حمد دخيسي حدثنا ربيع الزمان في قرة الأوطان وروضة الغاضبين قال: كان في روضتنا حاكم عظيم الشأن، كثير الجاه، وفير المال، مجبول الطبع على السلطة من الآباء والأجداد. الكل في روضتنا يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، فالحلال ما أحل والحرام ما حرم. كان حاكمنا المبجل يحب الخريف كثيرا، وكان يعشق الأريكة التي يجلس عليها ويتشبث بها تشبث الأعمى بعكازه حتى أنه يفضل أن يهلك دونها. دام الخريف طويلا سنينا عجافا على روضتنا حتى أهلك الحرث والنسل إلى أن دقت الساعة 25 للحاكم مبشرة بزحف الربيع على روضتنا التي أنهكها الخريف. ومن لطائف الأقدار أن الروضات المجاورة أيضا تزينت بدماء أبنائها لاستقبال الربيع. ثار سكان الروضات وعبروا عن سخطهم الشديد فإذا بالحكام يصرخون: حرام عليكم يا أولادي، حب الأوطان من الإيمان. الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. لكن سكان الروضة الغاضبين هللوا بقدوم الربيع. قالوا لحاكمهم: أيها الحاكم، إنه الربيع آت لا عاصم لك منه فارحل عنا وخريفك. ارحل فما بكت عليك سماء ولا أرض ولا روضة. لم يصدق الحاكم بعد ما يجري، قال للسكان الغاضبين: من أنتم؟ لا تحشروا أنفكم بيني وبين روضتي. لكنه ذهل كثيرا عندما أتته عيونه المنتشرة في كل مكان بأنباء يقينة حول الحكام المجاورين، منهم من هرب طريدا ومنهم من عزل ذليلا ومنهم من قتل شريدا جردا والحبل على الجرار. صرخ الحاكم المفجوع: يا أولادي، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا تتخذوا أحدا غيري حاكما وسأحميكم من المندسين والإرهابيين. لكن السكان الغاضبين أبوا إلا أن يتخلصوا منه: لقد سئمنا عطاياك ومنك علينا، صنعت منا قطيعا لا يعرف سوى السمع والطاعة لحاكم البلاد والعباد. اليوم انتهت حكاياتك الشهرزادية التي تبيع لنا الأمل المزيف واللهث وراء السراب. ما أجمل خريفك وهو يعانق ربيعنا ويودعه وداعا أبديا. لقد بلغ فينا الغضب ما بلغ أثر خريفك على روضتنا، فقط ارحل ولا تجعل رحيلك المحتوم باهظا عليك وعلينا. رغم كل ما فعلته بنا وبروضتنا فأنت محظوظ جدا لأنك ظلمت شعبا كريما يحب الإحسان أكثر مما تحب أريكتك التي من أجلها تبرر كل ما تفعله بنا. عندها حاول الحاكم استمالة السكان الغاضبين بوعود معسولة: يا أولادي، فهمت جيدا قصدكم وتفهمت مقصدكم. ألا يكفيكم أني سأسحب شرطة الأحلام من أحلامكم؟ فاحلموا بما شئتم. لم أكن أنوي البقاء في حكم الروضة إلى الأبد لكنكم باغتموني قبل المرض والموت. أنا سليل نسب شريف وحسب عريق وتاريخ مجيد وانجاز تليد. وكلني الله ضمائركم أمانة في عنقي وإني أخشى عليكم يا أولادي أن تزل أقدامكم بعد ثبوتها بين الأمم. لم يكن لهذا الترغيب أثر يذكر على قناعة السكان الغاضبين، بل ازدادوا تصميما للتخلص منه. ولما يئس منهم خلص إلى بطانته نجيا فنفخوا فيه تجبر الحكام: أتحاور هذه الجرذان الحقيرة وأنت على إهلاكهم قادر؟ خرج عليهم الحاكم ليريهم سطوة الحكام بالعبيد: إذا تماديتم في غيكم وضلالكم، سأجعل باطن الأرض خيرا لكم من ظهرها وسأخوض في دمائكم حتى الركبتين. لكن إيمان السكان بالتغيير أوثق من أن تنال منه كلمات حاكم مذعور: أقتل من شئت وعدد ما شئت فإن الشعب أبقى من حاكمه، وأقطف ما شئت من الأزهار فإن ذلك لن يمنع الربيع أن يعانق روضتنا.