يرى ملاحظون أن شعبية حركة «النهضة» تراجعت بشكل ملحوظ وأنّ هذا التراجع أصبح واضحا للعيان ولا يمكن إنكاره خاصة بعدما أشارت إلى ذلك نتائج عمليات سبر للآراء واستطلاعات الرأي. تدنّي شعبية «النهضة» لدى أنصارها وناخبيها فسّره البعض بفشل الحركة في تحقيق مطالب الثورة وخاصة ثالوث «التشغيل مقاومة الفقر والحرية» وعدم إيفائها بوعودها التي قطعتها أثناء حملتها الانتخابية إضافة إلى بروز مشاكل أخرى تعتبر من المستجدات في حياة التونسيين كالانفلات الأمني والعنف السلفي وانقطاع الماء والكهرباء وارتفاع الأسعار بصفة قياسية وغير مسبوقة. ويرى البعض الآخر أنّ صورة «النهضة» لم تهتزّ فقط في الداخل وأن شعبيتها تدنت في الخارج كذلك سيما بعد أحداث السفارة الأمريكية وعجزها كحزب حاكم على حماية مصالح دولة غربية قدمت لها الدعم السياسي والمادي وراهنت على إسلامها المعتدل وعدم تبنّيها للعنف. وقد اعترف رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي بذلك وقدّم تفسيرات للظاهرة. «التونسية» طرحت الموضوع على وجوه من الساحة السياسية وحصلت على إجابات: قال الجيلاني الهمامي عضو القيادة الوطنية لحزب العمال إنّ تراجع شعبية «النهضة» كان متوقعا لأن وعودها بتحقيق مطالب الشعب لم تكن سوى وعود واهية وضحك على ذقون العباد، وأضاف الجيلاني الهمامي إنّ التونسيين تعاطفوا مع «النهضة» في البداية وانجرّوا وراءها أملا في تحسين ظروفهم الاجتماعية وحلّ مشاكل الفقر والتشغيل والتنمية إلاّ أنّ ما حصل هو نقيض ذلك فقد تعقدت أوضاع التونسيين أكثر وبرزت إشكاليات جديدة لم يتعوّدها المواطن كالانفلات الأمني وتزايد العنف السلفي وقطع الماء والكهرباء. وأشار عضو «حزب العمال» إلى أنّ التونسي اليوم أصبح لا يشعر بالأمان على روحه وعرضه وقوته وأنه حتى جانب الحريات لم يتحقّق منه سوى مكاسب هشّة ملاحظا أنّ الحريات في تونس أصبحت مُحاصرة ومُهدّدة ويقع التضييق عليها بصفة مرحلية ولعل آخرها حادثة «الفتاة المغتصبة». وقال الجيلاني الهمّامي إنه لكل هذه الأسباب من الطبيعي أن تتراجع شعبية «النهضة». أما عن اهتزاز صورة «النهضة» في الخارج بعد أحداث السفارة الأمريكية فقال الجيلاني الهمامي إنّ الحركة سوّقت الإسلام المعتدل لاستدرار عطف ودعم أمريكا سياسيا ولوجستيا وماليا ولكن الواقع خيّب آمالها ممّا نتج عنه حالة امتعاض وخوف أمريكي من فشل «النهضة» في رعاية مصالحها. وأضاف عضو حزب العمال أنّ أمريكا اليوم باتت تعتقد أنّ «النهضة» ليست البديل الأمثل للحكم في تونس لأنّ تهديد مصالح الغرب هو نتيجة رعاية «النهضة» للعنف وأنّه لو كانت «النهضة» قادرة على بسط الأمن لمّا وقع الاعتداء على سفارة أمريكا. وختم الهمامي قوله بأنّ جسور الثقة اهتزت بين «النهضة» والشعب التونسي وبين «النهضة» وأمريكا ولذلك فإنّ استمرار «النهضة» كحزب حاكم يحتكر السلطة هو افتراض صعب جدّا إن لم يكن مستحيلا.. أمّا محمد البراهمي رئيس «حركة الشعب» فقال إنّ سبب تراجع شعبية «النهضة» ليس فقط بسبب أحداث السفارة الأمريكية بل هو لإخفاقها التام في تصريف الشأن العام بوصفها حزبا حاكما له الأغلبية في حكومة «الترويكا». وأضاف محمد البراهمي إنّ وجه «النهضة» الحقيقي انكشف أمام جميع التونسيين خاصة الذين خُدِعُوا فيها واغترّوا بها كحزب متحدّث باسم الدين ملاحظا أنّ «النهضة» مرّت من الحديث عن الدين إلى إغراق البلاد في الدّين وورّطت البلاد في الديون الخارجية والفوضى والعجز التام. وأشار محمد البراهمي إلى أنّ برنامج «النهضة» السياسي غير موجه أصلا لخدمة الشعب وتحقيق أهداف الثورة لأنه مشروع سلطة واستيلاء على مواقع الدولة المفصلية وليس مشروع دولة. وأكّد البراهمي أنّ قادة «النهضة» يتبجّحون بأنّها أكفأ وأنزهُ حكومة في تاريخ تونس ولكن الواقع أثبت أنها لا تمتلك لا الكفاءة ولا النزاهة ملاحظا أنّ كل التعيينات التي قامت بها «النهضة» ابتداء بخطّة العُمد وصولا إلى أعلى المراتب العُليا في الدولة تُوكّد انعدام النزاهة والكفاءة معا. وأضاف رئيس «حركة الشعب» أنّ تراجع شعبية «النهضة» هو في الحقيقة عودة إلى حجمها الحقيقي والطبيعي الذي لا يتجاوز 10 أو٪15 من درجة شعبيتها وكل ما زاد عن ذلك هو نتيجة المال السياسي الفاسد والتضليل الدعائي الممارس في المساجد ودور العبادة وتوظيف وتوجيه الإعلام ونتيجة مساعدة أمريكا غير المحدودة عَبْر يدها أو أداتها المفضوحة قطر. وعن اعتراف وإقرار الغنوشي بتراجع شعبية الحركة لدى أنصارها و«مُريديها» قال محمد البراهمي أنّها محاولة لاسترداد الأنفاس وطمأنة أنصاره وتحريضهم على إعادة المسك بزمام الأمور وزمام المبادرة لإعادة ترتيب أولوياتهم وأوراقهم. أما محمد الكيلاني (الحزب الاشتراكي اليساري) فقال إنّ أداء حركة «النهضة» ضعيف جدا ومُخيّب للآمال وأنّه أداء رجالات سلطة لا رجالات دولة لأنّه لا هدف ولا غاية لرجالات «النهضة» سوى التموقع بكلّ ما أوتوا من جُهد في مفاصل الدولة الحيوية. أمّا خدمة قضايا الشعب وتحقيق مطالب الثورة فلا تخطر على بالهم حسب تعبيره. وأضاف الكيلاني أن الشعب فقد ثقته في الحركة وبات يراها «خائنة لأهداف الثورة» لذلك انقلب عليها وبات لا يشعر بالثقة تجاهها. ملاحظا أنّ فقدان الثقة في «النهضة» هو فقدان كلّي داخليا وخارجيا مشيرا إلى أنّه إضافة إلى غضب داخلي وهُروب جماعي من الحركة هناك امتعاض كبير من الحليف الأمريكي بعد الاعتداء على سفارته مشيرا إلى أنّ الأمريكان لن يقبلوا أبدا الاعتداء على رمزيّة من رمزياتهم أو ما يُهدّد مصالحهم مهما كانت درجة الودّ بينهم وبين حلفائهم، وأضاف محمد الكيلاني أنّه سيحصل تحوّل في العلاقات النهضوية الأمريكية بعد أحداث السفارة ولذلك فإنّه على «النهضة» مُراجعة حساباتها خاصة في ملف الأمن والعنف السلفي، وتساءل في هذا الصدد «هل يُعقل ألاّ تستطيع «النهضة» لَجْم السلفيين وهي من يُمسك أو يمثّل وزارة الداخلية؟!! مؤكدا أنّ هذا الفشل مردّه أنّ السلفية الجهادية هي امتداد طبيعي لحركة «النهضة» و«النهضة» هي قيادة هذا الامتداد ولديهما هدف واحد هو بناء دولة إسلامية وأنّ هذا لن يُعجب أمريكا التي ستُراجع أجندتها. واستغرب محمد الكيلاني من تفسير قادة «النهضة» لمُجريات الأمور بأنّها مؤامرة وتأليب على الحركة سواء من الداخل أو من الخارج ملاحظا أنّ فشل «النهضة» كحزب حاكم في إدارة الشأن العام دائما ما يُفسّر ب«نظرية المؤامرة» من قبل قادتها؟؟!! من جانبه قال محسن مرزوق قيادي بحركة «نداء تونس» إنّ النهضويين صعدوا إلى الحكم تحت شعارات مُعيّنة أهمّها: «إعادة الاعتبار للدين ولكن بعد إمساكهم بالسلطة لم ير التونسيون شيئا مشيرا إلى أنّ المساجد صارت ساحة للتناحر المذهبي والفتاوى بهدر الدماء والدعاية السياسية والانتخابية ونشر الفتنة وغيرها. وأضاف محسن مرزوق أنّ الوضع الاقتصادي بدوره صار سيئا وتدهور بصفة ملحوظة إضافة إلى الوضع الاجتماعي المتردّي والذي بسببه اندلعت الانتفاضة الشعبية وحدثت الثورة وأن لا شيء تحقّق من مطالب الثورة ومطالب الشعب وأنّ البطالة باقية بل ازدادت وكذلك الفقر والتهميش في الجهات الداخلية. وأكّد مرزوق أنّ «النهضة» فشلت أيضا سياسيا ملاحظا أنّ المسار الديمقراطي متوقف تماما «بل صار الاختلاف في الرأي مدعاة للعنف واستعمال عصابات إرهابية لتهديد المنافسين والاعتداء عليهم» مشيرا إلى أنّه لأجل كل هذه الأسباب من الطبيعي أن تتراجع شعبية «النهضة» قائلا إنّ وضع البلاد في الوقت الحالي يؤكد أنّ الشعب التونسي في أتعس حالاته «فهذه الفترة تُذكّر بحالة تونس في عهد الوزير «خزندار» وما عرفته من إفلاس تام في جميع الميادين». وأضاف محسن مرزوق أنّ بعض رجالات «النهضة» يفتقدون للكفاءة اللازمة لإدارة شؤون الدولة وقال إنّ المستوى الأدنى لهؤلاء يقتصر على الحكمة والبصيرة والمواعظ الدينية وأنّ عليهم مُراجعة سياستهم وإعادة النظر في حساباتهم عوض التبجّح بأنّ الحكومة مُنتخبة وشرعية في حين أنّها حُكومة مكلّفة لا منتخبة من قبل المجلس التأسيسي المنتخب من الشعب على حدّ قوله. وأنْهَى محسن مرزوق كلامه بالتساؤل: «كيف يتصوّر النهضويون ألاّ تتدنّى شعبيتهم وأن يثق فيهم الشعب ولديهم كل هذه التركة؟». أمّا الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري فقال: «إنّ من يزرع يحصد» وأضاف أنّ حركة «النهضة» أخذها الغرور بعيدا بتخيّلها أنها قادرة على فعل كل ما تريد دون الاكتراث بالغيْر حتى ولو كانوا سُفراء دول أجنبية بحجم الولاياتالمتحدة مشيرا إلى أنّ الاعتداء على مصالح السفارة الأمريكية ستكون له عواقب وخيمة على تونس وتتحمّل «النهضة» مسؤوليتها الكاملة في ذلك ملاحظا أنّ هذه العواقب بدأت تلوح في الأفق.. فمؤخرا حوّلت أمريكا وبعض الدول الغربية مشاريع استثمار ومساعدات كانت ستُقدّم إلى تونس إلى دول أخرى بسبب تزايد حدة العنف والانفلات الأمني إضافة إلى فضيحة وكارثة اغتصاب فتاة تونسية من قبل عوني أمن ثم تحويلها إلى متهمة. وأشار الصادق بلعيد إلى أنّ هذه الحادثة حطّمت صورة تونس خارجيا قائلا: «حماة العرض يعتدون على العرض» وهذه كارثة بل مهزلة». وشدّد الصادق بلعيد إلى أنّ حركة «النهضة« لم تعمل ولا تعمل ولن تعمل أبدا على إنجاز أهداف الثورة بل إنّ ما يهمّها فقط هو تحقيق مشروعها الخاص وخدمة أجندتها وكل هذا بات مكشوفا لعموم الشعب التونسي الذي فقد ثقته فيها وانقلب عليها ولذلك فمن الطبيعي أن تنزل شعبيتها إلى الحضيض حسب تعبيره. نورالدين العرباوي عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» أقرّ بأنّ هناك تراجعا في شعبية الحركة بسبب مشاكل الحكم لا بسبب أحداث السفارة الأمريكية، وأضاف نورالدين العرباوي أنّ كل حزب معرّض لتراجع شعبيته عند الوصول إلى الحكم لأنّه في هذه الحالة يكون مطالبا بتحقيق كل التزاماته وتفعيل كل الشعارات التي رفعها في حملته الانتخابية. وأضاف عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» إنّ تأخّر «النهضة» في تحقيق مطالب الثورة لا يعني التراجع عن هذه المطالب.