سويسرا قبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من طرح عدة تساؤلات منها : 1 هل قامت الحركة في الداخل بوضع الجالية التونسية عموما و الجمعيات التابعة لها خصوصا على علم بحقيقة ما يدور في كواليس السياسيين حتى تتمكن بعد ذلك من الاستئناس بآراء من تستشيرهم ؟ 2 كيف يستطيع الانسان ان يقدم تحليلا موضوعيا لوضع اجتماعي او سياسي هو في واقع الامر مغيب عنه او لا يحيط علما بحقيقة ما يدور ؟ 3 ما هي جدوى تقديم هذه الآراء إذا كنا في السابق قد قدمنا رأيا بل آراء ثم لم يقع حتى مجرد الاطلاع عليها من طرف المسؤولين 4 في سويسرا خاصة: كيف يمكن للإخوة في سويسرا ان يقدموا رأيا و هم يرون جليا ان الحركة بالداخل قد همّشتهم تهميشا مسيئا لهم للغاية؟ و رغم هذه النقائص يمكننا ان نقدم أفكارا قد تكون صحيحة نتيجة الاطلاعات الخاصة التي يقوم بها كل الاخوة بوسائلهم الخاصة في سويسرا أ ) الوضع الداخلي لم يكن التونسيون في وقت من الاوقات مسؤولين عما يدور في بلادهم بل كانوا عبر التاريخ تابعين لتيارات فكرية و سياسية عالمية تبثها أجهزة دولية لخدمة مصالح اجنبية و لهذا شاهدنا طيلة الفترات التاريخية تجاوبا داخليا نخبويا مع الاحداث العالمية مثل أحداث ماي 1968 او احداث دخول القوات السوفياتية الى مدينة براغ 21 أوت 1968 ثم بعد ذلك التجربة الاستراكية لاحمد بن صالح تأثرا بانتشار الفكر الاشتراكي خاصة في الجزائر مع هواري بومدين وتحويل حتى اسم "الحرب الحر الدستوري التونسي " الى " الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي " ولعل المرحلة الراهنة هي احسن مثال على هذه التبعية و عدم صناعة الاحداث بقطع النظر عن احداث الثورة الاخيرة و فعالية القوى الاجنبية فيها ( انظر مثلا تصريحات فيدال كاسترو حول الثورات العربية عموما ) ومن هنا يمكن اعتبار ان ما يحدث في تونس حاليا من تجاذبات سياسية لا علاقة للشعب التونسي بها ولا فائدة له يجنيها منها سوى تأخير النمو حقبات أخرى او المزايدة على مطالب الشهداء و الجرحى و المطرودين تعسفيا من مهنهم لكن الفئة المعارضة للإسلاميين في تونس قد نجحت في تسليط سيف ديمقريطس على الثلاثي الحاكم و هذا السيف يتمثل في التخويف من تكرار التجربة المصرية في تونس وهو في الواقع أوهام زرعتها فئة المعارضة في اذهان بقية السياسيين و خاصة منهم حركة النهضة حتى يسهل الاستجابة الى المطلب الرئيسي المتمثل في التسلط على الدولة و تلافي كل ما من شأنه ان يحدث من محاسبات فردية و جماعية للمتسببين في تدهور الوضع في تونس طيلة الحكم العسكري لبن علي و التجمع لأن الفئة المعارضة تؤمن أشدّ الإيمان بأن لا مستقبل لها في البلاد بعد الانتخابات القادمة و كل المراقبين الدوليين يعرفون هذا جيّدا .هذه المعارضة السياسية الهزيلة التي يسندها الإعلام في الداخل و الخارج(انظراستجواب فرانسوا بورقات الذي يشجع النهضة على تسليم الحكم و يعتبر ان ذلك ليس فيه فشل للاسلام السياسي) : http://tempsreel.nouvelobs.com/monde/20131029.OBS3037/tunisie-le-retrait-d-ennahda-n-est-pas-un-echec-de-l-islam-politique.html جعلت من تونس بلاد جحيم باتم معنى الكلمة ونشرت صورة مغالطة للواقع و مخالفة له تماما و القصد منها الزج بقوى أجنبية ودفعها للتدخل حماية لمصالحها إن الخطر الحقيقي لا يأتي من المعارضة السياسية فهي اشبه بكرتونات تحركها قوى اجنبية و انما كل الخطر يأتي من الوضع الامني الذي تستغله بعض الجهات الامنية في وزارة الداخلية حتى تبث الفوضى و تسهّل عملية استرجاع نفوذها في البلاد وبقطع النظر هل ان القاعدة هي التي تقف خلف الاغتيالات والقتل عن طريق القنص و محاولات الكاميكاز الاخيرة التي جرت في كل من سوسة و المنستير يوم 30 اكتوبر مستهدفة نزلا في سوسة و مقبرة آل بورقيبة في المنستير بقطع النظر عن ذلك فان الوضع الامني الراهن لا يقف وراءه سوى بقايا الشيوعيين في وزارة الداخلية و المتنفذين من التجمعيين الذي مازالوا يحافظون على موقغهم داخل اجهزة الدولة ان عملية التطهير الشامل لم تعرفها الثورة التونسية في أول ايامها و كلما تأخرت هذه العملية كلما اقترب التجمع من العودة الى سدة الحكم ولو عن الصناديق و اشتراء الضمائر ب ) موقع الحوار الوطني في كل هذه الاوضاع المعارضة: ليست عملية الحوار الوطني سوى ذر الرماد على العيون و تهدف المعارضة من ورائها للاستيلاء على جهاز الدولة و من ثم سن كل القوانين الممكنة ابتداء بتعطيل الهياكل المنتخبة شرعيا و كل ما نتج عنها يصبح ملغيا ايضا تماما مثلما فعل اصحاب الانقلاب في مصرفالعملية بالنسبة إليهم هي تعطيل المسار الطبيعي للثورة التونسية و تحويل وجهتها من " تحقيق الثورة الوطنية " إلى " إجراء اصلاحات جزئية" فهي اذن سعي لتحويل المضمون الثوري الى مضمون إصلاحي لا يغير شيئا من تبعية البلاد فمن الطبيعي ,والحال هذه, ان يتلاقى اليسار التونسي مع الرأسمالية العالمية و يجتمع رمزهم(حمه الهمامي ) مع السفير الامريكي جاكوب والس صباح يوم 27 أوت 2013 في مقر حزب العمال و أن لا يقع نشر اية كلمة عن محتوى اللقاء ما عدى بعض التصرحات التي تهدف من ناحية الى تبرير مثل هذه اللقاءات و بالتالي التمهيد لغيرها مع بقية القوى الامبريالية و من ناحية أخرى ملء الفراغ الإعلامي عن هذه الزيارة و إلهاء المتابعين للشأن العام عن طرح سؤال حول موضوع اللقاء حركة النهضة و الائتلاف الحاكم إنّ حركة النهضة لا تمتلك القوة الكافية لتجعلها تتحكم في مسار هذا الحوار و لهذا وجدناها مصطربة في تصاريح قياداتها التي لا تلتزم بما يقع الاتفاق عليه فتهمل الجزئيات و تركز أساسا على الهدف المرجو و نعني به الوصول الى " الاتفاق على الدستور و تحديد موعد الانتخابات القادمة " و هي اهداف اذا تحققت تعطي للحركة انطلاقة جديدة و تمكنها من قوة السلطة و المعارضة تعرف ذلك جيّدا و من هنا كانت كل المواقف و التحركات التي تقوم بها هادفة الى تعطيل هذا المسار أما بقية الاطراف المتحالفة مع الحركة فانما هي إما إنتهازية بدرجة أولى مثل التكل و رئيسه الذي لم يدخر طاقة في تقديم قرابين لإرضاء المعارضة المسنودة من الخارج و تقديم نفسه على انه البديل المناسب في تونس و الشخصية الفذة التي تقود البلاد طمعا في منصب الرئاسة و لو لا هذا الطمع ما تحالف مع الحركة اطلاقا بقية الأطياف أول هذه الاطياف القوية و التي تشكل خطرا على البلاد عموما و على التجربة الاسلامية خصوصا هو التيار السلفي و ذلك لعدة اسباب منها ان هذا التيار ليس له زعامات محنكة وذات خبرة سياسية تمكنها من إدراك كل الشراك الذي قد ينصب لها في الطريق و قياداتها الفعلية كلها تقريبا نشأت في ساحة المواجهة المسلحة خارج البلاد في افغانستان او في النيجر و مالي ... و لهذا فهي فاقدة للامرين الاساسيين اللذين يجب ان يتوفرا في القائد المسلم و نعني بذلك التكوين الفقهي في حالة السلم و التفاعل الايجابي مع مجريات الاحداث اليومية ان القيادات السلفية تطبق فقه الحرب على حالة السلم في تونس و لذلك وصل بها الامر الى القتل بل و حتى الى العمليات الانتحارية , إن صحت انها هي المسؤولة الرسمية عن عمليتي سوسة و المنستير بتاريخ 30 اكتوبر 2013 وان بقايا النظام البائد في وزارة الداخلية ليست هي المسؤولة عن هذه التمثيلية و عن سواها من عمليات استخلاص عام ليس هناك من بين القوى السياسية في تونس من يمكن اعتباره أمينا على الثورة سوى الاسلاميين لما لهم من وزن ثقافي و شعبي و لما لهم من تاريخ يضمن حسن النية و الاخلاص للمسار و ما سوى ذلك فهو إما مغامر أفاق دخل المعركة لاهداف شخصية و إما عميل واضح العمالة مسنود بقوى استعمارية ان اللحظة التاريخية أمانة في عنق كل اسلامي ان تخاذل او تخلف عن اتخاذ القرار الصحيح او اخطأ في تقدير المصلحة فالنتائج السلبية ستعود ليس على تونس فحسب و ليس على حركة النهضة وحدها و إنما على كل المسار الوطني الثوري العربي و الاسلامي الذي , لا قدّر الله, سيشهد انتكاسة لا مثيل لها في التاريخ نتائجها أثقل من نتائج الخروج من الاندلس حرّر في بارن بتاريخ 01.11.2013