أن يدعو بعض اليسار،وفيهم قريبون من "الجبهة الشعبية"، إلى التصويت الناجع، بمعنى التصويت لفائدة حزب "نداء تونس"، فهذا معناه أنهم يختارون، وفي راحة من أمرهم، أن يكونوا مجرد ذيول. ولمن؟ لبقايا منظومة الاستبداد والفساد التي قامت ضدها الثورة، وكأنهم يعبّرون بتصويتهم "الناجع" عن تنكرهم لتاريخهم هم -فضلا عن تاريخ غيرهم- في مكافحتها، بل ويعلنون من طرف واحد عن صفحهم على جلادي الأمس القريب. وهكذا يلتحقون في الأخير بمن سبقهم من بعض اليسار إلى التحالف مع نفس المنظومة في مطلع التسعينات، أو حتى بمن خف من اليسار -البرجوازي- لإعادتها بتعلة البحث عن التوازن إلى الساحة السياسية، بعد أن أطردت منها شر طردة خلال الثورة، وحيث نسوا لكن لن ننسى من شعاراتها المجيدة "يسقط جلاد الشعب، يسقط حزب الدستور" أو "خبز وماء، والتجمع لا"... صحيح أن الدعوة إلى التصويت الناجع قد تكون وليدة استشعار الهزيمة في الانتخابات التشريعية،وبالتالي فإن التصويت لحزب "نداء تونس" يكون بمثابة البحث عن شعور مخالف لشعور المهزومين. لكن الحقيقة أن الفرح مع التجمعيين بفوزهم، لا يكون إلا فرحا خاويا ومؤقتا ومزيفا أيضا، بقدر ما هو فرح للآخرين أو بالأحرى للفاسدين، وهذا الشعورلا يمكنه في أقصى الحالات أن يعطي غير شحنة تكاد لا تفي باستهلاك يوم أو يومين.ولكنه وهذا الأهم يخلف مشاعر بالعجز والإحباط والمرارة قد لا تنقشع من سماء أصحابها قبل مرور جيل أو جيلين آخرين منهم. بمعنى أن الخشية أن تفقد بلادنا صوت اليسار، إلى أمد قد لا يكون قريبا. مع الأسف. كذلك أن يصوت اليسار لفائدة حزب ليبرالي معلن، وله تجربة في دفع البلاد على طريق التبعية الاقتصادية ويراهن عليه الكمبرادور وكل الذين كونوا ثرواتهم في ظل المنظومة القديمة الفاسدة، فمعناه موت الإيديولوجيا والسياسة معا، فضلا عن عجز أدوات التحليل القديمة في قراءة وتفسير السلوك الانتخابي عندنا. وهنا فإن هذا اليسار المتذيل لليمين يسقط أخلاقيا أمام الذات أولا، وهذا ليس بالشيء الهين أبدا، وكذلك أمام الناخبين الذين طالما حاول أن يقنعهم بأنه ضد وصايا وتوجيهات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، فإذا به يصوت لمن يحرصون على تطبيقها بحذافيرها. وحينئذ هل سيجد الشجاعة الكافية ليقف أمامهم غدا ويعيد خطابات قد تجاوزها في الممارسة. بطبيعة الحال، في السياسة يمكن للبعض أن يبرر كل المواقف الممكنة مهما تطرفت، لكن مهما تكن المبررات،فإن التصويت الناجع، إن ذهب إلى غير الجهة التي يجب أن يذهب إليها، فهو لا صلة له بالمبدئية ولا بالثورية ولا بالراديكالية، ولا يمكن أن نتصور خلوّه من الانتهازية أو أنه سيمر بدون أن تكون له تداعيات أو ارتدادات فكرية وسياسية عميقة. مثل لم أقرأه من قبل: من المؤسف أن يتنكر المرء لماضيه، ويشطب مستقبله في نفس الوقت. محمد ضيف الله 23 أكتوبر 2014