في ظل حالة المطالبة بالحريات السياسية والعدالة الاقتصادية التي يشهدها عالمنا العربي, ظهر بعض المنسوبين إلى العلم الشرعي والملتصقين به من أصحاب الوظائف الدينية الرسمية والمتزلفين من أصحاب المصالح الإعلامية من أهل الشهرة, مسارعين إلى القول بتحريم التظاهر والخروج على الحاكم إما تحت دعوى المحافظة على حكم طائفة جائرة من السنية أو الصبر على جور الأئمة, وعلى أي حال فهذه الدعوات لا تصب إلا في مصلحة أهل الجور والاستبداد والمتزلفين لهم. ونسوا أو تناسوا أن يحرموا أيضا كما هو ثابت بالاتفاق في كل المذاهب الشرعية أن قتال الخارجين لا يجوز قبل سؤالهم عن سبب خروجهم, فإذا ذكروا مظلمة أو جورًا وكانوا على حق وجب على الإمام أن يرد المظالم ويرفع الجور الذي ذكروا ثم يدعوهم للطاعة وعليهم أن يرجعوا للطاعة فإن لم يرجعوا قاتلهم, والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9] . فأمر الله تعالى بالإصلاح ثم بالقتال فلا يجوز أن يقدَّم القتال على الإصلاح ولا يكون الإصلاح إلا برد المظالم ورفع الجور.[ شرح فتح القدير ج4 ص409, أسنى المطالب ج4 ص114, كشاف القناع ج4 ص96, شرح الزرقاني ج8 ص60, 61, المحلى ج11 ص99] وأن الحاكم الذي يحرم الخروج عليه يجب أن يكون حاكم شرعي لم تسقط شرعيته وأن الخارجين لا يحرم خروجهم إلا إذا خرجوا مغالبة أي بالقوة واستعملوا العنف, ولا يحرم خروجهم حتى يصدق فيهم نية الإفساد وليس المطالبة بالإصلاح, والمشكلة أننا ما زلنا نسمع من يردد فتاوى إن صحلت للشرق (جدلا) لا تصلح للغرب , وإن صلحت لزمان ابن الخطاب وعثمان وابن أبي طالب رضي الله عنهم لا تصلح لحكام زماننا, وكأن التبعية الفكرية تتبعها تبعية فقهية في الفتوى, ولو لم تكن مناسبة للحال والمكان والزمان على اختلافهم جميعا. إن خطورة القول بتحريم التظاهر لا تعني فقط السكوت عن منكرات الحكم الاستبدادي في بلادنا الظالم للأجنة في بطون أمهاتها ولا تنتهي بخدمة مصالح المستبدين الذين استباحوا الحُرَم والدماء ونالوا من كرامة الأمة ومقدساتها قبل ملياراتها! بل الخطورة في أن التكييف الشرعي لتحريم التظاهر يعني أن المحتجين والمتظاهرين يصنفون فقهيا تحت بند البغاة الذين يجوز لولي الأمر قتلهم واهدار دمهم حتى تنتهي فتنتهم, وهذا الحكم لا مناص منه إذا قلنا بتحريم الخروج (لو جاز لنا أن نصنف مثل هذه الثورات الإصلاحية خروجا) أو التظاهر , خطورة أخرى يلحظها من عمل في دعوة غير المسلمين, وهي كيف نعرض الإسلام على الإنسان الغربي الذي يعيش الحرية السياسية على أتم وجه (على الأقل كما يتصور هو) ونعرض عليه تحريم الإسلام للتظاهر والاحتجاج حتى لو كان سلميا! ألا تتفق معي أنه سيرى الإسلام على أنه عقد استذلال له, وربنا عزو جل قرر حق الانتصار من الظالم وجعله دينا حيث يقول: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" [سورة الشورى:39] وقرر القرآن عدم مؤاخذة المظلوم المطالب بدفع الطلم عنه فيقول : "وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [سورة الشورى:41و42] إنها جناية على التصور الإسلامي مطلوب من العلماء أن لا يقعوا فيها ومن الدعاة ألا يروجوا لها فيا طلبة العلم الشرعي من خريجي كليات التجارة والهندسة يا ليتكم بقيتم في تخصصاتكم وأبدعتم فيها, خيرا من كونكم شيوخا ومفتين فارحمونا هداكم الله واعتبروا يا أولى الأبصار. إسماعيل محمد رفعت مصر 11/04/1432ه = 16/03/2011م