من علامات سوء طالع الإنسان أن يتعرض لما لا يُطيق. ومن يتعرض لما لايطيق يُِذل نفسه ويدفع الآخرين لِيُذِلُّوه أيضا . • التصريحات الجديدة التى تملأ أفق المحروسة بحديث عن الدستور أولا من علامات سوء الطالع، ليس لأصحابها فقط ،وإنما لمصر كلها إن سكتت وتركت الحبل على الغارب. • بعض أصحاب هذه الدعوة طَاِلعُه معروف من قديم ، ولا يحتاج لذكاء حتى يتم كشفه أو حتى يتم فقسه كما يقول أولاد البلد الأصلاء، فهو مفقوس من زمان . • الشعب الذى خلع بإصرار وعناد وكبرياء طاغية العصر، وقدم التضحيات من الشهداء والجرحى قال كلمته في استفتاء 19 مارس، ولأول مرة في التاريخ الحديث يمارس الشعب إرادته بحرية غير مسبوقة. • أصحاب سوء الطالع الذين كانوا خدما وأعوانا في بلاط الطاغية المخلوع، عَزَّ عليهم أن يفرح الشعب المصري بممارسة حقه في الحرية والديموقراطية، فراحوا يكيلون له تهم السب والشتم والتبكيت لأن اختياره جاء على غير هواهم . • أحدهم بالحيل الخادعة يحاول الالتفاف على تلك الإرادة الشعبية بجمع توقيعات لإعادة الاستفتاء على الاستفتاء السابق، ويساعده المال الطائفي حيث يلعب دورا كبيرا جدا في تسويق المحاولة عن طريق صحف خاصة وقنوات فضائية مملوكة لأصحاب هذا المال . • صاحبنا المفقوس منذ زمن، يبدو أنه استصاغ واستمرأ أن يُذْكَر اسمه وأن يكون ضيفا دائما لبعض قنوات رأس المال الطائفي، وأن تتناوله وسائل الإعلام مدحا أو قدحا لا فرق، فهو "مفقوس مفقوس ولو علقوا على رأسه فانوس" ، وكما يقولون في المثل الشعبي "ضربوا الأعور على عينه فقال: خربانة خربانة" • وبما أن الوزراة القائمة وزرارة لتصريف الأعمال فهى بعد ثلاثة شهور مقبلة على السقوط القهرى أو السقوط التلقائي بحكم القانون، ومن ثم فصاحبنا المفقوس جدا يعمل بالمثل القائل " ياللى انت رايح كتر من الفضايح " • المحاولة مضحكة ومبكية أيضا، فبقدر مافيها من سخف وهراء بقدر ما تحمل من خبث يُدْخِلُ البلد إلى نفق مظلم ويدفعها إلى شر مستطير. • وبما أن الشعب المصري يعانى من حالة جفاف وكبت سياسي وصلت إلى حد القهر بتزوير إرادته في آخر انتخابات قادها المسجون أحمد عز، وأنه ظل محروما من حقوقه عامة ومن حقه السياسي في ممارسة حريته في الاختيار لمدة ثلاثين سنة، فإن المرء يمكن أن يتفهم أن حالة الهياج السياسي التى تمت خلال الشهور الماضية بعد ثورة 25 يناير كانت بمثابة تفريغ للطاقة المكبوتة ،وأنها أيضا نوع من الاكتئاب الوطنى الإيجابي الذى يدفع بالناس أحيانا إلى حركات سريعة ومتنوعة وغير محسوبة، مثلها تماما مثل سجين عقوبته مؤبدة وفقد الأمل في الخروج من زنزاته، ثم فجأة وبلا مقدمات وجد نفسه حرا طليقا سقط عنه كل شئ ولم يعد مسؤولا عن أي جرم، فراح ينظر يمنة ويسرة ويتحرك مذهولا في كل اتجاه وهو غير مصدق لما حدث. • هذه الحالة يمكن أن نتفهم على ضوئها حالة الهياج السياسي التى تمت في الشهور الماضية ، وخلالها حاولت فلول النظام المخلوع أن تتحرك بسرعة، فبذرت بذور الفتن هنا وهناك، ومن ثم كان من الحكمة أن تنتقل الأمة بشكل طبيعي من حالة الشرعية الثورية التى أطاحت بالرئيس المخلوع وأحدثت هذا الذهول، إلى حالة الشرعية الدستورية التى يبدأ معها الاستقرار والتفرغ لإعادة بناء وهيكلة الدولة ، حتى يتم قطع الطريق أمام فلول النظام التى بدأت في استغلال الأوضاع وتوظيفها لثورة مضادة ، ولذلك كان الاستفتاء على الدستور في 19 مارس هوالقنطرة التى حملتنا إلى بداية الشرعية الدستورية، وقد تمت هذه المرحلة بنجاح باهر، الغريب أن فئة قليلة تريد الآن أن تنسف كل ما تم إنجازه لنبدأ من نقطة الصفر مرة أخرى، فلصالح من ؟ • وبدلا من أن يتفرغ الجميع لتوجيه طاقة الناس إلى زيادة الانتاج وإثارة التحدى وتحفيز إرادتهم لكى تقبل على تشغيل المصانع وزراعة الأرض وإدارة الآلات في شتى القطاعات حتى تكتفى مصر ذاتيا فيما تحتاج إليه من غذاء ودواء وغير ذلك، إذا بنا ندخل من جديد في هذا اللغط المثار حاليا حول إعادة الاستفتاء على الاستفتاء، والذى يعد تجاهلا لإرادة الأغلبية الشعبية الساحقة من أبناء هذا الوطن ؟ • ثم ألا يحق للمرء أن يتساءل عن الفرق بين الجريمة الأخلاقية التى ارتكبها أحمد عز بتزوير إرادة الشعب وتجاهل الأغلبية الساحقة وبين ما يقوم به يحي الجمل وشلته هذه الأيام ؟ • وهل يا ترى خرجت مصر بثورتها المباركة والعظيمة من تحت سيطرة الرئيس المخلوع لتدخل تحت وصاية يحى الجمل ونخبته ؟ • وهل كلما اختار الشعب أمرا وأجمع عليه ولم يوافق هوى النخبة المحترمة سيعاد النظر فيه ولو كان استفتاء ساهمت فيه كل مصر بكل أطيافها ؟ • هل ستتحول مصر الحرة إلى رهينة لأؤلئك الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما يقول المثل المصرى، فيعترضون على كل شئ وبأي شئ وليس من أجل شئ إلا إعاقة الحياة السياسية وتعطيل مسيرة الديموقراطية وصناعة صنم سياسي جديد ؟ • ثم أليس ما يحدث الآن هو نفسه ما فعله أحمد عز في آخر انتحابات تمت قبل قيام الثورة ؟ • ألا يعد ذلك في عرف (فقهاء الدستور) انقلابا على الشرعية والتفافا على إرادة الشعب وهو الوجه الآخر للفساد السياسي القبيح الذى قام به أحمد عز ويحاكم عليه الآن ؟ • السخف الذى يحدث هو نوع من الثورة المضادة بالقفز على إرادة الشعب ومصادرة حقه في الاختيار، وهو أمر يثير فتنة ضد إرادة الأغلبية التى قالت كلمتها في استفتاء 19 مارس. • خطورة استمرار هذا العبث أنه يدفع المصريين إلى فقدان المصداقية في الحكومة وفي القوات المسلحة إذا هى سكتت عليه ، وهذا هو الفساد السياسي بعينه الذى مارسه النظام المخلوع والذى كان يهدد أمن مصر واستقرارها ، ومن أجل القضاء عليه قامت الثورة، ووضعت كُهّانِه ومُنَظِّريه ورموزه ورؤوسه نزلاء الآن في سجن طرة . • المشهد يحمل في رَحِمِه شرا كبيرا قد لا يتحمله الوطن في ظرفه الراهن حيث لا مجال للمقامرات ولا يجوز أن يُسْمَح بها في ظروف مصر الحالية . • المجلس العسكري كممثل عن القوات المسلحة التى حمت الثورة وكانت بحق درعها الواقى ويحمل له المصريون كل التقدير والإجلال والاحترام ، في حاجة الآن أن يُبْدَى غضبه ولا يكتفى بالتلميحات ولا حتى بالتصريحات. • عصام شرف ويحي الجمل ومن معهم من داخل الحكومة ليس من حقهم أن يفعلوا ذلك، لأنهم ببساطة شديدة في مواقعهم نواب عن الشعب في تنفيذ إرادته وليسوا أوصياء عليه ، وعندما يقول الشعب كلمته فلا يجوز أبدا أن يلتف أحد لمصالح خاصة على إرادة الشعب خصوصا إذا كان عضوا في حكومة تمثله . • الأمر محير ومربك ويدعو للضيق ولا يبشر بخير، فالثورة قد قامت لتحرر إرادة الشعب فما بال هؤلاء يكبلونها من جديد . • والثورة قد قامت لتخلص مصر من الاستبداد فما بال هؤلاء يكرسونه من جديد. • والثورة قد قامت لتقرر مبادئ الديموقراطية فما بال هؤلاء يعيدونها فرعونية جديدة تقول للناس "ما أريكم إلا ما أرى"؟ • ليس من حق المال الطائفي مهما بلغت ملياراته أن يلغي إرادة شعب بكامله، ولا يجوز له أن يلعب بالنار في مصير وطن كبير كمصر. • كما لا يحق ليحى الجمل ولا عصام شرف، ولا مَنْ معهم حتى لو كانوا ثمانين حزبا كما يَدَّعى الجمل ويروج أن يفرضوا إرادتهم على وطن تعداده ثمانون مليونا من البشر . • القوات المسلحة هنا مطالبة أخلاقيا وقانونيا بأن تفك هذا الاشتباك المشين والمهين، وأن تُسْكِتَ هذه الأصوات النشاز، وتحزم الأمر باعتبارها درعا للوطن وحامية لمكتسبات الشعب، وأول هذه المكتسبات احترام إرادته وحماية حقه في الاختيار الحر. • الدعوة لإلغاء إرادة الشعب والاستفتاء على الاستفاء لو اقتصرت على زعماء الأحزاب في الساحة السياسية لكانت الفضيحة مخففة ، ولقال الناس: حُرْقَةُ حِرمان أصابت حناجر بعض الرؤوس المتطاولة والمتطلعة لأكبر من إمكانياتها ، فراحت تصرخ بإساءة النطق بعد إساءة الحال ، ويجب أن نسامحهم . • أما وأن يكون المتحدثون في الفتنة والمطالبون بإلغاء إرادة الشعب وإعادة الاستفتاء على الاستفتاء هم من رؤوس الحكومة التى تعمل تحت ولاية المجلس العسكرى فتلك عورة مغلظة وفضيحة مركبة، تهين مصر شعبا وإرادة وثورة وثوارًا ، وظروف الوطن لا تتحمل مثل هذه المقامرات العبثية والفجة والخبيثة التى تعرض أمن مصر وكرامة شعبها لأخطار كبيرة . • الجديد والمحزن في الأمر أن ينضم د. عصام شرف إلى هذه الفئة، فقد كانت النفس وما زالت تحمل له قدرا كبيرا من الإحترام، وكذلك الشعب أيضا ، وليت ما صرح به يكون زلة لسان غير مقصودة يمكن الرجوع فيها أو الاعتذار عنها ، وبخاصة أنه على رأس حكومة تنوب عن الشعب في تنفيذ إرادته وليس في تجاهلها أو القفز عليها. • وعندما يتصل الأمر بأمن مصر واستقرارها وكرامة شعبها واحترام إرادته فلا بد هنا من الحزم ونزع الفتيل قبل إشعال الحريق، وذلك هو دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة . * أكاديمى مغترب رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية رئيس إذاعة القرآن الكريم