كثير من الأحزاب تدعى لنفسها الجماهيرية وتصف نفسها بأحزاب الأغلبية وهي تعيش فى واقع لا تتوفر فيه أدنى شروط المنافسة النزيهة للتداول على السلطة وفى مناخ يطغى عليه الاستبداد وتسوده أحكام الفرد وقراراته وتداس فيه كرامة الإنسان بكل الوسائل وبمنتهى الخسة و النذالة وهذه الأحزاب لا تسمح لغيرها من الأحزاب بالتواجد لمنافستها وتأتى الأحداث الحاسمة وثورة الجماهير الهادرة لتبين أن ما يسمى بحزب الأغلبية الذى كان يتغنى بأغلبيته بالأمس ما هو إلا حزب أقلية وأن الأغلبية المنتمية له ماهية إلا قطعان تساق , تبحث عن مصالح ظرفية , يغلب على تفكيرها النفاق والخداع والتلون , يجمعها المزمار والبندير , وتفرقها صيحات الجماهير الغاضبة , وبرامجها السياسية والاقتصادية مستوردة من الخارج , مهزوزة ومسقطة إسقاطا على واقع شعبها , تخدم في كل توجهاتها مصالح الغرب المستعمر وأذياله , لذلك فالحديث عن جماهيرية حزب ما يدعونا للحديث عن مصداقية توجهاته , وبرامجه , ومدى واقعيتها , ومساهمتها في تنمية كل مناطق البلاد , و أفرادها على المستوى الفكري والاجتماعي والاقتصادي . فالأحزاب الجماهيرية هي تلك الأحزاب الصادقة مع شعبها , وهي تلك الأحزاب القريبة من مواطنيها , تسمع لشكواهم , وتشاركهم همومهم , وتحاورهم في اهتماماتهم , وتصوراتهم , وترتقي بفكرهم , وتتعلم منهم , ويتعلمون منها . فصنع البرامج الجيدة والنافعة لا يتم فى الصالونات المغلقة , ولا في المقرات المرفهة , وإنما يتم من خلال المقهورين وأناتهم , والمظلومين ودعواتهم , والمستضعفين وصيحاتهم . وأحزاب النخبة المتعالية على جماهير شعبنا , والتي تربت قيادتها في الحرير الناعم ولم تعرف تعب السجون وغربة الأوطان والصبر على الأذى , وأثرت الحياة الدنيا على الآخرة , لم ولن تستطيع أن تقدم شيئا لشعبنا المظلوم. وحري بحركة النهضة الإسلامية التوجه المتجذرة في ثقافة هذا الشعب , والتي عرفت قيادتها العسف والظلم وما وهنت و ما استكانت لما أصابها , وعرفتها الجماهير مناضلة , وناضلت في صفوفها , وعرفت في نضالها المنافي والقهر والسجون أن تعي أن نشأتها كانت بين الجماهير وللجماهير رغم أن خطابها في بداية النشأة غلب عليه الجانب العقائدي والأخلاقي , وبدأ متأثرا بمدرسة الإخوان المسلمين منغلقا فى منظومتها الفكرية ألا أنها سرعان ما قيمت مسارها الفكري والسياسي فانفتحت على كل المدارس الفكرية الإسلامية خصوصا والإنسانية عموما , مستفيدة من تجاربها الفكرية والسياسية , وتواصلت مع هموم الشعب و اهتماماته ومطالبه فى الحرية والديمقراطية و حقوق الإنسان وحق المواطنة , وقدمت التضحيات الجسام , ولكن نعيب عليها أنها لم تولى اهتماما للمسألة الاقتصادية والاجتماعية فى برامجها و خططها سابقا , رغم ما للمسألة الاقتصادية من أهمية بالغة فى حياة شعبنا الذى يئن تحت الفقر , ويفتقد لأبسط حقوق المواطنة, ومقومات العيش الكريم , لذلك فقد آن الأوان اليوم للاهتمام بهذه المسألة , وتشريك كل الطاقات الصادقة والفاعلة من أبناء شعبنا في نحت مستقبل تونسالجديدة تفاعلا مع اهتمامات الجماهير وتطلعاتها لغد أفضل فى التنمية والعدالة وإرساء دولة القانون الحقيقية والمؤسسات المنتخبة دون تزوير , فليس لها ما تخشاه اليوم بعدما قال الشعب كلمته و حسم الأمر لصالحه , وقرر أن لا وصاية لأحد عليه بعد اليوم , و كما نعيب عليها حاليا التذبذب فى اتخاذ المواقف الخادمة لحقوق الشعب , ولا نجد تفسيرا مقنعا لتقوقع قيادتها على نفسها , والعمل على تغييب قواعدها عن صنع قراراتها , وبرامجها ناهيك عن شعبها , فلا للتقوقع على النفس لأي سبب من الأسباب , فالحركة تمتلك الكثير من الطاقات والكثير من هذه الطاقات مهمش أو مبعد , فمهما كانت مبررات الإبعاد وهي في جلها واهية , فحركة النهضة لنا جميعا , ووسعتنا جميعا أيام المحن , فلنتقى الله فى بعضنا البعض , ولنفتح باب التوافق على مصراعيه بيننا , ولنصلح ذات بيننا فالصلح خير , وليكن شعارنا دائما كما كنا"حق الاختلاف وواجب وحدة الصف", فالانتماء يكون للبرامج التي يساهم المواطن في صنعها, وتقييم إخلاص الفرد يكون بما يقدمه من دفاع , وعمل لتنفيذها مساهمة منه في النهوض بواقع بلادنا فكونوا مع شعبنا , يكن معكم , واستنهضوا الهمم ولا تناموا, فمن نام لا تنتظره الحياة.