ما يضمن نزاهة وشفافية أي انتخابات في أي مكان في العالم، هو الدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني، ليس في لعب أدوار سياسية، أو حشد الناخبين، وإنما في مراقبة ومتابعة كل إجراءات العملية الانتخابية، بحيث تصبح نائباً عن المواطنين، تراقب، وتتابع، وتسجل، وترصد التفاصيل كافة، تفضح المزورين، وتكون بمثابة ضمير للأمة فتحاسب معنويا ما لم تستطع القوانين الحالية حسابه. هذه الرقابة الشعبية للانتخابات لم تكن في يوم من الأيام أمرا مألوفا في المشهد الانتخابي التونسي والعربي عموما، لا قبل الثورات.. ولا بعدها، حتي أننا لم نشهد في تاريخنا انتخابات توفرت فيها الظروف الملائمة لمؤسسات المجتمع المدني لأداء هذا الدور، ودأبت حكومات ما قبل الثورة علي التأثير علي أصوات الناخبين، عبر تزوير مباشر لعمليات الاقتراع، أو إجراءات غير مباشرة لتعطيل العملية الانتخابية، والتأثير في المجتمع....أما الدور الوحيد الذي لعبته مكونات المجتمع المدني التقليدية هو المشاركة في الدعاية للحزب الواحد والزعيم الاوحد... اما اليوم وفي أول انتخابات بعد الثورة تتقدم جمعيات كثيرة وشبكات متعددة تبشرنا بأنها ستشارك وستراقب ولن تترك مجالا للسلطة ولا لأي طرف بتزوير إرادة الشعب وسوف تفتك دورها الرقابي وتفرض حقها كمؤسسات تنوب عن المواطن في ضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها. حضور الجمعيات ...آمال اكبر في الانتخابات الجمعيات الحقوقية، الجمعيات النسائية الائتلافات والشبكات الجمعياتية، الجمعيات الشبابية الوطنية والمحلية وغيرها كثير...تبحث جميعها عن سبل لمشاركة في حملات التوعية والتثقيف للمواطنين لممارسة حقهم في الانتخاب وتؤكد لهم أنها سوف تتصدى لأي محاولة لتزوير إرادتهم فهل سيزيد ذلك من ثقتنا ويدعم آمالنا في الموعد الانتخابي القادم؟ وماذا عن شبهات التمويل الخارجي لهذه الجمعيات ؟ وما يدور حول برامجها من موالاة لهذا الطرف السياسي او لغيره؟ ظلت مشكلة منظمات المجتمع المدني عند مشاركتها في أعمال رقابة ومتابعة الانتخابات هي التمويل الأجنبي أو الحزبي الذي تتلقاه، خاصة في فترة لا نزال حديثي عهد بالاستبداد والدكتاتورية حيث ترسخ لدينا التلاعب بأصوات الناس وإرادتهم بشتى وسائل التزوير والترهيب، كما أن رقابة منظمات المجتمع المدني للانتخابات لم تكن بعيدة عن المخططات الخارجية لمستقبل بلداننا العربية عامة ولتونس بالتحديد التي تعتبرها فرنسا امتدادا لها ولديها بين ظهرانينا مواطئ كثيرة واصدقاء أكثر، وسواء أدركت المنظمات هذا الوضع أو لم تدركه، فإن بعضها قد تلقى عشرات الملايين من الدولارات، بعضها لم يتوجه أصلا للمشروعات المتعلقة بمتابعة الانتخابات، وإقناع المواطنين بالتسجيل في القائمات والمشاركة في الانتخابات. مع كل ذلك تونس اليوم علي أبواب انتخابات مصيرية، تشهد ترحيباً كبيراً بدور المجتمع المدني، ومنظماته في الرقابة الشعبية علي الانتخابات، ولو لعبت هذه المنظمات دورها بشكل إيجابي وحيادي هذه المرة فسيكون لها دور كبير في تغيير شكل الممارسة السياسية في تونس للأبد. فمؤسسات المجتمع المدني هي المدخل الأقرب للرقابة الشعبية على الانتخابات و علي سبيل المثال ليس بالضرورة أن نجد قاضيا علي كل صندوق انتخابي، أو مستشاراً كبيراً يترأس كل لجنة عامة، أو غيرها من أوجه الإشراف القضائي المتعددة علي الانتخابات، لأن الديمقراطية الحقيقية تعني حكم الشعب للشعب، والانتخابات العامة هي أهم وسيلة اتفق عليها البشر لترجمة رغبات الناس في شكل الحكم.. ومن يتولاه، ومن يقوم بالرقابة على هذه الانتخابات. وحتي تكتمل التجربة الديمقراطية في بلادنا اليوم، وتخرج من مرحلة وصاية أي مؤسسات أو جهات عليها فلا بد أن يكون الشعب هو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة.. ويكون المجتمع المدني إحدي الأدوات الشعبية المهمة لتحقيق هذه الإرادة. بهذا المعنى تزداد ثقة الناس بالانتخابات القادمة يوم 23 اكتوبر وكلما ازداد حضور المجتمع المدني كثافة وفاعلية كلما تدعمت ثقتنا في مستقبل العملية السياسية في تونس وقطع الطريق على من يخططون للانقلاب على نتائج الانتخابات أو التشويش عليها.