مفردات فقدت بسلوكنا قيمتها، فصارت مدلِّسة على النّاس مقرقعة فضفاضة جوفاء، أتوقف عند بعضها، زاعما أنّي لن آتي على كلّها: الكرامة الوطنيّة: أيّ كرامة تتحدّثون عنها وقد خنستم تحت القاذورات - التي أرادها لكم "الوطنيون" من نقابيين "شرفاء" و"مناضلين سياسيين" - تشتمّون روائحها الكريهة وتتصاغرون أمام سطوتها على البعوض المتيّم بكثرتها وأمام جرأتها على جلب الخنازير الطوّافة عليكم دون رغبة منكم!... أيّ كرامة و"المبدعون" يبدعون في التلاعب بأعراضكم وفي مراقصة حتّى "متحجّباتكم" وتقبيلهنّ على الهواء دون هوى!... أيّ كرامة وقد بتّم حديث كلّ مصدوم من آثار حريّة نالتكم دون أن تنالوا منها ما يرقّيكم ويحفّزكم على الفعل والإضافة في دنيا الإيجابيّة والمنفعة!... أيّ كرامة وقد بتّم متيّمين بالقعود وأكل المال الحرام، وقد بتّم أسرى الدرهم والدّينار وزهدتّم في أعزّ ما يميّزكم حتّى استهل صاحب "عندي ما انقلّكم" الولوج إلى غرف نومكم حيث كشف عوراتكم بل وولج إلى دهاليز سترها الله عليكم فأبيتم كشف ستره بأنوار تشهركم في دنيا الرّذيلة واللامعروف!... الرّموز الوطنيّة: أيّ رموز وقد بات العلم التونسي سترة عورات المومسات يتّخذنه لعرض أجسادهنّ في سوق القذارة واللاقيمة!... أيّ رموز وقد جعلتم من رئيسكم طرطورا - حسب تعبيركم - لا يحسن ما صنعه فيكم قاتِلُكم وقاتل قيمكم ومروءتكم!... أيّ رموز وقد جهّلتم الحكيم وأبرزتم الوضيع!... أيّ رموز وقد ذبحتم هُويّتكم وتطاولتم على موروثكم وحاربتم ربّكم عزّ وجلّ!... أيّ رموز وقد صيّرتم المجتمع سفهاء لا يفقهون معنى الرّمز ولا يحترمون له مقاما ولا يتوقّفون باتّجاهه عند حدود!... الوحدة الوطنيّة: أيّ وحدة وطنيّة بل أيّ وطنيّة وقد حاربتم الوطنيين وجعلتم الوطنيّة حكرا على "الوطنيين"!... أيّ وحدة وقد أقصيتم وحاصرتم وهمّشتم وحاربتم وجوه المجتمع!... أيّ وحدة وقد عملتم على القضاء على كلّ ما يوحّد وما كان قد وحّد: لغتنا وديننا وتقاليدنا وعلاقاتنا الاجتماعيّة وأعرافنا وأخلاقنا الطيّبة!... أيّ وحدة وقد استكبرتم وتعاليتم واستهزأتم واستندتّم إلى عدوّ بلدكم!... أيّ وحدة وقد بتّم لا تشجّعون على الاقتراب منكم لكثرة ما فاح منكم من نتن وما رشح منكم من شرّ وما ظهر منكم من بغضاء حاطمة!... التونسي للتونسي رحمة: أيّ رحمة تونسي للتونسي وقد أكل التونسي بالتونسي الخبز الأسود المغموس في الرّذائل، استغلّ ظروفه السياسيّة فتمعّش منه بالتقارير المخابراتيّة المغشوشة (القوادة)!... أيّ رحمة تونسي للتونسي وهو لا يهتمّ لهمّه ولا يغتمّ لغمّه ولا يفرح لفرحه ولا يأمره بمعروف ولا ينهاه عن منكر!... أيّ رحمة تونسي للتونسي وهو لا يؤازره ولا يسانده ولا يناصحه ولا يصاحبه بل ولا يسير حتّى في جنازته لمنعه هو من السير في جنازته!... أيّ رحمة تونسي للتونسي وهو إذا حدّث كذّبه وإذا عمل قاومه وإذا حكم بالباطل سانده وإذا حكم بالحقّ عارضه وإذا ظلمه تعبّده وطاوعه وإذا أنصفه تمرّد عليه واستنقصه!... المصلحة الوطنيّة: أيّ مصلحة وطنيّة والعصابات تعربد في الوطن!... أيّ مصلحة وطنيّة والشذوذ والأمراض والمخدّرات والشحنات المشبوهة تتكاثر وتعمّ!... أيّ مصلحة وطنيّة والوطنيون يؤخّرون والكفاءات يُتَجاهلون والطاقات تنكمش والمروءة تبتئس وحبّ الوطن يدلّس والخوف على الوطن يُغشّ والعمل للوطن يُفشل والانحياز للوطن يمسي عدم حياد والحياد يصبح ضربا من قهر العباد!... أيّ مصلحة وطنيّة والوطن قد تنافسه غير أبنائه وغلب على أبنائه تسليمهم لغير أبنائه من الخونة "الوطنيين" و"الإعلاميين" وهيآت "المجتمع المدني" ورابطات "حقوق الإنسان" و"المحلّلين السياسيين" و"المتخصّصين" وحتّى "الاجتماعيين"!...
إنّه لا بدّ من الجلوس للتقييم من إجل إصلاح هذه المفردات الضروريّة لقيام أيّ مجتمع ينشد أن يكون عضوا من الأمّة أو يكون لوحد أمّة، وإلّا فإنّي لن أحترم مفردات مغشوشة طالما ظللت على وجه الأرض ولن أخلص الصحبة لمن قبل بما نحن فيه من التردّي حتّى يرث الله الأرض!...