بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يستخف السبسي بضغط الثورة
نشر في الحوار نت يوم 31 - 08 - 2011

أدلى الباجي قائد السبسي في الأيام الأخيرة إلى جريدة الشرق الأوسط بحوار مثير إذ بقدر ما إكتنفه الغموض من جانب وردت فيه تأكيدات إيجابية قاطعة على نحو يبدو فيه الحوار إيجابيا في الجملة وليس في التفصيل حيال مستقبل البلاد من بعد ثورة 14 يناير 2011.
الواقعية التونسية
عرفت مصطلحات الواقعية والإعتدال وغيرهما في قاموس الإعلام السياسي العربي المعاصر في إثر الهزائم الأولى المتتالية للأمة العربية في مواجهة العدو الصهيوني بدءا من هزيمة 1967 المدوية والتي وضعت حدا نظريا وليس عمليا وجدليا وليس حقيقة للمد الناصري القومي وفي الآن ذاته كانت تلك الهزيمة المدوية بعثا جديدا للصحوة الإسلامية المعاصرة التي تأطرت في كثير من فعالياتها ضمن حركات إسلامية سياسية أغلبها ينهل من المدرسة الإخوانية مصرية المنشأ والمولد. ومع توالي تلك الهزائم التي ستأخذ من بعد هزيمة 1967 صورا سياسية وليس صورا عسكرية حربية تعبأ القاموس الإعلامي السياسي العربي بمثل تلك المصطلحات التي تعني في الحقيقة العارية من كل مجاز سياسي أو طلاء إعلامي : الرضوخ للشروط الصهيونية والأمريكية والأروبية والغربية وهو ما صوره أحد أكبر رجال السياسة العربية الراحل بورقيبة في خطابه الشهير في أريحا عام 1965 : ضرورة الرجوع بسقف المفاوضات إلى حدود 1967 بما يعني أن الهزيمة جاءت من الغرب العربي الإسلامي البعيد عن منطقة المقاومة تترى بل جاءت تستبق الهزيمة الفعلية المدوية لعام 1967 بعامين إثنين. سوى أنه مع تعمق مناخ الهزيمة من بعد ذلك في الشرق تلك الهزيمة العربية الجامعة التي لم تكن محاولة النهضة والمقاومة في حرب الأيام الستة الأولى من رمضان 1973 سوى قطرة عذب زلال في محيط ملج أجاج بدءا من إتفاقيات إسطبل داوود 1978 وإنتهاء بدفن القضية الفلسطينية في مقبرة الأمم المتحدة في أوسلو 1993 من بعد تعميدها بماء الصليبية المتصهينة في مدريد 1991 .. من بعد تعمق مناخ تلك الهزيمة في الشرق أضحت دعوة بورقيبة في أريحا 1965 ومن مفارقات أقدار الهزيمة الغلابة أن ذلك العام ذاته شهد ميلاد حركة فتح التي تعني في الحقيقة ( ح ت ف ولكن تطيرا بالحتف قلب الإسم فإنقلب المسمى من بعد ذلك على يد خادم الهيكلين المزعومين أبي عباس وأفعاه التي تربت في تونس (دحلان ) من بعد لجوء الشهيد المرحوم عرفات إليها فارا من جحيم صبرا و شاتيلا 1982 ) من بعد ذلك أضحت دعوة بورقيبة إستباقا سياسيا محمودا.
تلك هي نقطة البداية للسياسة الخارجية التونسية تحت سقف ما عرف في الإعلام السياسي بالواقعية السياسية أو الإعتدال من بعد ذلك في مقابلة للمقاومة العربية .. تلك هي نقطة البداية للسياسة الخارجية التونسية في أخطر ملف عربي وإسلامي : في أخطر ملف قومي مسؤول عن حماية الأمن القومي العربي. الأمر لا يتناسب مع تونس لا حجما ولا تراثا ولا قربا من منطقة المقاومة والإحتلال ولكنه يتناسب مع الراحل بورقيبة : „ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى “.. لا ليقول : يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ولكن ليقول : يا بني إسرائيل إن العرب يأتمرون بكم ليخرجوكم!!!
واقعية بورقيبية تونسية كان بكرها الأعمر : الباجي قائد السبسي
لا زلت إلى اليوم بل إلى سنوات أخرى ربما تلمس أثر المشروع البورقيبي. أثر يبرز كلما تدافعت فعاليات الإسلام إلى الإحتراب الثقافي مع الخصم البورقيبي العالماني التقليدي ذلك الخصم الذي لجأ إليه الشيوعيون طالبين اللجوء الثقافي والحضاري فمنحوه رغم أنه منعهم اللجوء السياسي بل إن كثيرا منهم بل ربما أكثرهم إنصافا للناس المخالفين حاول رفض مقايضة بورقيبة اللجوء الثقافي باللجوء السياسي. ليكتب التاريخ في دواويين التراث التونسي أن الإسلاميين وحدهم أجل. وحدهم في هذه بالتحديد والدقة لم يقدموا طلب اللجوء إلى إدارة بورقيبية الثقافية لا حضاريا وفكريا ولا سياسيا ولا أمنيا فكانوا ضحية السجن والقتل والتشريد على إمتداد أزيد من ثلاثة عقود متتالية إذ أن حرب المخلوع بن علي ضدهم هي إمتداد للحرب البورقيبية ضدهم بل أقسى وأشنع بسبب الإختلاف الجوهري للحاكمين.
إذا صادف أن قلت أو كتبت بأن الأثر البورقيبي في تونس ليس له نظير عربيا وإسلاميا إلا شيئا منه في تركيا ربما فما جانبت صوابا. هو أثر يلمسه من يعالج قضايا البلاد من منطلق سياسي وحزبي وثقافي وفكري وإجتماعي أما من قصر نفسه مع من : „ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا “ فمكانه قصاع الثريد وليس موائد الحوار.
ربى بورقيبة رجالا كثرا على مشروعه تربية لا تفترق حبة خردل عن تربية الشيخ الصوفي لمريديه. رجال كثر بدءا من المرحوم الباهي الأدغم والمرحوم محمد مزالي والمرحوم الهادي نويرة أي ممن توالى المسؤولية الأولى في حكومته فضلا عن رجال آخرين كثر ليس الباجي قائد السبسي سوى أحدهم وليهنأ باله فلن نبخل عليه بسؤال الرحمة إسوة بالمرحومين السابقين إلا أن يتوفانا سبحانه قبله ولسنا ندري عندها إن كان يضن علينا بسؤال الرحمة أم تنفغر بها شفتاه.
الباجي قائد السبسي إذن هو سليل المدرسة البورقيبية في أجلى مظاهرها “ واقعية سياسية وإعتدالا قوميا “ بالمعاني التي يتأسس عليها المشروع العربي الرسمي في مواجهة العدو الصهيوني. ولكنه الأعمر أي أكثر أولئك الرجال تعميرا. ولا شك أنه من أبكار بورقيبة الأوائل ممن ظل وفيا إلى جانب آخرين من مثل الطاهر بلخوجة إلى المدرسة الصوفية البورقيبية. أي الصوفية السياسية التي تحرم الإجتهاد وتجرم التجديد بل هي السلفية البورقيبية أو الأصولية الشرقية لولا خداع النعوت في زماننا.
ما يحمد لبعض أولئك أنهم من أنصار العالمانية الجزئية وليس العالمانية الشاملة وهو ما يفسر إلى حد ما سفورهم “ الواقعي الإعتدالي “ بل لعل التطويح بالقول بأن من أولئك رموزا يصلحون لأن يكونوا قنطرة وصل بين الإسلاميين والحديث عن الإسلاميين في تونس هو حديث عن ضرب واحد من الإسلاميين تقريبا بسبب أن الأغلبية المطلقة من إسلاميي تونس ينتمون إلى مدرسة الإعتدال الإسلامي الحديث والوسطية الفكرية والإصلاحية ولم تكن حادثة سليمان في ديسمبر 2006 سوى تدبيرا إستخباراتنا من المخلوع وزبانيته على الأرجح ولو بالصورة التي نسجت بها حبال كارثة 11 سبتمبر 2001 وبين أنصار العالمانية الشاملة بحسب تقسيم محمد عمارة .. لعل التطويح بمثل ذلك القول لا يثير حفيظة الإسلاميين الذين ترسخت قواعدهم على مطالب الوفاق والإجماع ونشدان ذلك بكل الوسائل والطرق مساهمة في تذليل عقبات الإلتقاء بين التونسيين بمختلف مشاربهم وألوانهم على كلمة سواء عنوانها الأعظم : الوطن للجميع وهو محل الولاء الأول وتحت ذينك السقفين تتدافع المشاريع التي لا يحرم عليها سوى محرمين إثنين لا ثالث لهما : شرعية الإسلام ليست للنظر والمراجعة والأمن والسلم ليسا للتهديد كذلك. على كل حال لن يكون ذلك تطويحا بعيدا وقد عاشت الثورة التونسية مرحلة كادت تجمع فيها على رجال وطنيين كبار من مثل : أحمد المستيري ومصطفى الفيلالي وكلاهما من رجال بورقيبة. أجل. مثل أولئك جميعا يمكن لهم أن يكونوا قنطرة إيجابية فاعلية تفرض التوازن إذ لن يقر قرار الإحتراب الثقافي من بعد محطة 23 أكتوبر وما كانت السياسة لوحدها يوما بله قوات الأمن والقمع أن تفرض الأمن والسلم في مناخ التعدد.
السبسي عندما لا يعترف بمشروعية الشارع وضغط الثورة
أنحى الرجل باللائمة على سلفه الغنوشي أحد أبرز كهنة المعبد الطرابلسي في تونس بسبب أنه رضخ لضغوط الشارع. ولكنه في الوقت ذاته يؤكد بقوة بأن الموعد الإنتخابي القادم أي 23 أكتوبر لن يحظى سوى بالإحترام. بما يوحي بأن رحيل الرجل بعد أدنى من شهرين هو الذي يدفعه إلى الإستخفاف بضغط الثورة المتواصل. الحقيقة أن الثورة التونسية إستدركت أمرها بسرعة في مناسبتين لجبر عجزها الإبتدائي عن الإطاحة بالحكومة التي خلفها المخلوع بالكلية. إستدركت الثورة التونسية أمرها في مناسبتين كبيرتين : أولهما مناسبة إعتصام القصبة الذي أكره أحد أزلام المخلوع الغنوشي على الرحيل وبذلك تجددت الثورة قبل فوات الأوان. وثاني المناسبتين كانت في عهد السبسي وذلك عندما تواصلت الإعتصامات والتحركات والإحتجاجات متفرقة متقطعة ولكنها مثابرة سيما على إمتداد الأسابيع السابقة لشهر رمضان المعظم وفي أثناء الشهر الكريم ذاته. الخلاصة من ذا هي أن ضغط الثورة هو السبب المباشر في تقديم عائلة المخلوع وأزلامه إلى المحاكمة وهي التي فرضت الموعد الإنتخابي ليوم 23 أكتوبر القابل وهي التي كانت وراء تنحية هذا الوزير العميل للمخلوع أو تعيين الآخر. كل من يتابع الوضع التونسي لا يمكنه أن يخطئ المشاركة الواسعة للفاعلين المثقفين من محامين وقضاة وإعلاميين وغيرهم وهو عنصر طمأنة يصل الكفاح الشعبي الأهلي بفعالياته المدنية. لولا ضغط الثورة لأستأسدت علينا لجنة الجندوبي الذي يشيد به السبسي حتى بعدما خذله في تغيير مصير الثورة مكرها تحت مطارق الإحتجاجات وإنسحابات متتالية حزبية ومستقلة من لجنة إبن عاشور الذي كان مصيره هو مصير الجندوبي. فشلت نداءات الإستفتاء على الدستور وفشلت محاولات دولة السبسي إبن عاشور الجندوبي لسن قوانين تحد من حركة المجلس الدستوري الوطني القادم. ولم يعد الخيار سوى خيار الثورة : إنتخابات 23 أكتوبر 2011.لا يعدو إذن تصريح السبسي سوى تصريح رجل مكره على مغادرة الحقيبة بما تيسر من ماء الوجه إعتبارا من مصير سلفه الغنوشي.
النقل المباشر للمحاكمات هو ثمرة أخرى من ثمرات الضغط
هي محاولة أخرى من السبسي ( أو قل دولة السبسي إبن عاشور الجندوبي ) لمغادرة الحقائب بشيء من ماء الوجه بعدما فرضت الثورة خيارها ولو على مراحل ثلاث : مرحلة إزاحة المخلوع بن علي ثم مرحلة إزاحة أحد أبرز أزلامه الغنوشي ثم فرض بعض الإصلاحات على حكومة السبسي ومنها : تأكيد موعد الإنتخابات والنقل المباشر للمحاكمات والتراجع عن بعض القوانين المقيدة لحرية المجلس الوطني التأسيسي القابل وغير ذلك.ومن ذلك كذلك كما يذكر التونسيون محاولات إعلامية كثيرة لإمتصاص الغضب الثوري من خلال ندوات صحفية وغيرها من مثل الندوة الأخيرة للطرهوني قائد مكافحة الإرهاب ومن قبل ذلك إظهار ثروات بن علي وعائلته وطغمته الحاكمة.
السبسي والنهضة
مطلوب من المتعاطفين مع الإسلاميين وليس من أعضاء حركة النهضة التونسية أنفسهم بسبب أن كل هؤلاء ترشدت فيما نعلم وما كنا للغيب حافظين نظرتهم السياسية ولم يكن ذلك إلا مأمولا من بعد لأي أربعة عقود كاملة من التجربة والخطإ والإصابة .. مطلوب من الإسلاميين الجدد ومن المتعاطفين مع الصحوة والحركة أن يلتزموا الرشاد وذلك من خلال حسن التمييز بين الناس الذين منهم العدو الأصيل للإسلام أصلا وليس لحركة النهضة فحسب أو مشروعها التحريري الجامع وعدد هؤلاء ربما لا يتجاوز بعض عشرات ومنهم المختلف مع الحركة أو مشروعها لأي سبب كان وهذا من حقه التواجد والتعبير والحركة المضادة للحركة ومنهم المنافس ومنهم الخصم ومنهم الحاسد والحاقد ومنهم كذلك الساذج البسيط الذي يحشر أنفه فيما لا يحسنه قبل أن يحسنه.. السبسي ليس عدوا للإسلام بكل المقاييس ولا يمكن حشره مع الإستئصالي اليساري... مثلا في عداوة الهوية العربية الإسلامية للبلاد. السبسي ليس صديقا للإسلام السياسي ولا للمشروع الإسلامي مهما كان معتدلا وسطيا. هو في منزلة بين منزلتين وقطاع آخر واسع أجل واسع عريض في المجتمع التونسي ممن لا يستبدلون الإسلام دينا بأي شيء آخر ولكن لأسباب كثيرة معقدة متشابكة وقديمة حديثة لا يتعاطفون لا مع المشروع السياسي الإسلامي السياسي تحديدا بسبب أن السياسي عينه على السلطة دوما ولا مع حركته ورموزه ورجاله ومؤسساته. من هؤلاء من يقاوم ومنهم من لا يقاوم. أغلب أولئك يقعون تحت وطأة التأثير الغربي الذي لا تجدي الموعظة للإنفكاك عنه أو التحرر منه. أسوأ أولئك من يتحزب لمقاومة المشروع الإسلامي. التمييز بين الناس مطلوب لحسن فقه الخارطة السياسية والحزبية والثقافية التونسية.
السبسي يخدم فكرة النهضة من حيث لا يشعر
لا يعني ذلك أن الرجل تافه أو بسيط. لا. بل هو محنك سياسي كبير. ناهيك أنه من مريدي بورقيبة وسليل مدرسته ودعك هنا من الإختلاف معه أو مع المدرسة البورقيبية. عندما صرح السبسي بأن النهضة لن تتجاوز العشرين بالمائة وفي كل الأحوال من أصوات الناخبين في المحطة القابلة ( 23 أكتوبر ) فإنه بذلك يخدم مشروع النهضة القائم على طمأنة الخصوم والمنافسين من الداخل والخارج سواء بسواء . الدليل على ذلك أنه إستدرك في الحوار ذاته وذلك عندما قال بأنه ليس من مصلحة النهضة الهيمنة على المجلس التأسيسي. كان في الجزء الأول يتكلم بلسان السبسي الخصم المنافس ولو من بوابة ثقافية بورقيبية ثم تحول لسانه إلى الحقل الوطني الذي يراعي مصلحة البلاد. أجل. ليس من مصلحة النهضة الهيمنة على المجلس التأسيسي ولا نظن سوى أن الحركة على أشد الوعي بذلك وهو وعي لم يكن سليل مذاكرات فكرية فحسب بل كان الدافع إليه بالأساس ما جرى يوم 2 أبريل 1989. أما نسبة الخمس فهي أمنية السبسي وليس له ولا لغيره أن يحدد ذلك ولكن الكلمة الأخيرة في ذلك هي للتونسيين فحسب.
لا نحتاج إلى فسيفساء واهية ضعيفة يا سيد سبسي
صرح السبسي بأن اللون الفسيفسائي هو المرجح أن يغلب على المجلس الوطني التأسيسي المقبل.نحتاج وفاء للثورة إلى فسيفساء من حيث تعدد الألوان الفكرية والسياسية ولكن لا نحتاج إلى فسيفساء من حيث توازي تلك الألوان كما إذ المحصلة من ذلك هي : مجلس وطني تأسيسي ضعيف يكون هو نفسه حلبة للتدافع بمثل ما هي الساحة الحزبية والسياسية اليوم في البلاد. لا نحتاج إلى حشو المجلس الوطني التأسيسي في علبة تدافعية أخرى. نحتاج إلى طرف قوي في ذلك المجلس : قوي بعدده وعدته الفكرية والسياسية وأنصاره من الشعب وهو الطرف الذي يكون قطب التحالفات. ليكن ذلك الطرف يساريا شيوعيا عالمانيا إذا أراد الشعب ذلك ولكن أخطر صورة لما بعد 23 أكتوبر هي صورة مجلس تقتضي منه فسيفساؤه المائعة أن يكون مالكا لا حاكما. نحن نريده حاكما لا مالكا. المالك هو الشعب بإذن منه سبحانه فهو مالك كل شيء ومليكه. أما الحاكم فهو ذلك المجلس المنتخب إلى حين إنتخابات أخرى رئاسية وتشريعية وبلدية. هنا تبدو إشارة السبسي ضعيفة هزيلة ليس فيها روح الوطنية من شيء.
ما هو المطلوب من 23 أكتوبر 2011 على وجه التحديد
1 إستكمال ثورة 14 جانفي (يناير) 2011 إستكمالا قمينا بتأسيس دولة جديدة.
2 إنقاذ البلاد من التجاذبات السياسية والحزبية والأمنية تغذيها بعض الأوضاع المجاورة.
3 تسلم الشعب لأمانة الثورة والبلاد عبر من يستأمن أي المجلس الوطني التأسيسي.
4 البداية الجادة في إرساء الهوية الجديدة للبلاد : العروبة والإسلام ثقافيا والديمقراطية سياسيا والعدالة الإجتماعية إقتصاديا والإنتماء القومي إنتصارا للوحدة العربية والإسلامية والمساهمة في تحرير فلسطين من خلال تعديل موازين القوى عربيا ودوليا.
5 وضع سقف للحريات الفكرية والسياسية إسمه : الإسلام سقف المجتمع الأعلى والعروبة لغة التونسيين الرسمية والأولى والمسؤولية الوطنية أمانة تحميها الدولة بالتكافل مع المجتمع والديمقراطية شريك أصيل لا سقف يعلو سقفه عندما يختلف الناس. شريك أصيل لا يلغي الإختلاف ولكنه ينظم الإختلاف ليكون تعددا إيجابيا ثرا.
6 بناء علاقات حسن الجوار والتعاون مع المحيط الإقليمي سيما مع المحيط الشرقي المحرر أي ليبيا ومصر.
سؤال كل تونسي هو : هل تكون الإنتخابات حقا نزيهة ديمقراطية؟
أجل. هو سؤال يعتلج في فؤاد كل تونسي وتونسية. هو سؤال طبيعي صحيح يعكس الحب والغيرة ولا يعكس الريبة أو مجرد الخصومة. هو سؤال بالنتيجة إيجابي. الحقيقة أن الإنتخابات بدأت مزيفة ومباضع التزييف متواصلة على قدم وساق حتى عشية 23 أكتوبر. أول مباضع التزييف هو سن قانون يحرم صاحب أكثر الأصوات من أن يكون صاحب أكثر المقاعد. تلك هي أول طعنة من طعنات دولة السبسي إبن عاشور الجندوبي في خاصرة الديمقراطية المرقوبة. ثاني مباضع التزييف هي إنحياز الإعلام التونسي الفضائي في أغلبه إلى اليسار الشيوعي والعالماني. ثالث مباضع التزييف هي محاولات الجندوبي تنصيب رجاله في مراكز الإقتراع. رابع مباضع التزييف هي حملات التخويف من حركة النهضة ومشروعها وهو تخويف يلتقي فيه التجمعيون مع اليسار والعالمانيون مع الليبراليين والدور الغربي مع أذياله في تونس.
هو تزييف مقنع بكلمة واحدة مختصرة. هو تزييف يستبعد طريقة المخلوع ولكنه تزييف لإرادة الشعب في كل الأحوال والعبرة بالنتيجة والأمل الوحيد بعد الله تعالى هو تواصل النفس الثوري التونسي قبل 23 أكتوبر ويوم 23 أكتوبر وبعد 23 أكتوبر لمنع أكثر ما يمكن من التزييف أي للحد من الكارثة وليس لتلافيها بالكلية.
رضى النهضة بذلك أو صمتها عنه إذا لم تكن به راضية لا يعد سوى حسن معالجة للتوازنات وإستفادة من دروس سابقة فإذا تحول الأمر إلى الرضى بالتزييف الذي يذهب لها بثلث أصواتها أو دون ذلك بقليل أو أكثر منه فإنها لن تكتب في التاريخ سوى راضية بالتزييف حتى لو كانت مكرهة عليه.
على النهضة أن لا تغفل يوما عن حق التونسيين الذين يصوتون لها ولمشروعها ولا عن فريضة الدفاع من لدنها عن ذلك الحق. لقد بينت تجارب جزائرية وتونسية قريبة بأن الغفلة عن ذلك الحق هو حق للشعب وهو فريضة للحركة التي ينتخبها شعب بالأغلبية يكرس السلبية ويعمق جفو السياسة والإهتمام بالشأن الحيوي العام ويدفع إلى اليأس من السياسة والسياسيين حتى لو كانوا أتقى تقاة الأرض.
لن تكون الإنتخابات إذن نزيهة ديمقراطية سوى بنسبة 50 في المائة تقريبا وكل نسبة أكبر من تلك النسبة هي زيادة خير وبركة. ولكن ذلك لا يدفع التونسي والتونسية إلى الإستقالة أو السلبية بل يدفع إلى الإيجابية ومواصلة النفس الثوري وعيا بأن الديمقراطية دونها عقبات حتى بعد الثورة بل إن عقباتها من بعد الثورة أكثر وأحد. ذلك أن الثورة مسار وليست نقطة.
ليكن وداع السبسي وداعا مشرفا لائقا
إنحياز الرجل في كل مرة إلى موعد 23 أكتوبر حسنة من حسناته دون أدنى ريب.
إستخفافه بضغط الشارع هو ماء يحتاجه لوجهه قبل الوداع وليس موقفا يصمد في وجه الثورة.
تعاطفه مع بوتفليقة الذي تحدى الأرض كلها بإيوائه لعائلة المخلوع القذافي هو تعاطف قد ينسف كسب الرجل أي السبسي نسفا بالكلية دون أن يعدم التصريح وجها وطنيا يريد منه الرجل تحييد الجهة الجزائرية عن مشاغبة الثورة التونسية ولكن كان بإمكانه الحديث عن الشعب الجزائري وليس تحديدا عن شخص بوتفليقة الذي قد تستهدفه ثورة تعجل برحيله إلى جانب إخوانه العرب في المشرق والمغرب.
السبسي هو من يقرر لنفسه وداعا مشرفا لائقا أو وداعا مخزيا راهقا
على السبسي أن يدرك أن زمن الواقعية السياسية أو الإعتدال العربي الذي يضيع الحقوق في القضية الأم للأمة الأم .. ذاك زمن قد ولى .. عليه أن يدرك أن الشمس التي أشرقت هناك عام 1987 لتمحو ظلام الواقعية السياسية العربية حطت بضحاها يوم 14 يناير 2011 في تونس لتكر على خيام الإعتدال العربي خيمة من بعد خيمة. عليه أن يدرك أن الشمس التي تشرق لن تغيب حتى ينفذ شعاعها إلى كل الأرض فإذا غربت أشرقت من جديد في يوم جديد وبأشعة جديدة.
عليه أن يدرك أن الواقعية السياسية العربية حطمتها القوى التالية : حماس الفلسطينية عام 1987 ثم تركيا عام 2002 ثم تونس عام 2011 ودبابة التحطيم للإعتدال العربي المضيع للحقوق تسير إلى الأمام دوما وخزانها مملوء وقودا.
الحوار.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.