بعد أن فشل الانقلاب في تركيا عسكريا وأمنيا فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح ويُجاب عنه بحنكة وعقلانية: كيف يمكن أن يفشل الإنقلاب سياسيا؟ في العادة عندما يفشل انقلاب عسكري تنحصر المسألة في إلقاء القبض على المجموعة المحدودة من العسكريين والسياسيين الذين خططوا له ومحاكمتهم ثم تستمر الحياة بشكلها الطبيعي. في الحالة التركية الجهة المتهمة بالانقلاب ليست مجموعة عسكرية أو أمنية بل هي حركة اجتماعية لها بصماتها الخاصة في المجتمع التركي ولها حضورها الاجتماعي والاقتصادي المميّز. لا شك أن أهل تركيا أعلم بشعاب بلادهم ولا أعتقد أنهم في حاجة لنصائحنا ولكن قد تطغى حالة الغضب من شدة البأس وحالة الفرح الناتج عن الفرج على العقول فتجنح النفس إلى الانتقام خضوعا لانفعالات اللحظة الراهنة وتنسى المستقبل والمآلات وتقع في أخطاء يصعب تفادي نتائجها. من الأخطاء التي يجب تجنبها: 1/ عدم تعميم التهمة على حركة خدمة والاختصار فقط على العناصر المتورطة في الانقلاب، في عدالة الإنسان، يُحاسب المرء على أفعاله لا على نياته فالله يتولّى السرائر. 2/ عدم اللجوء إلى إعادة تشريع حكم الإعدام بالمناسبة ، خاصة وأن حكم الإعدام في القضايا السياسية بما في ذلك تهمة التآمر على الدولة، ليس هو الحل الأنجع فضلا عن عدم مناسبته لمثل هذه القضايا. الدم يفتح الباب للدم ويقطع الطريق أمام أية إمكانية للمصالحة. الحديث هنا عن حكم الإعدام له علاقة بملابسات المسألة التركية أما حكم الإعدام مطلقا وخاصة في الجرائم الاجتماعية، مثل قتل الأطفال وغيرها من الجرائم البشعة فهو سبيل من سبل الحد منها. 3/ عدم التضييق على الحريات لأن الدفاع عن الديمقراطية بالقضاء على عمودها الفقري المتمثل في حرية التعبير تكون نتيجته نجاح الانقلاب بالمآلات وليس بواقع الحال. 4/ بغض النظر عن موقف بعض الدول من الانقلاب، فإن ما يجب أن يحكم السياسة الخارجية التركية هي مصالحها المتشعبة كما يجب أن تحكمه مقتضيات حماية مشروعها التنموي والحضاري. في بعض الأحيان إدارة الانتصار أكثر صعوبة من إدارة الهزيمة، لأن العقول التي دبّرت للانقلاب لن تتوقف عن إعادة المحاولة بأشكال أخرى فيجب ألاّتُعطى أي منفذ من المنافذ