الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا.. اللهم صل وسلم وبارك على السراج المنير الذي أخرجتنا به من الظلمات إلى النور.. هذه كلمات مرتجلات في سلسلة مقالات.. عثرت قبل سنوات طويلات على الوثيقة العمرية المعروفة بين طلبة العلم برسالة الفاروق إلى قاضية عبد الله إبن قيس وهي رسالة في القضاء .. كانت الرسالة مقررة ضمن بعض المناهج الدراسية العربية. شدتني لأول وهلة شدا عجيبا لفرط إنسجام مبانيها العربية الجميلة مع معانيها الإسلامية القويمة تفيض تلك على هذه بهاء ورونقا كأنما هي زهرات ربيع طلق تدغدغ بعبيرها الفواح أرنبات أنوف زكمتها وحشة شتاء زمهريري قارس ثم تفيض هذه على تلك بقيم غزيرة ترسم منهاج العدل الذي لأجله نزل وحي السماء يترى.. لم أتمالك عن حفظ تلك الرائعة الفاروقية الفريدة فرادة صاحبها الكبير في العقد الصحابي الذي قال فيه بحق صاحب الظلال الشهيد ( جيل قرآني فريد ).. ثم غفلت عنها لسنوات طويلات حتى أنسيتها إلا سطورا منها ظلت تزحم ذاكرة ما هدتها سنون عجفاوات.. رجعت إلى رائعة عمر من جديد وهممت بشرحها ليقيني بمحكمات القرآن الكريم أن رسالة القرآن الكريم ثنائية مزدوجة لا ثالث لها ثبتها سبحانه في كتابه تثبيتا في مواضع كثيرة لعل أبرزها : 1 “ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله “ (النساء 135 ). 2 “ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط “ ( المائدة 8). 3 “ إن الله يأمر بالعدل “ ( النحل 90). 4 “ قل أمر ربي بالقسط “ ( الأعراف 29 ). 5 “ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” (النساء 58 ). 6 “ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط “(الحديد 25 ). ومواضع أخرى كثيرة تأمر كلها بالعدل والقسط ( وهو المبالغة في العدل كما وكيفا ).. أيقنت أن رسالة الإسلام ثنائية مزدوجة لا ثالث لها : 1 كينونة قوامة من لدن الإنسان على القوامة لله والشهادة لله. ( القوامة لله معناها إخلاص الحياة كلها له توحيدا وإستعانة وعملا وأيلولة أما الشهادة لله فهي تحري القسط والعدل). 2 كينونة قوامة من لدن الإنسان على القوامة بالقسط والشهادة بالقسط. ليس هناك إذن من مراد لله فينا بعد مرادي : القوامة له والشهادة له إخلاصا للتوحيد والإستعانة تحقيقا لأم الرسالة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) والشهادة له من جانب والقوامة بالقسط والشهادة بالقسط ( وليس مجرد العدل عندما يكون ذلك ممكنا) من جانب آخر. بكلمة واحدة : لك أن تجمع مقاصد الإسلام كلها من أعلى هامته ( أعلى هامته هي التي أخبر عنها الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف بحديث معاذ أي أن الجهاد ذروة سنام الإسلام ) حتى آخر شعبة من شعب الإيمان من مثل إماطة الأذى عن الطريق.. لك أن تجمع كل مقاصد الإسلام في رسالة ثنائية مزدوجة لا ثالث لها : 1 القوامة لله إخلاصا في التوحيد والإستعانة وتصريفا للعمل لوجهه إبتغاء رضوانه. 2 القوامة للناس بالقسط المطلق قدر الإمكان فمن عجز عن ذلك فالخط الأحمر الذي لا يلجه إلا شقي هو : شهادة الزور. إذ يسع الجبان صمته ولكن لا يسعه نفاقه بله زوره. رجعت إلى رائعة الفاروق لشرحها فذكرت أن تلك الرائعة على عظيم قدرها لا تعدو أن تكون لؤلؤة وضاءة منيرة في عقد فاروقي سميك جميل إنتظمت في جيده الباهي لآلي أخرى تكاد تند عن العد.. قلت في نفسي : لم لا أحبر كلمات أخرى تقترب من شطآن الفاروق الممتدة فهو في الإجتهاد الأصولي الفقهي إمام تقفو إثره الأئمة كما سيأتينا وهو في الفنون الإدارية قائد كبير غير أن كثيرا من المسلمين لا يعرفون عنه غير أنه رمز العدل في الإسلام أو بطل الفتوحات الإسلامية المتوسعة شرقا وغربا حتى دانت الأرض للإسلام دينا.. فكانت هذه الكلمات المرتجلات في سلسلة حلقات.. وإلى لقاء قابل. الهادي بريك ألمانيا.