جاءت الثورة التونسية في توقيت أعتقد فيه الكثيرون أن لا جدوى من هذه الشعوب العربية التي باتت مستسلمة لجلاديها، غير عابئة بما يجري من حولها من ظلم وقهر وعوز وإذلال، ولا جرم أن الشعور الكامن في النفوس بأن هذه الأنظمة لا تقهر، وإن قهرت فبحد السيف كما هو الحال في العراق وأفغانستان، هو الذي جعل هذه الشعوب تنتظر الخلاص، فطال عليهم الأمد وقست قلوبهم. من هنا جاءت النظرية التي خط سطورها هذا الشعب الأبي "الشعب يريد " كاستجابة لطوق كل الشعوب على حد سواء للكرامة والحرية، لكن هذه الثورة يجب أن تستمر ليولد من رحمها أبناء معافون يحملون على عاتقهم أمانة الحفاظ عليها بنفس الروح التي انطلقت بها. إن الخوف اليوم يزداد يوما بعد يوم من تشويه هذه الملحمة التاريخية على يد بعض الحاقدين والانتهازيين الذين يعملون في الخفاء أو جهارا لابسين أقنعة مختلف ألوانها، وهدفهم الوحيد في اعتقادي هو إغراق المجتمع في صراعات متعددة من أجل سحب البساط من تحت من غرس بذرة الثورة وسقوها بدمائهم، وهنا يأتي الخوف من تنامي ظاهرة التساقط على طريق الثورة، كظاهرة يمكن أن تعد السرطان الذي يجب استئصاله قبل أن يتمكن من جسد هذه الأمة فيكون الهلاك. لست متشائما , ولا منهزما ولكني أريد قراءة الواقع بعيدا عن كل التأثيرات و التجاذبات، فلا شك أن الشباب هو مهندس هذه الثورة، لكن وبكل موضوعية هل يمكن لهؤلاء أن تكون لهم رؤية وخطة تمكننا من تجاوز هذه المرحلة التي تعد حاسمة في تاريخنا، الجواب بكل بساطة لا، وهذا هو السبب الحقيقي لتكاثر و تعدد أسباب التساقط، فما نراه في بلادنا من صراعات وهمية لا ترتقي الى درجة التعددية، بل أنها وصلت إلى درجة السب والشتم والعنف المنظم وغير المنظم، وهي نتاج لوجود بعض المغرضين الذين جعلوا همهم الوحيد هو من سيجلس على كرسي بن علي لا غير، فرأينا من يتكلم عن الهوية، الفئة الصامتة، الفئة المرتدة، العمالة للخارج، الدين والسياسة، النقاب ....وهلم جر من هذه المشاكل المختلفة و التي كان الهدف الرئيسي منها في حقيقة الأمر هو أن تحيد الثورة عن مسارها الحقيقي ، والمشكلة التي تزيد الأمر تعقيدا هو الركوب على كل هذا من طرف أناس كانوا يحسبون على النخبة، نعم النخبة التي كان من المفروض أن تطفأ هذه النار لا أن تشعلها وتجعل من الشعب وقودا لها. والسؤال هنا، هل ستخرج كل الأحزاب من بوتقة التنافس الضيق الذي لا يعكس لعامة الشعب التوجهات و الاستراتيجيات الحقيقية لكل منها، فيكون الهدف هو الاختلاف من أجل الائتلاف، حتى يتسنى لنا أن نبني لهذا الشعب ما يضمن له كرامته من تعليم و صحة و مسكن لائق، فنضمن أن لا تحترق أجساد شبابنا أو يبتلها البحر, وأعتقد جازما أن هذه الأمور لا يختلف عليها إسلاميا أو شيوعيا أو قوميا . د. لطفي السنوسي ------------------------------------------------------------------------ تعالوا إلى كلمة سواء تعالوا إلى كلمة سواء من يريد تحسس ملامح المرحلة الراهنة بعد الرابع عشر من جانفي، فإن عليه أن يتابع بكل عمق ما يجري على الساحة السياسية، والانقلاب الملفت للنظر في أسلوب الخطاب والذي أستشعر ومن الوهلة الأولى، أننا نسير في اتجاه واحد وهو الطائفية ولكن بحلة مغايرة لما عرفته البشرية. فلطالما ارتبطت الطائفية بالاختلافات ذات الطابع الديني و العقائدي فقط ولكن وفي نظري نحن أمام تهديد حقيقي لنوع جديد من الطائفية والتي يختلط فيها مفهوم الحق والقانون بالخلفيات الفكرية .الأيدولوجية أيا كان مأتاها، ملغيا بذلك أي محاولة لتصور دولة سياسية فالحديث اليوم المتداول في الشارع أو في وسائل الإعلام والاجتماعات العامة يدور حول الهوية ,المساواة ،تعدد الزوجات الخلافة ...فصل الدين عن السياسة وكأن بي أرى فقهاءا قد اعتلوا منابر المساجد في دولة بني أمية والعباسيين من بعدهم ليفتوا في الخلافة و الإمامة والعصمة ...واللاعصمة أي هراء هذا؟ هنا يأتي دور النخبة في المجتمع و مسؤوليتها في الإرتقاء بوعي الأمة فوق المصالح الذيقة ،وقدرتها على تصور المصلحة العامة، وذلك بامتلاكها وسائل ثقافة و علم يمكنها من استيعاب التحولات الخارجية و القطع تماما مع النماذج التقليدية، واكتساب معارف وبناء تجارب خلاقة والقيام بمبادرات .عقلية وعملية مما يضمن للمجتمع تكوينه الفسيفسائي المتوازن من هنا تأتي الدعوة الملحة إلى كلمة سواء تتحرر من خلالها النخبة السياسية من تماهياتها الجزئية فتتحول الدولة إلى دولة أمة أي دولة مواطنيها د. لطفي السنوسي