لم تتطلب معرفة هوية مفجر وزارة الدفاع اليمينة يوم الخميس الموافق للخامس من ديسمبر من سنة ألفين وثلاثة عشر جهدا كبيرا، إذ جزم عديد المراقبين بأن القاعدة وراء العملية قبل أن تتبناها هذه الأخيرة في اليوم الموالي. هذا الأسلوب في اقتحام المقرات الأمنية المعادية معتمد من طرف تنظيم القاعدة سواء في مناطق القتال المحتلة مباشرة من دول أجنبية أو في صراعه الداخلي مع الأنظمة العربية في الجزائر والمملكة السعودية واليمن. فعلى سبيل المثال ومنذ قرابة الشهرين، اقتحمت عناصر من تنظيم القاعدة مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية في "المكلا" في اليمن بطريقة مشابهة نوعا ما لطريقة اقتحام وزارة الدفاع. هل حصلت القاعدة على دعم لوجستي؟ تعتبر عملية اقتحام وزارة الدفاع اليمنية نقلة نوعية في الصراع الذي تخوضه القاعدة مع الدولة اليمنية، وطعنة حادة وصلت لقلب المؤسسة العسكرية التي يحتل جيشها المرتبة الخامسة عربيا والثالثة والأربعون دوليا حسب موقع globalfirepowerالعسكري. أهمية الهدف الذي قام تنظيم القاعدة بضربه، وعدد الضحايا الذين سقطوا بين قتيل وجريح، إضافة لقلة عدد المهاجمين الذي قدرته بعض المصادر باثني عشر مقاتلا، دفع بعض المراقبين لعدم استبعاد تمتع القاعدة بدعم بعض الأطراف من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، خاصة وأن السيارات المستعملة في الهجوم تجاوزت كل الحواجز الأمنية المحيطة بمجمع وزارة الداخلية دون مشاكل، قبل أن تصل لهدفها. بل ذهب بعض المحللين لاعتبار الهجوم على مجمع وزارة الدفاع محاولة إنقلابية فاشلة تحمل بصمات على عبد الله صالح الذي تم استبعاد شخصه دون استبعاد نظامه كما يزعم مناوئوه.
طائرات الموت أصبحت الطائرات بدون طيار تمثل أحد عناصر القوة الضاربة للولايات المتحدة في حربها على الجماعات الجهادية في باكستان، وأفغانستان واليمن، حيث تقصف الطائرات الأمريكية بدون طيار ما لذّ لها وطاب من الأهداف بتنسيق مع السلطات المحلية أو لنقل بدون معارضة تذكر من طرفها، الشئ الذي زاد في إشعال فتيل العداوة بين هذه الجماعات الجهادية من جهة وبين الولاياتالمتحدة والأنظمة التابعة لها من جهة أخرى. في بيانها الذي نشرته، على غير العادة، عبر تويتر بررت القاعدة هجومها على مجمع وزارة الدفاع بأنه يأتي في سياق استهدافها لمراكز التحكم بالطائرات الأمريكية بدون طيار التي تستهدف المسلمين في اليمن، والتي توجد حسب الرواية التي قدمها تنظيم القاعدة في نفس المبنى الذي يضم المستشفى الذي وقع الهجوم عليه وتصفية من بداخله.
إن ما يهم الدارس لفكر الحركات الجهادية في المقام الأول مدى اتساق عملياتها مع الشريعة التي تزعم الذود عن حياضها، ناهيك عن مراقبة انعكاسات هذه العمليات على الواقع الإسلامي المحلي والدولي. "أمريكا تتذرع بكم، وأنتم تتذرعون بأمريكا..." يعتبر الشيخ أبو بصير الطرطوسي أحد أبرز منظري التيار السلفي الجهادي، ومن أهم من يؤبه بنقده لهذا التيار، إذ يتمتع بمصداقية لا تسمح لمخالفيه أن يرموه بالتهم الجاهزة من قبيل "عالم السلطان"، فالشيخ أبو بصير ممن فر بدينه من سوريا وتنقل بين عديد الدول قبل أن يستقر به الأمر في بريطانيا. وقد نفر الشيخ أبو بصير لسوريا للمشاركة في رحى الجهاد الدائر هناك. يتميز الشيخ أبو بصير بكونه أحد المنظرين الجهاديين الذين قاموا بمراجعات فكرية مثلت محاولات لترشيد العمل الجهادي. إذ سبق له مثلا التنديد بتفجيرات لندن والعديد من التفجيرات التي وقعت ولا تزال بالعراق، كما سبق له وأن انتقد الصراع بين الجماعات الجهادية في العراقوسوريا وحظيت قاعدة اليمن بجزء هام من انتقاداته أو بالأحرى من نصحه، إذ وجه رسالة لقاعدة اليمن بتاريخ 10 مارس 2012 بعنوان "إلى الأخوة أنصار الشريعة في اليمن" عاب فيها عليهم استهدافهم للجنود اليمنيين وتوسعهم في سفك الدماء بحجة الجهاد ضد أمريكا وكان فيما قال "أمريكا تقول أنتم .. وأنتم تقولون أمريكا .. أمريكا تتذرع بكم، وأنتم تتذرعون بأمريكا .. بينما ضحايا أمريكا وقصفها الجبان عن بعد، وضحاياكم هو الشعب اليمني المسلم" [1] وفي نفس الرسالة طرح الشيخ أبو بصير سؤالا هاما على أنصار الشريعة في اليمن:" أي استراتيجية هذه التي تسلكونها وتتبعونها .. وقد مضى عليها أكثر من عشر سنوات .. فلم تثمر إلا قتلاً وتقتيلاً لكثير من الأنفس البريئة والمعصومة .. ألم يأن لكم أن تراجعوها وأنفسكم .. وأن تُجروا عملية تقييم جريئة وصادقة لمكامن الحسنات .. ومكامن السيئات .. في تلك الاستراتيجية؟" انتهى كلامه. تزداد مشروعية هذا التساؤل مع تواصل اتباع قاعدة اليمن لنفس الاستراتيجية المتمثلة في استهداف الجنود اليمنيين بوصفهم "جنود الطاغوت" وحري بكل العاملين في الحقل الجهادي أن يتسائلوا عن جدوى مثل هذه العمليات: هل حققت هذه العمليات دولة الخلافة المنشودة ؟ هل أزاحت الأنظمة الجاثمة على صدور المسلمين؟ هل أخرجت الجيوش الغربية من البلاد المسلمة؟ هل ساهمت في نشر دعوة الكتب والسنة بفهم سلف الأمة؟ على التنظيمات الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة التوقف عن اعتبار نفسها فوق النقد، واعتبار كل منتقد لها إنما هو منتقد لشعيرة الجهاد، وواقف في صف الأنظمة الاستبدادية التي تحكم بغير ما أنزل الله. الشعب اليمني المسحوق لن ينتفع باقتحام وزارة الداخلية وتصفية العشرات من الجنود ومن الطاقم الطبي للمستشفى. هذا الهجوم الجديد إنما أضاف أعداد جديدة من النساء والأطفال لصفوف الأرامل والأيتام في اليمن ، ناهيك عن إعطائه مبررات إضافية للتدخل الأمريكي في اليمن وفي المنطقة. من الإنصاف الاعتراف بأن مقاتلي القاعدة أبلوا البلاء الحسن في جهادهم ضد القوى الغازية في الجبهات المحتلة مثل أفغانستانوالعراقوسوريا، إلا أن عمليات القاعدة داخل الدول العربية لم تجلب سوى الدمار والخراب للشعوب المنكوبة أصلا. أعداء القاعدة قبل أنصارها يقرون لها بحسن إدارة فنون الحرب في جبهات القتال، ولكن ماذا لو استطاع تنظيم القاعدة ازاحة الأنظمة العربية وتم التمكين له في الأرض؟ هل سينجح في معركة البناء كما نجح في معركة الهدم؟ هل توجد أصلا عند تنظيم القاعدة استراتيجية بديلة يلبي بواسطتها الاحتياجات المشروعة للشعوب العربية من تغذية وتعليم وتشغيل وخدمات اجتماعية وملبس ومسكن...؟
http://www.abubaseer.bizland.com [1]/
ماهر بن عبد الملك العباسي إعلامي تونسي مقيم بالدوحة