر ، بدأ يوم 17 ديسمبر ولم يبدأ يوم 14 جانفي، وستظل شعلته مستنيرة ومتوهجة باذن الله ما دام هناك وعي ويقظة وحماسة وارادة للسعي الى ما هو أفضل من أجل الرقي والالتحاق بركب الدول المتقدمة ...لذلك فأن حماية الثورة اليوم لن تكون الا بالعمل الجماعي المتكامل عبر تقسيم للأدوار تذوب أمامه كل المصالح الآنية والضيقة ، كل من موقعه يقف على الثغرة التي أمامه ولا ينتظر وصاية أحد ولا أوامر أحد...كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... الثورة أراها حسب فهمي انطلقت بهذا الشعار العظيم الذي ورد في تراثنا الاسلامي الغني بأدبيات الثورات وبأدبيات الاصلاح السياسي والاجتماعي، كلكم راع وكلكم مسؤول ، والدليل على ذلك أنه لم يكن وراء ثورة تونس زعامات ولا منظمين لها ورغم ذلك انطلقت كالسهم نحو هدفها في نسق وتنظيم رائع قل نظيره...الوعي الجمعي هو صمام الامان في كل حركة اجتماعية ، وهو الحامي للثورة، وأنا أجزم أنه والحمد لله توفر وبدرجة عالية لدى الشعب التونسي...فلا خوف على الثورة ان شاء الله ...شكر الله لكم سعيكم... أستودعكم أمانة الرحمان