- قالها صاحبي بزفرة تبعث على اليأس وأردفها بقوله هل سمعت ما يدور في الكواليس هذه الأيام ؟ - أجبته بلغة الباحث عن الحقيقة و المتشوف إليها . - عن أية كواليس تتحدث يا زميلي ؟ …… فالكواليس كما نعلم هذه الأيام كثيرة ومجالاتها عديدة ومتعددة. وماذا تقصد بهذه الكواليس ؟ …… فهل تقصد كواليس السيّاسة والسيّاسيين؟ أم تقصد كواليس الاقتصاد والاقتصاديين؟ فأجابني و هو مستغرب لحالي وأنا الذي لا تفوتني في الغالب الأعم أخبار الكواليس - أنا أقصد كواليس المالية و ماحولها . - وماذا يدور فيها هذه الأيام ؟ - ألم تسمع ما يحاك لنا نحن المحاسبين في الكواليس من خطط لإقصائنا و لتهميشنا - وضّح قصدك جيّدا و أفصح يا صاحبي، فأنا إلى حدّ السّاعة لم أفهمك، ولم أفهم منك شيئا . مال برأسه إلى اليسار وشد على يدي بقوّة وهو يقول بصوت عال بعض الشيء - أتذكر يا زميلي ماجرى لنا نحن المحاسبين في سنة 2002 إبّان صدور ذلك القانون السيئ الذّكر الذي يقال عنه المنظم لمهنة المحاسبين ؟ وأردف يقول : كنّا ننتظر بفارغ الصّبر تنظيم المهنة بما يحفظ كرامة المحاسب من التّهميش، و يخلّص المهنة من الدّخلاء و المتطفّلين، واستبشرنا به خيرا، و لكن للأسف لم يتحقّق لا هذا و لا ذاك، فكرامة المحاسب صارت مداسه تحت الأقدام، يكفي أن نعلم أنّ وزارة الماليّة شريكتنا الرئيسيّة في المجمع لا تعترف لنا بحقّ تمثيل حرفانا لدى مصالحها إلا بتوكيل خاص، شأننا في ذلك شأن عامّة النّاس ومجمعنا عمره يوشك على بلوغ الخامسة عشرة سنة . ثم شبك أصابع يديه بحركة قوية ، كأنّه يشير إلى ضعف وحدة المحاسبين وضعف قوّتهم، وتمادى يقول قبل أن أقاطعه : لقد جاء قانون 2002 المنظم للمهنة - في زعمهم - ليقسّم المحاسبين إلى قسمين في جدولين اثنين جدول المحاسبين ويشمل القدامى منهم ممّن يملكون تجربة العمل، و تنقصهم شهائد الاختصاص - والذنب ليس بذنبهم فشهائد الاختصاص ظهرت حديثا، و التّكوين وفتح الأفاق الذي تحدّث عنه قانون 2002 بقي حبرا على ورق، ولم يجد طريقه إلى النّور، وبقي بدون تفعيل- و جدول المختصين في المحاسبة ويشمل أصحاب شهائد الاختصاص من حاملي الشّهادات المعترف بها في اختصاص المحاسبة وصار عندنا جدولين في هيكل واحد ليس لهما نفس المهامّ فأهل الخبرة حيل بينهم و بين ممارسة مهمة المراجعة المحاسبية في حين أنّ القانون القديم المنظم لهذه المهمة كان يسمح لهم بذلك ، وقد دعا الكثيرون من المحاسبين إلى إعادة النّظر في هذا القانون بما يصلح هذه النقائص، و يفتح لهم آفاق العمل والارتقاء، و لكن دون جدوى وبقي الحال على ما هو عليه، فنضب بذلك معين موردهم الوحيد، وصار الكثيرون منهم في عداد الفقراء والمساكين، لا يقدرون على خلاص كراء مكاتبهم، وحتّى خلاص التزاماتهم السنوية تجاه المجمع، بله إعالة من في كفالتهم من الأولاد . - فقاطعته بقولي : هذا في القديم يا صاحبي فماذا عن الجديد؟ وما ذا عن أخبار الكواليس يا حضرة الزميل ؟ - الجديد أن جماعة الحلّ و العقد في الكواليس اتّفقت كعادتها على تهميش دور المحاسبين، وإرجاعهم إلى حلقة الصفر، بعيدا عن كلّ القوانين والهياكل المنظّمة لمهنتهم، رغم ما يعتريها من ضعف و نقصان، وهم يراهنون في ذلك على شقّ وحدة صفّهم، و إدخال البلبلة في صفوفهم، و زعزعة استقرارهم، و المراهنة على عدم تمكينهم من إعادة النّظر في قانونهم الأساسي، و انجاز مشروع يوحّد جميع المحاسبين و المختصين في المحاسبة، و يطوّر مكاسبهم التي اقتلعوها كل هذه السنين بشقائهم و تعبهم، وقد عملوا لتحقيق هذه الأهداف على عامل الزمن فعملوا هم على مراجعة قانونهم، وحاولوا تبييض وجوههم من جرائم العهد البائد، مستعينين في كلّ ذلك بمواخير الفساد والإفساد، ظنّا منهم أنّ ذلك سيعيدهم إلى مربّع العزّ و الأبّهة الزائفة من جديد، ليلعبوا دورا بهلوانيا جديدا و لكن هيهات هيهات … فحبل الباطل قصير - ولكن يا صديقي مسالة الإدماج بين الهيئتين صارت حقيقة و واقعا تمليها علينا ظروف داخليّة وخارجيّة، وان لم نأخذ بها فسنكون خارج اللعبة، و نكون على هامش الأحداث، والانكفاء على الذّات في عالم اليوم – عالم العولمة – غير ممكن، فالانفتاح اليوم هو السمة البارزة لعالمنا، و تطوير قدراتنا و معارفنا أكثر فأكثر هما الكفيلان بنجاحنا، و تقدمنا على الصعيد السياسي و الاقتصادي، وكسب رهان التنمية المستدامة . و استرسلت في الكلام : - فمسألة الاندماج مسألة ضرورية ولا يمكن لأحدنا أن يرفضها كفكرة، و هنا تطرح شروط هذا الاندماج ؟ وماذا تقتضيه المصلحة الوطنية و مصلحة الأطراف الراغبة في هذا الاندماج، وبلورة تصوّر يراعي هذه المصالح جميعا، وبالتالي لا يشتكي الرّاعي و لا يجوع الذئب . - وفي الأوّل و الأخير سيكون القرار لغالبيّة المحاسبين للحسم في مشروع الاندماج بكلّ ايجابياته و سلبياته و اكراهاته. يتدخل صاحبي ليقطع كلامي قائلا بنبرة يغلب عليها التشاؤم و الحيرة - وهل تظن أنّ هذه القاعدة الأغلبيّة التّي تتكلّم عنها واعيّة بما يدور حولها من تحديات و مشاكل؟ فقاطعته بأخر الكلام . - فهذه ساعة الجد والحدث هامّ و مصيري، وما على المحاسبين إلاّ أن يأخذوا المسألة بجدّ، ويلتفّوا حول هيئتهم، و يعملوا بكلّ ما واتوا من جهد لترشيدها و دعمها ، حتى تأخذ القرارات الصائبة في هذه الفترة الحرجة