لمّا قامت النّهضة ببعض التّعيينات في فترة حكمها، وكانت تحاول بذلك أن تزرع أشخاصا أكفّاء ونزهاء في الإدارة التّونسية ليغيّروا العقلية البالية السّائدة فيها ويدفعوها نحو النّجاعة والشّفافية وخدمة الشّعب عوض خدمة جماعة معيّنة كما كانت من قبل، تألّبت عليها كلّ الأطراف من كلّ الجهات، ولفّقت لها التّهم، ولاكتْ الأفواه أعراض رجال شرفاء خدموا البلاد وأرادوا إنقاذها ، واتّهم مسؤولون في النّهضة بشراء دور و قصورعلى آثار دور وقصور التّجمّع والطّرابلسية.. وبمجرّد خروجها من الحكم بدأت عمليات العزل والحفر على تلك التّعيينات وقلعها من أماكنها لتتواصل الحالة على ما كانت عليه أو أكثر.. وعادت بالخصوص الرّشوة تضرب في أعماق الإدارة لتهين المجتمع وتهمّشه وتجعله يعيش تحت براثن المحسوبية.. الرّشوة أصبحتْ تُطلبُ جهارا نهارا اليوم في زمن ما يُسمّى بالثّورة، وهذا موضوعي في هذه التّدوينة... "نجيبة" فتاة في ريعان الشّباب صاحبة شهادة عليا راسلتني منذ أيّام.. قالت إنّها تقدّمت إلى مناظرة في وزاراة الشّؤون الإجتماعية ولمّا أعلن عن النّتائج وجدت إسمها يتصدّر القائمة ولم تكن تشكّ لحظة واحدة في قدرتها على النّجاح في تلك المناظرة، وفرحتْ بقرب الخلاص وبقيت تنتظر تعيينها، وبعد مدّة من الإنتظار ذهبت تستطلع الأمر فوجدت أنّ إسمها قد أزيل من قائمة النّاجحين ومُحِيَ بممحاة عجيبة، وبما أن الآنسة والّتي هي أصيلةسيدي بوزيد قد احتفظت بنسخة من قائمة النّاجحين الّتي ظهر فيها إسمها في البداية وقبل أن يمسّها التّزييف، ذهبت تطالب بوظيفتها الّتي قُبِلتْ فيها قال لها أحد المسؤولين "مَشّي وادخلي إخدمي".. وأترجمها لمن لا يفهمون لهجتنا: "إدفعي إذا أردت التّعيين في وظيفتك".. ثمّ باختصار شديد نصحتها محامية صديقة لها قائلة إذا فتحت فمك بأقل احتجاج أو تبرّم أو تشكّي فعليك أن تنسي فكرة التّقدّم مرّة أخرى إلى مناظرة... إذن ليجني الشّعب التّونسي ثمرة المنظومة القديمة البالية الّتي أعادها إلينا ونصّبها فوق فوق أعناقنا، منظومة الرّشوة والمحسوبية الّتي طالت حتّى أعلى مناصب الدّولة ليتغيّر اتّجاه مسار البلاد بعد ثورتها.. تلك العصابة الّتي ما كانت لتحلم بأن يُسمَح لها حتّى بشرب الماء في هذه البلاد بعد أن عاثوا فيها فسادا في زمن غير بعيد... ........