يبدو الأمر غريبا أو على الأقل غير مستساغ عندما نجد حزبا كبيرا من حجم نداء تونس يعجز عن تسمية رئيس حكومة يعلق عليها التونسيون آمالا كبيرة. فالبلاد تزخر بالكفاءات الوطنية ولكننا نجد النداء اليوم في وضعية لا تختلف كثيرا عن الأزمة التي مرت بها حركة النهضة سابقا لتشكيل حكومة وكان الندائيون أول المنتقدين لفشل النهضة آنذاك في الحسم في مسألة تشكيل الحكومة. فلماذا نجد النداء اليوم – لو ظاهريا – يستنسخ نفس تجربة الترويكا المتعثرة في تشكيل الحكومة؟ قد لا يكون للأمر علاقة وطيدة بالمحاصصات الحزبية كما كان الأمر لدى الترويكا سابقا فالأمر يبدو كأن داخل النداء مناطق نفوذ عالية الضغط لم تلتق حول رؤية موحدة للحكومة القادمة. هذا من جهة ومن جهة أخرى يبدو نداء تونس مترددا في تحديد الأطراف والأحزاب التي ستشارك في الحكومة القادمة وكلما تأخر الحسم في تحديد هذه الأطراف يتأخر الحسم في رسم ملامح الحكومة وخاصة فيما يتعلق بمدى مشاركة حركة النهضة من عدمها وبأي شكل ستشارك حركة النهضة في الحكومة المقبلة إن كان بدور فاعل لنهضويين أو ربما شخصيات ''محايدة'' توصي بهم حركة النهضة. وكاد الأمر يكون محسوما لو قبل عبد الكريم الزبيدي منصب رئيس الحكومة غير أنه فاجأ الندائيين بالرفض وفي نظري فإن رفض الزبيدي للمهمة يبدو معللا بتعليل منطقي. فحسب آخر التسريبات اشترط النداء على الزبيدي ترؤس حكومة دون التدخل في تشكيلتها مما يعني أن على الزبيدي العمل مع فريق حكومي لم يختره مما سيجعله مستقبلا يتحمل نتيجة خيارات لم يساهم فيها فيبدو دوره أقرب إلى ''التيّاس'' منه إلى رئيس حكومة. على حركة نداء تونس الحسم قريبا جدا في مسألة رئيس الحكومة وأعضائها لأن القضية باتت تكبر يوما بعد آخر ككرة الثلج مما يفسح المجال للمتربصين به للاصطياد في الماء العكر كما أن الاستحقاق الوطني والانتخابي يفرض على النداء تحمّل مسؤولياته كاملة وأن يبتعد عن قاعدة ''إرضاء الجميع'' فالرضا التام لن يتحقق مهما فعل وسيجد دوما من يعارض حكومته ولن يتمكن من مواجهة هؤلاء إلا بفرض برنامج وطني للإنقاذ والبناء حتى لا تكون الحكومة القادمة هشة بلا لون ولا رائحة ولا طعم مدججة بالأسماء ''الكبرى'' وتفتقر للبرنامج وهو أمر لن يكون في خدمة المرحلة القادمة.