لا تحتاج النهضة لبذل أي جهد لكسب أعداء فهم موجودون بالفعل ويحملون من الدوافع ما يجعلهم يستعدون النهضة و يوغلون في هذا الاستعداء دون حاجة لأية مبررات اذ يكفي ما يحمله أغلبهم من سوء النية و اسفاف وانتهازية مقيتة لتكون جعبتهم ملئى دائما بشتى الانهامات السخيفة و الأكاذيب الممجوجة والساذجة لكل ذي عقل. لكن النهضة في المقابل لا تبذل أي جهد حقيقي لاكتساب أصدقاء حقيقيين يمكن التعويل عليهم واستثمار كفاءاتهم في اطار تكريس مشروعها الوطني. لست أفهم كيف يكون العقل السياسي للنهضة قادرا على تشريع وتبرير استقطاب بقايا التجمع والحوار مع أقصى اليسار ويكون هذا العقل عاجز وغير قادر على مد اليد لقوى قريبة جدا من أطروحاتها أو هي على الأقل لا تعاديها من شخصيات و أحزاب من اسلاميين مستقلين ووسطيين و أحزاب تعلن بشكل مباشر انحيازها للهوية العربية الاسلامية لتونس وقيم الحرية والعدالة والتنمية. سيكون خطأ جسيما ترتكبه النهضة ان خاضت انتخابات المجلس التأسيسي على أساس قائمات مغلقة تتشكل حصرا من نهضويين. لن يكون مفاجئا لأحد أن تحرز النهضة على أغلبية حقيقية داخل المجلس التأسيسي لكن مثل هذا النجاح المتوقع لا يمكن أن يضمن فعليا نجاحا حقيقيا في الايفاء باستحقاقات المرحلة المقبلة. لا يعني هذا التشكيك في امكان هذا النجاح لا قدر الله تشكيكا في كفاءة وجدية واخلاص منتسبي النهضة الذين ستدفع بهم نتائج الانتخابات الى موقع القرار وانما ما يمكن التوجس منه من رد فعل القوى المهزومة وما يمكن أن تجده من سند خارجي يكاد لا يخفى في معاداته أو على الأقل توجسه من الاسلاميين. لا يتعلق الأمر بتشاؤم ولا بالتفائل فليست الانفعالات ما يجب أن يوجه الفعل السياسي وانما من تجارب تاريخية تتشابه كثيرا أو قليلا مع ما يميز لحظتنا الراهنة. مر المسار الديمقراطي تجارب متنوعة في تاريخنا المعاصر تمثل كل تجربة منها أنموذجا لما يمكن توقعه مستقبلا من خطر لا يمكن اسقاطها نهائيا من حسابات قيادة النهضة؛ كانت هناك تجربة سبعة نوفمبر وتجربة الجزائر بعد فوز جبهة الانقاذ بالانتخابات كما أن هناك درس حماس في فلسطين. أمام هذه الدروس القاسية التي تحيل عليها التجارب الثلاثة المذكورة آنفا سيكون من الضروري أن تتحرك النهضة بكثير من الحذر و أن تكون منفتحة إلى أقصى حد على كامل التيارات والأحزاب والشخصيات وطنيا ومحليا التي يمكن أن تسهم في بناء قاعدة عريضة توفر شروط الاطمئنان لانجاح التجربة الديمقراطية وعدم الالتفاف عليها. بناء هذا التوافق هو مهمة النهضة تحديدا وما يجب أن تبادر اليه ليس لأنها الأكثر حاجة له فهو حاجة وطنية ملحة وانما لأنها الأكثر قدرة على ادارته وتوفير الشروط الموضوعية لانجاحه