كتب الأمين البوعزيزي تدوينة لمن أسماهم بالإسلامجيين و هذا تعليقي: الأخ لمين دام قلمك! أنا لا أعرفك شخصيا و لكني أجد نفسي في الكثير من كتاباتك ... ربما لأن هناك تشابه في نشأتينا و في تفتح أعيننا على الظلم مبكّرا و إيماننا العميق بمواجهته عن طريق رفع الوعي و العلم و العمل ... أو ربما لأنك بنظرتك الإجتماعية الإقتحامية في غير ما تكلّف تجعل كلامك يصل إلى قلوب الكثيرين في هذا الفضاء الشاسع و أنا أحدهم. غير أني وجدت في تدوينتك هذه نهجا آخر لم أعهده فيك من قبل! ليس لأنك انتقدت من أسميتهم أنت "بالإسلامجيين" فربما هم أول من يحتاج النقد و التصويب و لكن أسلوبك هنا الذي غاب عنه توازنك المعهود البعيد عن الغوغائية السياسية أوحى إلي بكتابة هذه الأسطر التي ربما لن تعجبك و لكن الله أسأل أن تفتح أمام عينيك مجالا أرحب لتقبّل الرأي الآخر مهما بدا مخالفا. سأتعرض لبعض النقاط التي أثرتها أنت و كلي أمل أن يرتقي الحوار في هذا الفضاء إلى مستويات تليق بحجم التحديات التي تعترض البلاد و الأمة بعيدا عن التشنج و إهدار الطاقات في ممحاكات أكثر المستفيدين منها هم سماسرة المعارك الخاطئة. أتفق معك بخصوص تعريفك للديمقراطية التي تعني في ما تعنيه حق الأقلية في المعارضة دون هدم و حق الأغلبية في الحكم دون تحكّم. و لقد كتبت أنت مخاطبا من أسميتهم بالإسلامجيين "رأيناكم تتدافعون دفاعا عن نهضتكم ذات 23 أكتوبر وتعيير خصومكم ب ال 0، (صفر فاصل)" ... و في رأيي فإن هذا التعميم هو ليس خاطئا فحسب و لكنه يستبطن عقلية إستعلائية ألفناها عند بعض النخب و التي تضع كل الإسلاميين في "شكارة واحدة" بنخبهم و عوامهم و كل تلويناتهم و بالتالي فهم يستأهلون أن يعاقبوا على بكرة أبيهم كمجموعة متماهية بعقاب واحد بدء من الإزدراء و الكره حتى نصل إلى الإستئصال (حسب منسوب الديمقراطية في دم كل واحد من هؤلاء "المثقفين")! في مسألة الصفر فاصل و لو أني شخصيا لا أحبذ استعمالها فأظن أن أول من استعمل هذا المصطلح هو سفيان بن فرحات و هو يسأل (بصفة إنكارية) أحد زعامات اليسار عن سر إخفاقهم الكبير في انتخابات المجلس التأسيسي. ثم حتى من الناحية الديمقراطية الصرفة ليس هناك أي عيب في استعمال هذا المصطلح ما لم يرْقْ إلى استعمال العنف المادّي أو الألفاظ النابية. أعطيك مثلا منذ أكثر من عقدين و أنا أتابع سجالات الجمهوريين و الديمقراطيين في الساحة السياسية الأمريكية و كثيرا ما ينزلون إلى ما دون ذلك بكثير ... و هو أمر عادي! (مصطلحات مثل "سوف نحطمهم" (we will crash them) هو مصطلح متداول بين الحزبين (و لقد سمعته هذه الأيام بالذات بمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري الأمريكي) . "لكننا لم نسمع أحد منكم يدافع عن 25 يناير المغدورة من الجميع" ... هل أفهم من كلامك أن الإسلاميين قد أخطؤوا عندما ندّدوا بالإنقلاب العسكري الفاشي و ما سبقه من مجازر ميادين رابعة و النهضة و غيرها و هي مجازر لا تنتمي إلى هذا العصر و أنّ عليهم أن يخرسوا لأنهم لم يدافعوا على الثورة المصرية (المغدورة من الجميع كما ذكرت أنت) بما فيه الكفاية? هل أنّك تساوي بين إجرام السيسي الذي أزهق مئات الأرواح عمدا عن سابق إجرام و ترصّد و بين اجتهاد الإخوان في اتخاذ مواقف سياسية قد نتفق أو نختلف بشأنها? ثم إنك تتحدث عن "عقر" الإخوان و كأنك تتحدث عن النوق و الجمال و ليس عن إخوة لك في العروبة و الإسلام و الإنسانية كما و قد يشتم من كلامك رائحة التشفي! أو لكأنما كل تلك المجازر التي ارتكبها العسكر في عهد السيسي و ما تبعها من سقوط مدوي لمصر و دورها يعاب عليه الإخوان و ليس من خان الأمانة و القسم الذي أداه أمام شعبه! لست أدري أعن قصد أو عن سهو تساوي بين الجرائم الجنائاية اللاإنسانية و بين الأخطاء السياسية و لكن شتان بين الأمرين!! الإخوان أخطؤوا التقدير و دفعوا ثمن ذلك أحمرا قانيا و سيدفعون آلاف الليالي القادمة في زنازين انفرادية لمزيد التفكير في حجم أخطائهم السياسية و مآلاتها الكارثية على المنطقة بأكملها و لكنهم اليوم هم مظلومون و مشرّدون و الموقف الرجولي السياسي يقتضي الترفّع عن نقدهم الجارح الآن و مقارنتهم بالإنقلابيين المفسدين الذين أهلكوا الحرث و النسل. أما بخصوص الدفاع عن أردوغان و "ترديد ثرثرة الشرعية" فأراك قد جانبت الصواب مرة اخرى إذ أن الموقف الصارم من الإنقلاب و رفضه هو الموقف الصحيح و الواجب اتخاذه و الثناء عليه بعيدا عن محاكمة النوايا مصادرة أفكار الناس. الوقوف مع الشرعية في لحظة انقلابية ليس ثرثرة بل هو لب المسألة و صميمها لتعرية المشاريع الإنقلابية و هزمها أخلاقيا و نفسيا. ثم أنك تنتفض عندما ينتقد "الإسلامجيون" ما أسميته "إنحراف بعض اليسارجيين والقومجيين" و ترى في ذلك "بشاعة مقزّزة لا أخلاق فيها للاجهاز على القومية واليسار كمشاريع وطنية شعبية تقدمية ثورية" فلكأن اليسار و القوميين فوق النقد أو لكأنهم قدموا لهذه الأمة طيلة نصف قرن أو يزيد من الحكم مجتمعين ربع ما قدمه أردوغان لشعبه في عشر سنوات من التقدم و الإزدهار! حديثك عن الإنقلاب الذي قاده عبد الناصر (أو بالأحرى تبريرك له) بأنه كان "عُملة ذلك الزمان" و ما تبعه من حكم شمولي مطلق و كل ما انجرّ عنه من مجازر و تعذيب قروسطي في حق معارضيه و هزائم عسكرية و نفسية لازالت تدفع الأمة ثمنها تبريرك لكل هذا بتعلة أن الإخوان أيضا لهم مشروع حكم شمولي وُضعت خارطة الطريق له في كتاب سيد قطب هو تفسير تنقصه الوجاهة من عدة أوجه أولها أن الرد على الفكر يكون بالفكر و ليس بالتقتيل و التنكيل و السجون, ثانيها أن الحق و العدل طريقهما معروف و واضح و على أساس ذلك يجب أن يحاكم الجميع و لكن ليس لأنك أنت سلكت طريقا أعوج مظلما فإن ذلك الطريق سيصبح مستقيما وضّاء لأنك بكّرت بالسير فيه قبل خصمك الذي كانت له نية المشي فيه أيضا (مع وضع سطرين تحت كلمة "نية")! لذلك فإني أربأ بك عن السقوط في منهج التبرير بتعلة التبكير! ثم أنت تتنبْأ أن الإخوان لو (و ما أدراك ما "لو"!) وصلوا للحكم لربما فعلوا في عبد الناصر ما فعله هو بهم (حتى قبل أن يعذّبهم!) ... مرة اخرى و حتى على فرض أن تنبؤك صحيح فإن هذا لا يعطي المشروعية لعبد الناصر ليرتكب مجازر و فظائع بناء على "لو" و أنت كرجل مثقف يجب أن تندّد بهذه الجرائم بغضّ النظر عمن أتاها سواء عبد الناصر أو الإخوان أوغيرهم. بدا لي أن محاولتك إظهار تهافت تحليل "الإسلامجيين" جعلك تقع في نفس خطأهم بالتبييض الإنتقائي للإجرام و القمع و نفي الآخر. فأنت تعاير "الإسلامجيين" بسكوتهم على انقلاب الإخوان في السودان بينما تجد الأعذار لانقلاب عبد الناصر. و بعيدا عن الأمور السياسية و الإيديولوجية فمصر تحت حكم عبد الناصر و من بعده كل العسكر على امتداد عشرات السنين لم تنجح في معركة التنمية! أنظر حال مصر اليوم و الحال أنها بدأت مرحلة النهضة و البناء في نفس الوقت مع كوريا الجنوبية في تلك الفترة...أم أن عبد الناصر منزه عن الأخطاء لا يحق لنا أن نسائل خياراته و سياساته التي لم تجلب على رأس هذه الأمة سوى التخلف و الإحتلال و الإنقلابات و الحكم الفردي التعسفي القهري على شعوب المنطقة. ثم فوق هذا و ذاك أنت تحاسب هؤلاء "الإسلامجيين" و كأنك تفعل ذلك من فوق برج ثقافي عالي يرى صاحبه كل الصّورة بوضوح دون أن تعيقه غشاوة السياسة و السياسيين! فقليلا من التواضع يرحمك الله! فأنت أولا و قبل كل شئ عضو بالمكتب التنفيذي لحزب سياسي (و بالمانسبة فأنا لي بهذا الحزب أصدقاء كثر و حتى التقيت برئيسه الدكتور منصف المرزوقي عندما زارنا في أمريكا و قد أهداني كتابه الأخير بإهدائه و إمضائه الشخصيين و أنا أعتز بذلك) أقدّر أن يكون التنافس بين حزبك و حزب حركة النهضة لاستقطاب بعض الشباب المتحمس هو ما جعل ردك هذا يكون خارج سياق الإتزان وعما أنسناه منك من التركيز الليزري على المشاكل الحقيقة لهذا الشعب و توحيد صفوفه في وجه الفاسدين و المفسدين و لكن لكل جواد كبوة ... و أرجو أن يتسع صدرك للنقد ! د. مختار صادق الولاياتالمتحدةالأمريكية في 21 جويلية 2016