مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع محمد بن جماعة
نشر في الحوار نت يوم 19 - 04 - 2011

حوار مع محمد بن جماعة المشرف على موقع التنوع الإسلامي
أجرى الحوار: أسراء البدر
* ما هي أسباب انبثاق موقع التنوع الإسلامي، ومتى كان ذلك ؟
** بداية، أشكركم على هذه الفرصة الطيبة للحديث.. وموقع "التنوع الإسلامي" هو امتداد لموقع "الوحدة الإسلامية" الذي انطلق رسميا سنة 2004. وفكرة الموقع كانت همّا أحمله منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، نتيجة للبيئة التي عشت فيها والتي ساعدتني على اكتشاف حجم الاختلافات المذهبية في الساحة الإسلامية.
فرغم ولادتي في بيئة تونسية مالكية، إلا أن إدماني المبكر على المطالعة، الذي يعود الفضل فيه إلى والديّ رحمهما الله رغم أمّيتهما، مكنني من التعرف على التشيع منذ كان عمري 9 سنوات، أي قبل ثورة الخميني (عام 1979) في إيران بسنة، وذلك من خلال قراءة قصص جرجي زيدان التي تعرض فيها لبعض جوانب قصة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه. وقد تركت تلك القصص أثرا عميقا في نفسي.
وقبيل الثورة الإيرانية كان صدى تحركات الخميني يصل إلى تونس، وكنت أتابع الأخبار بشكل عفوي، حتى وجدت بعض كتب الشيعة في المكتبات، فاشتريت بعضها. وكان هذا بداية اطلاعي على التشيع رغم حداثة السن. وحين قامت الثورة سنة 1979، بدأت بعض الكتب والمجلات الإيرانية تنتشر بشكل منتظم في تونس. فتيسر لي الاطلاع على عدد كبير منها..
هذه إذن بدايات تعرفي على التشيع. وقد استمرت فرص الاطلاع على الكتابات الشيعية بحيث قرأت أغلب كتب الشيعة المعاصرين.. أما الكتب التراثية الشيعية فلم أطلع عليها.. لذلك، كانت معرفتي بالتشيع بالأساس فكرية وليست اعتقادية، فكنت مطلعا جيدا على الكتابات الفكرية الشيعية التي لا تخوض في العقائد بطريقة صدامية واضحة مع التدين السني التقليدي السائد في تونس.. أما الإشكالات العقائدية، فلم أبدأ في التعرف عليها إلا في أواخر الدراسة الثانوية، حين انتقلت من مرحلة الاكتفاء بالمطالعة الشخصية، إلى مرحلة الحوار والنقاش مع الأصدقاء، حيث ساعدت بعض الظروف عددا من أصدقائي في الاقتراب من التشيع العقائدي، والاطلاع على كتب مراجع التقليد. وسمح لي ذلك بالاطلاع عليها أيضا، وهالني ما فيها من فروق على المستوى الفقهي، في فقه العبادات عموما، وفقه الصلاة خصوصا، بين الفقه الشيعي ومع ما كنت أتعلمه وأمارسه في الفقه المالكي. وكانت تلك هي بداية الصدمة الدينية لدي، حيث لم أكن أشعر بحجم الخلاف في الممارسة الدينية بين السنة والشيعة.
وزاد من عمق هذه الشعور بالفوارق، بداية انتشار بعض الأشرطة المسموعة لناصر الدين الألباني وكتيباته الصغيرة في علم الحديث. وشكلت تلك الفترة بداية البحث الجاد في أسباب الخلاف الشيعي السني، انطلاقا من سنة 1990تقريبا. وكانت تلك بداية فترة معاناة فكرية، نتيجة تولّد مشاعر متناقضة بسبب أمور رئيسية ثلاثة:
- أولها: حالة التذبذب بين التعلق بالصورة الجميلة للثورة الإيرانية، وحالة الإعجاب الفكري والسياسي بها في الأوساط التونسية، وبين الخوض في مسائل كلما قرأت فيها كتابا جديدا (ظنًّا مني أني أقترب بذلك أكثر من فهم الإشكاليات وحلها)، وجدت الحيرة، على العكس من ذلك، تتعمق في داخلي أكثر.
- ثانيها: دفاع عدد من الكتاب والمفكرين والصحفيين السنّة عن الثورة الإيرانية في تلك الفترة، من أمثال راشد الغنوشي، وكليم صديقي، وفهمي هويدي، وغيرهم.
- ثالثها: تشيّع عدد من أصدقائي المقرّبين، وبداية انزوائهم عنّي بسبب رفضي للتسرع في البحث المعرفي، ورغبتي في دراسة تلك المواضيع بدون ضغوطات أو مؤثرات خارجية. وكان من خبر هؤلاء الأصدقاء أنهم استمروا على تشيعهم بضع سنوات. ثم عاد بعضهم إلى التسنن، وفتر تديّن بعضهم الآخر. ولم يستمر في التشيع إلى القليل.
كانت تلك، إذن، فترة معاناة فكرية.. وبدأت فيها بالقراءة المنهجية المعمقة في علوم الحديث وكتب التاريخ والسير. ثم حين بدأت كتب السلفية تنتشر، اطلعت على بعض كتب ابن تيمية (ومنها منهاج السنة والفتاوى)، وكتب الرد على الشيعة (مثل محب الدين الخطيب وغيره). فتعمق إدراكي للفوارق المذهبية.
وفي تلك المرحلة أيضا، تكونت لديّ صداقات كثيرة مع عدد من أتباع ما يعرف بحركات "الإسلام السياسي" و"الإسلام الدعوي".. إلى أن استقر بي المقام في كندا في أواخر التسعينات، فزاد شعوري بالاختلافات المذهبية والثقافية بين المسلمين.. فتولدت لدي فكرة إنشاء موقع "الوحدة الإسلامية" بعد سلسلة من الحوارات مع أحد الأصدقاء، وتأثرا بكتابات بعض المفكرين المسلمين من أمثال محمد الغزالي يوسف القرضاوي حول (الوحدة الإسلامية).
وخلافا لما كان سائدا في الساحة الإسلامية من التركيز على نقاط الاختلاف بين المذاهب الفقهية والعقائدية، كان تركيزي في الموقع على نقاط الالتقاء والاتفاق، إيمانا بأنها أكثر وأهم من حيث قيمتها في منظومة الخطاب القرآني.. واهتم الموقع في تلك الفترة بتجميع المادة المتعلقة بمفهوم الوحدة وأدب الحوار والخلاف، إلى أن تمكن من أن يصبح أول وأكبر موقع متخصص في هذه القضايا على الإنترنت.
ومنذ سنتين، بدأ التخطيط للتركيز على مفهوم (التنوع) عوض مفهوم (الوحدة). والموقع يقترح دراسة القضايا التالية التي أنشأ الخلاف فيها ما نراه من تنوع في عالمنا الإسلامي المعاصر: تعريف المسلم، الكفر والتكفير، التعامل مع القرآن الكريم، التعامل مع السنة النبوية، مكانة الصحابة وأهل البيت، مفهوم السنة والبدعة، التعددية المذهبية، تحديد الأصول والفروع، حديث الافتراق، الجهاد والعنف، التطرف والوسطية، الهوية الدينية والمواطنة، نظام الحكم السياسي ومفاهيم الشورى والديموقراطية والمعارضة السياسية، الإصلاح ووسائل التغيير، حرية الاعتقاد والفكر والتعبير، علاقة الإسلام بالمفاهيم الحديثة كالليبرالية والقومية والعلمانية، وأخيرا العلاقات بالآخر في وضع الأغلبية والأقلية.
ومن شأن التركيز على هذه القضايا أن يساعد في تأسيس (علم فرق) معاصر يقوم على أساس الفروقات في رؤية العالم (worldviews).
* هل تعتقد بأهمية توحد الخطاب الداخلي قبل أن يوجه هذا الخطاب للأخر بقصد الإقناع ؟
** بدايةً، من الضروري التمييز بين خطاب الإسلام وخطاب المسلمين. والأول خطاب رباني، والثاني خطاب إنساني.
فخطاب الإسلام يمثله الوحي الرباني الممثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الموثقة. وهذا الخطاب موحّد ومتجانس في أسلوبه ومضمونه، وهو - لطبيعة مصدره - خطاب متوازن ومتكامل وذو مصداقية عالية، ويتوجه إلى الناس كافة بدون استثناء.
أما خطاب المسلمين، ولعل هذا هو المقصود ب(الخطاب الداخلي) في السؤال، بما يعني "داخل الأمة الإسلامية" في إطارها الواسع، فإن الحديث عن توحيده هو من باب الأمور المستحيلة وغير العملية، بل وغير المطلوبة أيضا. فالتنوع الإسلامي حقيقة اجتماعية وثقافية قائمة منذ صدر الإسلام. وإذا كانت العوامل السياسية في القرون الطويلة الماضية، ووحدةُ الدولة الإسلامية (في غالب الأحيان) ساهمت في احتواء هذا التنوع والإيحاء بوحدته وتجانسه، من خلال فرض مذهب الدولة وتهميش المذاهب المخالفة، فإن هذا التنوع الإسلامي أخذ مسارا مختلفا في القرنين الأخيرين، وأصبح ظاهرة واضحة المعالم. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها:
- ما شهده العالم الإسلامي والساحة الدولية في القرنين الأخيرين من أحداث، وما نتج بعد مرحلة التحرر من الاستعمار الحديث، من حالة عدم استقرار نتيجة تفكك الدولة العثمانية، ونشوء واقع عربي وإسلامي جديد على أساس هويات وطنية مختلفة.. وقد أدى ذلك إلى تغيير عميق في مفهوم الأمة، وفي علاقة الدين بالدولة.
- وقد ساهم ظهور الدول الحديثة في ازدهار أغلب المذاهب الفقهية والاعتقادية، بحيث أصبح لكل منها فضاء جغرافي تمارس فيه نفوذها وسلطتها، وأقصد بذلك قيام نظم حكم يتبنى بعضها المذهبَ المالكي أو الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي أو الأباضي، أو السلفي أو الأشعري أو الشيعي، إلخ. بحيث لم يعد يعاني أي مذهب من المذاهب من عقدة "الأقلية" التي تعوق الانتشار.
- ظهور الجماعات الإسلامية التي تتبنى العمل المسلح تحت مسمى (الجهاد في سبيل الله)، في العالم العربي عموما، كردة فعل على قيام أنظمة حكم علمانية على أنقاض الاستعمار.
- مساهمة الفتاوى الدينية الداعمة لجهاد المحتل السوفييتي الشيوعي في أفغانستان، ثم في حرب البوسنة والهرسك، في نشأة ما أصبح يعرف ب(السلفية الجهادية)، التي بدأت متجهة نحو عدو لا خلاف في وصفه بالعدو بين مختلف التوجهات الإسلامية، لتجد نفسها، بعد عودة (المجاهدين العرب) إلى أوطانهم، في صدام وتناقض مع نفس المجتمع الذي خرجت منه، بسبب تبني مقولات الجهاد ضد الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامية، على أساس تكفيرها والاستدلال على ذلك بمفاهيم الحاكمية والردة والولاء والبراء وغيرها.
- الهجرة الاختيارية أو الاضطرارية لأعداد كبيرة من المسلمين إلى بلاد الغرب، وتنامي أعدادا المسلمين وانضمام المسلمين الجدد الغربيين إليهم، بحيث أصبح وجودهم يمثل مكوّنا من مكونات المجتمع الغربي والثقافة الغربية المعاصرة يتطلع، رغم كونه أقلية، نحو مساهمة فعالة في البناء الحضاري المشترك في الدول الغربية.
- وأخيرا، ثورة المعلومات والاتصالات وظهور القنوات الفضائية، واختراع الإنترنت والشبكات الاجتماعية الجديدة، التي فتحت آفاق التواصل والتعبير والنشر إلى أقصى حدودها.
كل هذه الأسباب جعلت من التنوع الإسلامي المعاصر حقيقة اجتماعية وثقافية لا يمكن معها افتراض إمكانية لتوحيد الخطاب الداخلي.. وما ينطبق على الدائرة الإسلامية يصدق أيضا على الدائرة غير الإسلامية، التي تتميز هي أيضا بقدر أكبر من التنوع في الخطاب.
* هل ما زالت الوسائل الدعوية الإسلامية متأخرة برأيكم في إقناع المقابل بأهمية الإسلام، ولذا كانت الهجمة على الإسلام شرسة في مقابل عدم تكافئ الطرح من قبل المسلمين ؟
** المؤسسات المتخصصة في مجال الدعوة تقوم بجهد ضخم في توفير الكتاب المجاني وبذل النصح للراغبين في معرفة الإسلام، ومساعدة المهتدين الجدد في تخطي صعوبات التكيف مع حياتهم الجديدة. وإن كان هناك أوجه قصور في الوسائل الدعوية، فلعلها تكمن في المستويات التالية:
- نقص الابتكار في وسائل الدعوة.
- التوجه إلى الشرائح المختلفة والمتفاوتة ثقافيا بنفس المواد ونفس الوسائل الدعوية.
- غياب الدراسات الميدانية والاجتماعية الأكاديمية لتقييم المجهود الدعوي.
- عمل المؤسسات الدعوية المتخصصة يحصل، في غالبه، بشكل مستقل وفي غياب آليات التنسيق مع المراكز الإسلامية في الغرب.
- عرض القضايا الدينية بشكل يختلف عن العقلية الغربية التي تغلب عليها النزعة العملية والعقلانية.
ولكنني مع كل هذا، أرى أن جميع ما يبذل إنما يمثل عاملا ثانيا في هداية الغربيين إلى الإسلام. أما العامل الرئيسي فهو قائم بلا شك على أمرين:
- جهد المسلمين الأفراد الذين يعيشون في المجتمع الغربي، وقدرتهم الذاتية على الحوار والتواصل وبناء جسور الثقة والمصداقية في علاقاتهم الاجتماعية مع غير المسلمين، في الحي السكني، والجامعة ومقر العمل، والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الثقافية، وغير ذلك. ويوجد في هذا المستوى نجاح ملموس، في كثير من الأحيان.
- وجهد النخبة الإسلامية المثقفة والسياسية والناشطة في بلاد الغرب، على وجه الخصوص. وهي نخبة لا تنفتح على الآخرين من أجل دعوتهم إلى الإسلام، وإنما تتطلع لصناعة مستقبل مشترك يقوم على أساس المواطنة الفعالة. وهذه الروح الإيجابية من شأنها أن ترفع بعض الأغلال الفكرية والانطباعات الخاطئة، وتساعد على خلق مناخ من الانفتاح على المسلمين ومعتقداتهم الدينية، والاستعداد للحوار بشأنها.
* بحكم إقامتكم في الغرب ووصفكم ناشطا إسلاميا وتخطب أحيانا في المساجد بكندا، كيف تجدون إقبال المجتمع الكندي في الدخول إلى الإسلام
** الاهتمام بالإسلام في المجتمع الكندي واسع، والأحداث الدولية التي يكون فيها الإسلام والمسلمون طرفا من الأطراف تساهم في ذلك بشكل كبير، حيث فرض التوتر السائد في كثير من دول العالم تغطية إعلامية محلية كبيرة، كان من مظاهرها فسح المجال لكثير من الدعاة والناشطين المسلمين للحديث في وسائل الإعلام، وعرض وجهة نظر إسلامية في كثير من القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية.
أضف إلى ذلك أن المسلمين أصبحوا مكوّنا أساسيا في النسيج الاجتماعي الكندي، حيث تعد الجالية المسلمة حوالي 450 ألف مسلم، تتركز بصفة خاصة في تورنتو ومونتريال وأوتاوا. وقد وفر هذا الواقع فرصا كبيرة للانفتاح على الإسلام وثقافات البلاد الإسلامية.
وأما بالنسبة للدخول في الإسلام، بشكل أخص، فهو أيضا موجود، وكثير من المساجد تشهد حالات النطق بالشهادتين، بمعدل شهري تقريبا. ولكن لا أملك إحصائيات لذلك.
* هل تعتقدون أن المسلمين مقصرون في إيصال الدعوة الإسلامية إلى الغرب وخاصة كندا بوصفكم تعيشون هناك ؟
** مسئولية البلاغ تقع على كل مسلم في كل زمان ومكان، وفي حدود الإمكان.. وخطاب القرآن الكريم وضّح أنه إذا كانت المسئولية الأولى على كل إنسان تتمثل في توحيد الله عز وجل والإيمان بالوحي المنزل على خاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وبذل الجهد في إقامة الحياة الإسلامية، فإنه أكد أيضا على أن المسئولية الثانية على كل مسلم تتمثل في الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، مواصلة لمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التي حددها القرآن الكريم في "البلاغ المبين": (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاَغ المُبِينُ)، لإلحاق الرحمة بالعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ).
ومسئولية كل مسلم في هذا العصر، وفي كل عصر، تتحدد بقدرته على تحمل الإسلام وتربية نفسه عليه وأخذها به، وعلى أداء الرسالة، وفهم عملية البلاغ وإدراك أبعادها، والصبر عليها، والحكمة في أدائها، والقدرة على إبصار وإنضاج وسائلها..
والحاجة الدعوية قائمة بشكل دائم. والمسلمون في كندا عموما يتمتعون بعاطفة ورغبة صادقة في هداية الناس. وإذا كان هناك من قصور فمردّه للأمور التالية:
- وضع "الأقلية" الذي يؤدي إلى التركيز على المطالبة بالحقوق في الممارسة الدينية، وعلى حماية الهوية والخصوصية الإسلامية من الذوبان.
- الحاجة إلى توفير الخدمات والأنشطة الاجتماعية التي يحتاجها المسلمون، وبناء المساجد وتأسيس الجمعيات الإسلامية.
- تشعّب الهموم الحياتية سواء الناتجة عن واقع سوق الشغل المحلي، أو عن الهجرة والحاجة للتكيف مع واقع الحياة الجديدة.
- كثرة التحديات التربوية،
- إضافة لقلّة المال، وعدم تفرغ الكفاءات.
وجميع هذه الأمور تستدعي الصبر والأناة والوعي ومضاعفة الجهود والتعاون لتجاوزها.
* أهم الوسائل الدعوية المؤثرة في المجتمع الغربي بشكل عام والكندي بشكل خاص ؟
** الوسائل الدعوية المؤثرة كثيرة، ولا يمكن الجزم بأهمية واحدة دون أخرى، لأن كل شخص له تجربته الشخصية وطريقته في البحث عن الحق والإيمان به.. وقد تعرفت على قصص إسلام عدد كبير من الكنديين، وبعضهم يسلم بفضل علاقته وصداقته ببعض المسلمين ممن توفرت فيهم معايير جيدة من المصداقية وسهولة المعشر، وآخرون أسلموا من خلال مطالعتهم لبعض الكتب، أو بسبب حبهم للحق والعدل وتضامنهم مع بعض قضايا المسلمين العادلة مثل القضية الفلسطينية، أو من خلال تجارب روحية خاصة، إلخ...
غير أنني أرى أن أهم الوسائل الدعوية على الإطلاق ربما يكون هو التواصل الفردي المباشر في العمل والجوار السكني والجمعيات الثقافية والاجتماعية، لأنه يقوم على بناء عامل الثقة بشكل تراكمي وطويل المدى. كما أرى أهمية الاستفادة من الوسائل السمعية والبصرية الحديثة، مثل تنظيم المعارض الفنية والأشرطة الوثائقية، وتوفير الكتب التي تعرض رؤية الإسلام للقضايا الكبرى التي تهم المواطن الكندي المعاصر، وتطرحها بأسلوب يتماشى مع عقليته وثقافته.
* كيف ترى تعايش المسلمين في كندا مع المجتمع الكندي، وهل يوصف المجتمع الكندي بأنه مجتمع يتقبل الديانات الأخرى ولا يوصف بالعنصرية ؟
** كندا تعتبر دولة نموذجية في التنوع الثقافي بحكم النشأة التاريخية وبحكم الانفتاح على الهجرة. فحسب الإحصاءات الرسمية لسنة 2001، تتوزع الأصول العرقية والإثنية للسكان على 249 عرق مختلف. وفي إطار إطار هذه التعددية الثقافية، تعتبر كندا رسميا دولة ثنائية اللغة، تستعمل الفرنسية والإنجليزية في الخطاب الرسمي. غير أن إحصائيات سنة 2001 تشير إلى وجود أكثر من 100 لغة مستخدمة في الحياة اليومية للكنديين، ووجود نسبة سكانية تقدّر بحوالي 18% ممن لا يتكلمون الفرنسية والإنجليزية كلغة أولى، ووجود 61% من المهاجرين الذين قدموا في التسعينات يتكلمون غير الفرنسية والإنجليزية في بيوتهم. ويظهر التنوع الكندي عل مستوى الأديان أيضا، إذ صرّح 83.8% من السكان بانتمائهم إلى واحد من بين 33 دينا من الأديان الموجودة في البلاد. كما شهد المجتمع تزايدا ملحوظا في أعداد المسلمين والهندوس والسيخ والبوذيين. ويمثل أصحاب الديانات من غير المسيحيين حوالي 23% من إجمالي السكان. ولمزيد بيان حجم التعقيد في التنوع السكاني في كندا، تشير الإحصائيات إلى أن 38% من السكان لهم أصول إثنية متعددة (Multiple Ethnic origins)، نتيجة الولادات من زيجات المختلطة بين مختلف الأعراق.
كل هذه المعطيات، إضافة إلى عدم وجود ماض استعماري للدولة، تفسر التعايش الكبير والعلاقات الطيبة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع الكندي.. غير أن هذا لم يمنع من وجود بعض القضايا التي أثارت في السنوات الأخيرة بعض التوتر، أهمها:
- أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي ألقت بظلالها على وضع المسلمين في كندا بحكم الجوار مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- الاشتباه في حالات نادرة من التورط في قضايا أمنية، ثبت في أكثرها براءة المتهمين.
- خصوصية وضع مقاطعة كيبك الفرنكوفونية في كندا، ووجود نوع من الاستقطاب حول تطبيق التعددية الثقافية بين الحكومة الفيدرالية وحكومة المقاطعة، وتأثر النخبة السياسية والثقافية في كيبك بثقافة البلد الأم (فرنسا) عموما ونمط علمانيتها المعادي للدين، وهذا ما يفسر أن أكثر حالات التوتر تجاه مظاهر التدين الإسلامي موجودة في مقاطعة كيبك دون غيرها من المقاطعات الكندية.
- التحول الحاصل في السنوات الأخيرة على مستوى الخارطة السياسية، والذي أدى لصعود قوى اليمين والمحافظين، التي تبنت بشكل واضح مواقف غير إيجابية تجاه المسلمين وقضاياهم على المستوى الداخلي والدولي.
* أهم العوائق التي تقف أمام المسلمين وأمام عملكم الدعوي هناك ؟
** من الناحية القانونية والواقعية لا توجد أية عوائق أمام المسلمين في كندا. والدعوة التي تتم بشكل عفوي وبسيط قائمةٌ ومؤثرة بشكل إيجابي.
أما على مستوى العمل المتخصص في الدعوة فهو قائم بشكل أساسي ليس قبل تحول الأفراد إلى الإسلام، وإنما بعد تحولهم. والمراكز الإسلامية تعاني بعض الصعوبات في المستويات التالية:
- قلة الخبرات والكفاءات القادرة على الإجابة عن التساؤلات المعرفية للمسلمين الجدد،
- قلة الخبرات والكفاءات القادرة على بذل النصح لهؤلاء المسلمين الجدد عند تعرضهم لمشاكل اجتماعية وأسرية بسبب إسلامهم،
- قلة أو انعدام الموارد المالية التي تساعد على توفير الكتب الإسلامية الجيدة، باعتبار أن الكتب الجديدة هي عموما من تأليف دعاة أو أساتذة جامعيين يعيشون في الغرب، وباهظة الثمن نسبيا، ولا توفرها الجمعيات الإسلامية بشكل مجاني.
* الموجة التي تجتاح بعض من بلدان أوربا حول محاربة الحجاب والمحجبات، هل لدى مسلمات كندا نفس المعاناة أم أن ذلك ينتفي في المجتمع الكندي ؟
** في العموم لا توجد أية عوائق أمام المرأة المحجبة. وهذا لا يمنع من وجود بعض الضيق لدى الكنديين، وهو مقتصر على مقاطعة كيبك، كما ذكرت سابقا) وتجاه النقاب فقط. وقد وجدت بعض المحاولات لإثارة المشاكل حول الحجاب والنقاب في الإعلام وعلى مستوى السياسي، غير أنه تمت معالجتها بهدوء وحكمة من قبل العقلاء من المسلمين وغير المسلمين. وكان موقف الرابطة النسائية في كيبك مشرّفا، بالرغم من التوجه العلماني للرابطة، حيث اعتبرت الحجاب والنقاب حقا من حقوق المرأة. وقد خفتت الأصوات المعادية للنقاب منذ فترة.
* هل تمكن مسلمو كندا من الوصول إلى التمثيل السياسي والاجتماعي والوصول إلى مناصب مهمة في الدولة الكندية ؟
** المدن التي توجد فيها تجمعات هامة للمسلمين، مثل مونتريال وتورنتو وكلجاري وغيرها، تشهد مستويات متفاوتة وأشكالا مختلفة من المشاركة السياسية، في البرلمان الفيدرالي وبرلمانات المقاطعات، والبلديات، وينشط عدد من المسلمين في إطار الأحزاب السياسية القائمة. وفي مدينة كالجاري فاز مسلم مؤخرا بمنصب رئاسة البلدية لأول مرة في تاريخ المسلمين في كندا. وفي مونتريال تنافس أحد المسلمين (من المهتدين الجدد) على منصب رئاسة البلدية وحصل على المرتبة الثالثة.
وعموما، يبقى حجم المشاركة السياسية ضعيفا لحد الآن. وفي تقديري فإن السبب الرئيسي لهذا الضعف يعود إلى تشكّل الجالية المسلمة في كندا بالأساس من أصحاب الشهادات العلمية والتقنية والطبية، وهي تخصصات لا تساعد كثيرا على تخريج القيادات السياسية والاجتماعية. ويحتاج المسلمون لتشجيع الشباب على التوجه إلى تخصصات المحاماة والعلوم السياسية والعلوم الاقتصادية وعلم الاجتماع وعلم النفس وما شابه ذلك.
* طموح تسعون إلى تحقيقه من خلال موقعكم – التنوع الإسلامي – ولا زلتم لم تصلوا إلى تحقيقه
** موقع التنوع الإسلامي يعيش حاليا طوره الثاني. وأرجو أن تكون المادة التي نطرحها محفزا للباحثين والكتاب والناشطين لدراسة قضايا التنوع بشكل أعمق، من أجل فهم واقعنا الإسلامي المتعدد الأبعاد.
كما أرجو أن يصبح الموقع، في المستقل، نواةً لمركز دراسات متخصص في هذه القضايا التي لم تلق بعد العناية الكافية في عالمنا العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.