كمال عمارة / ها هي سنة الله في الظالمين تتحقق فتطيح بعروشهم عرشا بعد عرش بعد أن أهلكوا الحرث والنسل "والله لا يحب الفساد". لكم تألمنا ونحن نشاهد شعوب العالم تثور وتحقق حريتها وكرامتها، وشعوبنا متلبسة بلبوس الذل والهوان، حتى كانت انتفاضة العز والشرف في بلاد الزيتونة وأرض الكنانة، ومازلت نارها تتأجج في بلاد المختار. شعوب انتفضت ضد الظلم والجور والفساد، تائقة إلى العدل والكرامة والحرية فتحقق لها النصر وهُديت سبلَ المجد. لا شك أن هذه الثورات تكتسب مشروعية إسلامية من حيث كونها تقاوم الظلم وتنشد العدل. مشروعية لا تزعزعها ما احترفته بطانة السوء ومشايخ البلاط من تحريف الكلم عن مواضعه. كيف لا يبارك الإسلام توق الإنسان إلى الحرية وقد رفعها شعارا وكرسها ممارسة وعلق عليها مناط التشريع، وضمّن كلمة التوحيد معاني الرفض لأي عبودية لغير الله تعالى. الإسلام الذي يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. الإسلام الذي لخص رسالته الصحابي ربعي بن عامر أمام رستم فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. إن حجم ما كشفته الثورة من رزايا هؤلاء الحكام وخزاياهم تجاوز توقعات أكثر الحانقين عليهم، مما يجعل السؤال الإنكاري عن تأخر ربيع الثورة العربية كل هذه السنين أكثر وجاهة من السؤال المتعلق بشرعيتها. فالتونسيون مثلا لم يكونوا يتوقعون أن تحتوي قصور الرئيس الهارب على تلك الكميات الكبيرة من المخدرات وقوارير الخمر ، وملايين الدولارات ،وقطع المجوهرات، مكدسة في مخازن سرية محكمة الإخفاء، وراء واجهة لمكتبة فاخرة تعلوها الآية الكريمة ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم )! رجل يملك خزائن البلاد ويأتمر الناس بأمره من أعلاهم إلى أدناهم يحول قصوره إلى مخابئ سرية لمليارات العملات الأجنبية والمخدرات؟ فأي عصابة هذه التي تحكم؟ كما لم يجر في خلد المصريين أن يكون حادث تفجير الكنيسة الذي صدم العالم بأسره، من تدبير وزيرداخليتهم نفسه، ثم تزهق أرواح شباب أبرياء تحت التعذيب لإجبارهم على تبني تلك الجريمة الشنيعة ! أما ما يقوم به ذلك الرويبضة الأخضر في ليبيا من استهتار بشعبه وولوغ في دمه فلم يسبقه إليه حاكم من قبل، مما يجعل التضحيات الكبيرة التي يقدمها الشعب الليبي الشجاع اليوم هينة أمام النتائج الكارثية التي يمكن أن تنتج عن استمرار هذا المعتوه في الحكم. أما والله إنَّ الظُّلم شؤمٌ * * * وما زال المسيء هو الظَّلوم إلى الدياَّن يوم الدّين نمضي* * * وعند الله تجتمع الخصوم ستعلم يا ظلوم إذا التقينا * * * غداً عند الإله من الملوم لقد عرف تاريخنا حكاما ظلمة لكن عندهم علم، وأمراء فسقة ولكن عندهم حلم، وقادة جبابرة عتاة لكن ترتعد فرائص أعداء الأمة عند ذكر أسمائهم.. أما هؤلاء الحكام المتساقطون " فأشباه الرجال ولا رجال، صم ذوو أسماع، بكم ذوو كلام عمي ذوو أبصار. جسوم.البغال وأحلام العصافير. لا إخوان ثقة في رعاية العباد، ولا أحرار صدق في حماية البلاد.. في عهدهم ضاعت بلاد المسلمين، ونهبت ثرواتها، ونهشت أطرافها، وتحول أهلها إلى "مواطنون دونما وطن مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفن في عهدهم تحولت الأرض التي أشعت منها شمس الرسالة وتمهدت فيها أسباب الحضارة إلى مكب للنفايات الفكرية والإيديولوجية للغرب والشرق، ومسرح لصرعات الفكر ونظريات الخبل كالتي يهذيها ذلك الرويبضة الأخضر. ورغم كل هذا العفن المنبعث من قصور هؤلاء الحكام، الذي يزكم الأنوف وتعافه النفوس، وُجد، كما في كل عصر، أدعياء طوعوا آلة الدين للدنيا، حاولوا التشكيك والتثبيط، وخوفوا الناس من الفتنة، ( ألا في الفتنة سقطوا.) فلما حُجُّوا بكثرة النصير وتحقق التغيير، تباكوا على من قُتل من المحتجين، وادَّعوا أن ما أخرجهم هو الذي قتلهم، كما قال محترفو التلبيس من قبل: إنما قتلَ عمارا الذين أخرجوه. وليت شعري، متى كان العز يُنال بالكسل ومتى كان المجد ينال بالعطل. لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لا تدرك المجد حتى تلعق الصبرا وصدق الله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين وقد كُتب في التاريخ أن التحولات العظمى والمفاصل الكبرى في حياة البشرية لم تُسجل أبدا بمداد الحبر ومُنمَّق الكلام، إنما كتبت بعرق المجتهدين ودماء الشهداء. فكم كتب الكاتبون وخطب الخطباء فلم يحركوا ساكنا من عروش الطغاة، فلمَّا احترق جسد البوعزيزي بظلمهم اهتزت له عروشهم وتزعزع منه بنيانهم وتهاووا الواحد تلو الآخر، "ألا سحقا للقوم الظالمين. " علما أن التضحيات التي قدمتها هذه الثورات ليست بتلك الفداحة كما يحاول أن يصور المُخذّلون، إذا نظرنا إلى المصالح التي حققتها والمفاسد التي درأتها.والآفاق العظيمة التي فتحتها. .فالثورة الفرنسية التي تعتبر نقطة تحول في التاريخ الغربي وارتبط بها الرفاه والتقدم الذي تعيشه أوربا اليوم دامت سنوات طويلة، وسقط فيها عشرات الآلاف من الضحايا وفصلت فيها الرؤوس عن الأجساد وحملت على الأعواد، ورغم ذلك ينظر إليها على أنها من أفضل ما أنتجه الإنسان في سعيه نحو الحرية وإقامة دولة العدالة. ولا ننسى أن هذه الأنظمة التي أزيحت بتضحيات محدودة قد أراقت دماء الآلاف من خيرة أبناء هذه الأمة وأذاقتهم ألوانا من العذاب. اسألوا سجن أبو زعبل في مصر، ، وبرج الرومي في تونس، وبوسليم في ليبيا وغيرها من السجون العربية، كم مر بها من الأخيار وكم قتل فيها من الأبرار؟ فإلى الذين لم يمروا بسجون ليمان طره وأبو زعبل وتدمر وبرج الرومي وبو سليم ولم يسمعوا بها أو سمعوا وخرسوا حينها، اخرسوا اليوم ولا تكلمون. لا تذكّرونا بدماء الشهداء فهي نبراس ينير لنا الطريق، لاتقولو لنا فتنة فالفتنة أن يُفتن الناس في دينهم وحريتهم وقوت يومهم، لا تساومونا على الخبز فالخبز بلا كرامة طعمه مر. يا نازلين على الحمى ودياره *** هلا رأيتم في الديار تقلقلي لا تسقني ماء تالحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل.