بقلم أبو انس. بعد عقود من الحكم الفردي البوليسي ها هي أسطورة الحاكم العربي الذي لا يقهر تتهاوى بسقوط طاغية جديد يضاف إلى سجل المعزولين قبله: بن علي و مبارك. كان بالأمس القريب يدافع عنهم و يعدد خصالهم و يتهم الشعوب بالسذاجة و غياب الرأي الصواب بتخليهم عن قادتهم العظام حسب رأيه فنعت بن علي بأنه أفضل حاكم لتونس و مبارك بأنه فقير و بطل أفنى عمره في خدمة مصر. أما بعد رحيل صدام فقد بادر في احد القمم العربية بتوعد القادة العرب بنفس المصير و لا احد يعلم إن كان استثنى نفسه أم أن ذلك كان من تحصيل الحاصل لأنه مثلهم و ما ينطبق عليهم فهو بالضرورة صالح له. غير أن تصرفه كان إلى حد كبير مشابه لأفعال صدام من حيث عدد الضحايا و التمادي في العناد بل إنهما كانا وجهان لعملة واحدة : فبالغا في القتل و تحدي إرادة الشعب و المجتمع الدولي و عدم تقدير عواقب الأمور. ها هو آخر أباطرة الشرق يغادر الحكم بعد 42 سنة من الحكم المطلق و الفردي و هو نظام فريد من نوعه في العالم و عبر التاريخ لم نشهد مثيل له إذ يعتمد على القائد الأوحد في كل الأمور المدنية و العسكرية و الفكرية و الثقافية. هو جنون العظمة الذي يصيب بعض الحكام فيفقدهم الصواب ويدفع بهم إلى الظلم و البطش ثم إلى الهلاك و هو ما أصاب هتلر و موسي ليني في أواسط القرن الماضي. كان الشعب الليبي على امتداد أربعة عقود يئن تحت حكم جائر و جاهل جعل من البلد الغني بالبترول يعاني من تردي مستوى عيش المواطن و تدهور التعليم إضافة إلى ضعف البنية التحتية و غياب مشاريع التنمية . كانت الأموال الطائلة المتأتية من البترول تصرف في ملاهي ارويا من طرف أولاده أو لدعم المنظمات الإرهابية و الحركات المعارضة في إفريقيا و حتى في ارويا. ففي الوقت الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة و خاصة منذ انهيار جدار برلين و نهاية الحرب الباردة اختار القذافي عزل البلد و مواجهة القوى العظمى و هو ما انجر عنه حصار اقتصادي دام سنوات، و هو ما زاد في تنامي الشعور بالحقد تجاه هذا الرجل. و حتى بعد رجوع القائد إلى المحافل الدولية فان رجوعه كان مرفقا بكثير من التصرفات الغريبة، فهو يتنقل بخيمته البدوية في باريس و نيو يورك، و كان يخرج عن المألوف في اجتماعات الأممالمتحدة و الجامعة العربية وسط ذهول المراقبين حول سبب تحمل هذا الكائن الغريب في المجتمع الدولي. انه ُ يُسخر موارد الشعب لتحقيق حلمه بالتسلط و العناد و تحدي الأخر مهما كان الثمن، و الثمن في البداية كان مصير الشعب الليبي و مستقبل أبنائه لينتهي بمصير القذافي نفسه صحبة أبناءه. فها هو يذوق طعم الذل و التشريد مثلما كان يفعل بشعبه. اسم آخر يُضاف إلي قائمة الهاربين أو المتنحين أو المعزولين من الحكام العرب، و إن اختلفت التسميات فان المصير واحد و هو نهاية الحكم الفردي و انتصار إرادة الشعوب في مواجهة الطغيان. و السؤال المطروح الآن: من هو الاسم الموالي على قائمة الهاربين؟