انقلاب قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي.. تسجيل حالة وفاة    تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تركيا: مقتل 20 جنديا في سقوط طائرة عسكرية    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    المؤرخ عبد الجليل التميمي يدعو إلى وضع رؤية جديدة للتعليم    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    اخبار كرة اليد .. قرعة ال«كان» يوم 14 نوفمبر    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    أزمة جديدة تهزّ المشهد الثقافي ... اتحاد الناشرين التونسيين يقاطع معرض الكتاب    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    بنزرت الجنوبية ... 5 جثث آدمية لفظتها الأمواج في عدد من الشواطئ    3 آلاف قضية    وزير الدفاع الوطني: الوضع الأمني مستقر نسبياً مع تحسن ملموس في ظل واقع جيوسياسي معقد    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    عاجل/ قيمة ميزانية وزارة الخارجية لسنة 2026    عاجل/ سياسي جديد يدخل في إضراب جوع    الدعارة في "إسرائيل" تتفشى على الإنترنت    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    الفواكة الجافة : النيّة ولا المحمّصة ؟ شوف شنوّة اللي ينفع صحتك أكثر    11 نوفمبر: العالم يحتفل ب''يوم السناجل''    عاجل: تونس وموريتانيا – 14 ألف تذكرة حاضرة ....كل ما تحب تعرفوا على الماتش!    تونس تتمكن من استقطاب استثمارات أجنبية بأكثر من 2588 مليون دينار إلى أواخر سبتمبر 2025    كونكت: تنظيم جديد لمحمّصي القهوة في تونس    عاجل-شارل نيكول: إجراء أول عملية جراحية روبوتية في تونس على مستوى الجهاز الهضمي    الأخطر منذ بدء الحرب/ شهادات مزلزلة ومروعة لاغتصاب وتعذيب جنسي لأسيرات وأسرى فلسطينيين على يد الاحتلال..    علماء يتوصلون لحل لغز قد يطيل عمر البشر لمئات السنين..    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    عاجل: اقتراح برلماني جديد..السجناء بين 20 و30 سنة قد يؤدون الخدمة العسكرية..شنيا الحكاية؟    رسميا: إستبعاد لامين يامال من منتخب إسبانيا    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    النادي الإفريقي: محسن الطرابلسي وفوزي البنزرتي يواصلان المشوار    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباجي قائد السبسي: النظام السياسي في تونس "شاذ" ..التحوير الوزاري هو فرصة الأمل الأخيرة

اجرى الزميل الهاشمي نويرة حوارا مطولا مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي تناول كل ما يهم الشأن الوطني والإقليمي والدولي.
وفي ما يلي نص الحوار بالكامل:
كيف حال تونس اليوم سيّدي الرئيس ؟!
ليست كما أحببنا أن تكون، وضع اقتصادي صعب رغم التحسّن النسبي في المؤشرات، ووضع اجتماعي تطغى عليه المطلبية المشطّة في بعض الأحيان رغم أنّ المطالبة بتحسين ظروف العيش الكريم هي حقّ ينسجم مع المبادئ الأساسية لحقوق الانسان ومع مطالب الثورة التّي جسّدها شعار «الكرامة»، وضع سياسي هو الآخر منفلت ومفتّت ولم تجتمع الأحزاب فيه على قاسم مشترك يؤمّن للبلاد الحدّ الأدنى مِنَ الاستقرار الذّي يمثّل الشّرط الضروري لاستمرار الدولة وتحقيق التنمية والقيام بالإصلاحات الكبرى الضرورية للوطن والمواطن، الوضع اذن صعب ودقيق وإن كان لم يَصِلْ بعدُ الى مرحلة الحرج.
مِنْ موقع رئاسة الجمهوريّة أَلَمْ يكن بامكانكم فِعْلِ أيّ شيء لحلحلة هذا الوضع المتأزّم؟!
أنا أقوم بما خَوَّلَهُ لِي الدّستور مِنْ صلاحيات ومهام وهي على محدوديتها ليست قليلة، ومِنْ بين هذه المهام لرئيس الجمهورية التدخّل عندما يتعلّق الأمر بوجود خطر يهدّد الدّولة والمجتمع والسّير العادي للديمقراطية.
وقد مارست هذا الحقّ الدستوري كلّما اقتضت الضرورة ذلك، ولكن تبقى المهام التنفيذية الأساسية مِنْ اختصاص الحكومة، تلك هي طبيعة النظام السياسي في تونس وقد حان الوقت لتقييم المنظومة الدستورية الحالية وتدارك نقائصها وتجاوز المطبّات الّتي تضمنها الدستور.
هل هي دعوة صريحة هذه المرّة لإعادة النظر في طبيعة النظام السياسي ؟!
لست أنا مَنْ يقول ذلك، الجميع يؤكّد أنّ النظام السياسي المنبثق عن الدستور الحالي يشكو هنّات عدّة وهو نظام شَلَّ العمل الحكومي أو يكاد وطابعه الهجين لا يساعد الحكومة أيّ حكومة والسّلطة التنفيذية عموما على القيام بواجباتها في تسيير الدولة وتحقيق التنمية في اطار مجتمع ديمقراطي تتحقّق فيه قيم الحريّة والكرامة.
ولكن أَلَمْ يكن وجود شخصيات مِنَ «النداء» على رأس الحكومة ومجلس النواب عاملا مساعدا لَكُم في تنفيذ سياساتكم وهو عامل لَمْ يكُنْ مُتَوفّرا «للنّهضة» التي قادت «الترويكا» بعد انتخابات 2011 ؟!
هذه حقيقة تحتاج الى الدقّة والتّوضيح لأنّ المسألة لا تتعلّق فقط بالشّخصيات المسيّرة لهذه المؤسّسات الدستورية وانّما كذلك وبالأساس فهي تَهُمُّ النّص الدستوري وتداعياته على عمل هذه المؤسّسات.
الدستور أرسى نظاما تداخلت فيه الصلاحيات ليس فقط بين المؤسسات الدستورية وهذا في حدّ ذاته أضحى عاملا معطّلا لعمل هذه المؤسسات ولكنّه وبالخصوص وسّع دائرة هذا التداخل ليشمل بعض الهيئات المستقلة أو تلك الّتي تدّعي ذلك وهو الأمر الذي ساهم في ضُعْفِ هذه المؤسّسات وتآكل الدولة بشَكْلٍ أصبح يهدّد وجودها واستمرارها ..
وخلاصة القول فانّنا في تونس نعيش في ضوء نظام سياسي «شاذٍّ» فيه مِنَ «الحِرْصِ» على استقلالية عمل المؤسّسات حَدّ التّعطيل والشّلل وفيه كذلك مِنْ إِفْرَادِ بعض الهيئات المستقلّة بصلاحيات استثنائية حَدّ التغوّل على الدولة وعلى المؤسسات الدستوريّة ذاتها بما فيها مجلس نواب الشّعب صاحب السّلطة الأصلية والأمّ في النظام السياسي الحالي، وكلّ ذلك كان يتمّ تحت شعار الاستقلالية، فبحيث نكاد نقول أنّ الأمور عندنا ينطبق عليها المثال الشعبي «العَزْرِي أَقْوى مِنْ سِيدُو».
وما العيب في أن يكون هناك فَصْلٌ تَامٌّ في عمل المؤسسات وأن تكون لنا هيئات مستقلّة لا سلطان عليها ؟! أليس هذا تكريس للديمقراطية ؟!
العيب يكمن في المبالغة ولذلك وجب الانطلاق مِنْ مُسَلَّمَةٍ أساسية وهي ما هي إرادة النّاخب الذّي فوّض لنا أَمْرَ الحُكْمِ، وسواء تعلّق الأمر بانتخابات المجلس التأسيسي أو الانتخابات الأخيرة فإنّ مطالبه واضحة وجليّة : سلك طريق التّنمية والدّيمقراطية وانجاح المسار الانتقالي في اطار دولة مدنية لا تولي ظهرها للمكاسب الّتي تحققت للبلاد ويخضع فيها الجميع للقانون وبما يضمن حرّية الفرد وكرامة المواطن وبما يحقّق نُقْلَةً نوعيّة في التنمية الاقتصادية والبشريّة والمجتمعيّة.
وبالطبع فإنّ ذلك لن يكون ممكنا إلاّ في اطار عَقْدٍ اجتماعي وسياسي ومواطني جديد يحقّق الحرّية والتنمية للجميع من دون أيّ تفرقة. وكلّ ما يعطّل ذلك وَجَبَ إعادة النظر فيه، ونحن نرى أنّ الأمور تسير على غير هذا النّحو لذا وجب التّعديل لأنّ تَرْكَ الخطإ أَفْضَلُ مِن التّمادي فيه حتّى لا تحصل نتائج أو تداعيات قد يستحيل لاحقا تداركها.
فهمنا أنّ النظام السياسي في حاجة إلى إعادة تقييم وهو أمر مطروح على البرلمان ومِنْ ورائه الأحزاب السياسية ولكن ألا يُعتبر المسّ مِنْ «استقلالية» الهيئات الدستورية أو المتشبّهة بها، نَوعًا مِنَ «الردّة عن الديمقراطية» ؟!
أوّلا نحن مِنْ دُعَاةِ وهذا ليس جديدا إرساء نظام ديمقراطي لا تشوبه شائبة ونحن نريد فصلا بين المؤسسات والسّلطات لا يعطّل مسارات العمل الحكومي والتنموي ونحن ندعم بقوّة العمل الرقابي الذي يمارسه البرلمان ونحن أيضا مع مبدإ توسيع الرقابة على العمل الحكومي والتنفيذي والتشريعي لتشمل الهيئات المستقلّة وحتى منظمات المجتمع المدني ولكن على أن يتمّ ذلك في اطار ضوابط قانونية وأخلاقية وسياسية معقولة ..
وهناك أسئلة لا بدّ أن تُطرح، ما معنى هيئات تعمل بدون أيّ رقابة وتحت عنوان الاستقلالية هي تمارس صلاحيات مطلقة، تقرّر ميزانياتها ورواتب العاملين فيها وأعضائها ومعها تحوّلت الهيئات والمؤسّسات السّيادية كمجلس نواب الشعب الى مجرّد أجهزة لتزكية قرارات هذه الهيئات .. إنّ هذا ضرب لمبدإ فَصْلِ السُّلط وتَعَدٍّ على الدّولة وبِدْعَة لا نجد لها مثيلا خارج تونس.
مَنْ المسؤول سيدي الرئيس ؟!
كلّ هذا مِنْ عمل المجلس التّأسيسي والتّحالف الحاكم حينذاك وتحديدا الأحزاب الّتي كانت جاهزة وهي معلومة وقد سَهَّلَ عليهم الأمر انخرام التوازن في المشهدين الحزبي والسياسي في تلك الفترة، ونحن مِنْ جهتنا حاولنا تدارك الأمر لاحقا لكن عدم تمتّعنا بأغلبية مريحة منعنا من تعديل الأمور بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة.
ما العمل إذن ؟!
لا بدّ من اعادة النّظر في كلّ هذه الأشياء، بَدْءًا من طبيعة النظام السّياسي الذي يسود الاجماع بأنّه مُعَطَّلٌ وغير قابل للاستمرار، ومرورا بما في الدستور من نقائص كشفتها الممارسة ووصولا الى هذه الهيئات الّتي تهَدّد تماسك الدولة ووجودها.
كيف السبيل الى ذلك والحال أنّكم قد تواجهون «تهمة» التعدّي على استقلالية هذه الهيئات ؟!
قبل تناول مسألة الهيئات المستقلّة، لا بدّ من الاشارة الى أنّ أمر النظام السياسي موكول الى البرلمان والأحزاب ونحن على استعداد لدعم أيّة مبادرة تُخرج النظام السياسي مِن حالة الشّلل التي تردّى فيها. وأمّا عن الهيئات المستقلّة فإنّ حرصنا على استقلاليتها لا يُغفلنا عن ضمان الرقابة على المال العمومي وهذا في لُبِّ الحوكمة الرشيدة وهو الأساس والمطلوب مِنْ أجهزة الدولة خدمة لمصلحة الوطن والمواطن.
وفي كلّ الحالات فإنّ مسؤولياتي الدستورية محدودة في المسألتين، لكن يقيني أنّ الوضع لا بدّ أن يتزحزح فهذه منظومة لا يمكنها مطلقا تأمين الاستقرار والتنمية لتونس ومِنْ واجبنا التنبيه واتخاذ القرار عند الاقتضاء وفي حدود ما يسمح به الدستور.
هذا جيّد سيدي الرئيس، ولكن لديكم سلطة معنوية وأخلاقية إلى جانب سلطتكم الدستورية ؟!
مِنَ الضروري أن نَفْهَمَ أن السّلطة الأخلاقية والمعنويّة هي ثقافة تربّينا عليها ونحن لم نكن نجد أدنى إحراج في التعلّم مِن الزعيم بورقيبة لأنّنا كنّا على وعي بأهمّية التجربة والخبرة في نحت مسيرتنا السياسية ولكن ما كان مقبولا بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم، فَسَاسَةُ اليوم في عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وإقبالهم على الدّربة السياسية ضعيف.
وهل هذا ينطبق على حكومة يوسف الشّاهد ؟!
الشّاهد هو رئيس حكومة شاب وطموح وعلى درجة من الكفاءة ولكنّه مُطَالَبٌ بحُسْنِ الاختيار لفريق متجانس يُسهِّلُ عليه تحقيق ما هو مطلوب منه.
وهذه الحكومة وغيرها يجب أن تَضَعَ نُصْبَ أعينها هَدَفَ الخروج بتونس مِنْ وضعيَة الأزمة لأنّه مِنْ دون ذلك لَنْ يكون بمقدور الدّولة أَنْ تستمِرَّ وقد يكون التحوير الوزاري القادم هو فرصة الأمل الأخير مِنْ أجل وضع الأمور في نصابها والابتعاد عن السلوك المغامر وهو ما يتطلّب مشاورات مع جميع الأطراف الشيء الذي يقوم به رئيس الحكومة الآن، ومِنْ جهتنا فنحن ندعم مسار تشكيل حكومة تمتلك القدرة على الحركة ومسنودة مِنْ أغلب الطّيف السّياسي، فالمسألة عاجلة ونحن يكاد يَنطبق علينا القول بأنّنا نلعب في الوقت الضائع والانقاذ مسألة حياة أو موت، وهذا على الجميع أن يعي به ويتصرّف وفق متطلبات المرحلة.
جرس الانذار هذا موجّه لمن سيدي الرئيس ؟!
لكلّ مَنْ يهّمه أمر تونس وتعلقت همّته بمصلحتها ونأى بنفسه عن المصالح الضيّقة والحزبية والفئوية ونحن عندما ننبّه الى هذه الأمور انّما لخوفنا على تونس ومستقبلها الّذي هو مِلْكٌ للجميع وتحديدا لِشبابِها الّذي انتفض ذات يوم طالبا توفير مقوّمات العيش الكريم.
ولكن هل يكفي مجرّد التّنبيه ؟!
أنا أنبّه للمخاطر وفي اطار صلاحياتي الدستورية وما يمليه عليّ ضميري وحُبّي لهذا الوطن أطرح المبادرات السياسية والتشريعية مِنْ موقع ما أراه ضروريّا للوطن والمواطن ولكنّ دَعْمَ هذه المبادرات والأفكار لا بدّ أن يأتي مِنَ الاحزاب ومِنَ الحكومة ومِنَ المجتمع المدني، فنحن في مرحلة الحُكْم التشاركي بين كلّ هذه الأطراف ولكن كلّ حسب ما خوّله لهُ الدستور.
وأنا في وََضْعٍ يُمكّنني مِنْ أخذ مسافة عن الجميع وبالطبع لا يعنيني مِنْ كلّ هذا سوى مصلحة تونس ومستقبل تونس ومصير شباب تونس.
وما يمكن أن تحقّقه كلّ هذه الأطراف السياسية معي قد لا يكون متاحا مع شخصيّة أخرى وهذا على الجميع أن يعرفه ويعي به.
هذه اليد الممدودة لجميع الأطراف لم نكن نلحظها سيدي الرئيس عندما قرّرتم أن يكون «التوافق» مع «النهضة» محور الحُكْمِ ومحور الحياة السياسية ؟!
هذا غير صحيح بالمرّة، الواقع أنّ الناخب التونسي لم يمكّنا مِنْ أغلبية قادرة على الحُكْمِ رَغْمَ أنّه انتخبنا حينها كحِزْبٍ أوّل لكنّه لم يَكُنْ كافيا لممارسة الحُكْمِ وتنفيذ برامجنا على الوجه المطلوب.
وقد بحثنا طويلا وفي حدود الآجال الدستورية عن أحزاب تُشْبِهُنَا في تصوّراتنا للدولة والمجتمع.
وقد كان المطروح العاجل هو البَدْء الفوري في ممارسة الحُكْمِ ووضع الخطط الكفيلة بانقاذ البلاد واستكمال تركيز مؤسّسات الدولة والهيئات المستقلّة ..
وللأسف لم تكن الأحزاب التي كانت تصنّف «مدنية» تمتلك وعيا سياسيا بدقّة المرحلة والتقاط الفرصة من أجل سدّ الطريق أمام مَنْ كان يسعى على الدوام الى شَكْلٍ مِنْ أشكال «الرِدّة المجتمعية».
وقد وجدنا أنفسنا في وضع دقيق أوجب علينا التصرّف وأخذ القرار : الدخول في تحالف حكومي يكون حَلاَّ للمشاكل المطروحة أو على الأقلّ لا يزيدها تعقيدا، ولم تكن أمامنا سيناريوهات أخرى لتحقيق هذه الأهداف، «النهضة» كانت جاهزة لذلك إضافة الى أحزاب أخرى بما أتاح حينئذ فرصة تشكيل تحالف حكومي ... هي قبلت وليس بشروطها، وقلنا على الأقلّ نسَاهِمُ بذلك في جَلْبِهَا الى خانة «المدنية» ولكن يبدو أنّنا أخطأنا التقييم.
هل وصل التوافق الى نهايته ؟!
لا أتمنّى ذلك ولكن بقدر نجاحنا في قَطْعِ خطوات لتجميع كلّ الأطراف والحساسيات السياسية والفكر حول النموذج الحضاري التونسي المتفرّد والمتميّز لاحظنا تردّدا وتوجّسا واضحا مِنَ البعض أعاق اندماجهم الكلّي في النسيج المجتمعي التونسي الذي يتحرّك على أرضية مشتركة هي، النظام الجمهوري والدولة المدنية الحداثية والمجتمع المفتوح الذي قوامه حرّية الفرد.
ولمصلحة كلّ هذه الأطراف فانّنا نقول أنّ تبنّي هذه الأرضية المشتركة بين التونسيين هو سبيل الانقاذ الوحيد لها، وأنّ حسم أمورها في هذا الخصوص أضحى مسألة عاجلة ونحن نرجو أن تطغى لغة العقل وأن تسمو مصلحة تونس على كلّ المصالح الظرفية والفئوية مَهْمَا بَدَتْ نبيلة لأصحابها.
هل كان هذا هو الدافع للتحوير الحكومي المطروح ؟!
هذا أمر خاصّ بالحكومة لكنّه من المعلوم أنّ منطلق التّحوير هو سدّ الشغورات في الحكومة ولكنّ الواقع قد يفرض شيئا آخر أكبر وأعمق مِنْ مجرّد تحوير لسَدِّ الشغورات،
وقد سبق أن قلنا أنّ تجانس الفريق الحكومي ضروري وذلك لدَرْءِ المخاطر التّي تُهدِّدُ وجود الدولة ولتجاوز شَلَل العمل الحكومي ولمزيد احكام حَرْبِنَا على الارهاب وأوّلا وأخيرا لايجاد السّبل الكفيلة بتجاوز الأزمة الاقتصادية الحادة.
ونحن في كلّ هذا نتصرّف في حدود ما وَرَدَ في الدستور وما أفردنا به مِنْ صلاحيات.
.. والانتخابات البلدية سيّدي الرئيس فَقد كَثُرَ الحديث بشأنها ؟!
هذه أيضا صلاحياتنا فيها محدودة، وقد وقع تحديد يوم 17 ديسمبر 2017 كتاريخ لاجراء هذه الانتخابات وهو ما قرّرته «الهيئة المستقلّة للانتخابات» ..
ولكن هذه الهيئة ذاتها فيها شغورات لا بدّ مِنْ سدّها وهي تتطلّب وجود رئيس لها لضمان السير العادي والقانوني لعملها.
وبالطبع فانّ هذا الأمر يستوجب عرض الأمر على مجلس نواب الشعب الذي يجب أن ينظر كذلك في قانون الحُكْم المحلّي ..
مِنْ جهتي، مطلوب منّي دستوريا التوقيع على أَمْرِ دعوة النّاخبين وإذا تَمَّ استيفاء كلّ الشروط الاجرائية في الآجال القانونية وتوصلت الأطراف الى حلّ خلافاتها في هذا الخصوص سأوقّعُ الأَمْرَ، علما بأنّ الانتخابات المحلية يجب أن تُؤخَذَ بالجدّية الكافية لأنّها الأساس في بناء الحُكْمِ الديمقراطي وهي حجر الزّاوية في عملية الانتقال الديمقراطي وآخر حلقات المرحلة الانتقالية.
انّنا اخترنا ايلاء الحُكْم المحلّي مكانة متميّزة، وهذا أساسي لوَضْعِ تصوّر آخر لمنوال تنمية جديد مثلما تطالب بذلك شرائح هامة مِنَ المجتمع التونسي وحتّى من السياسيين الذين جعلوا من هذا المطلب شعارا لهم.
يعني أن هذه الانتخابات تتّجه الى التأجيل ؟!
هذا شأن البرلمان والأحزاب السياسية.
سيّدي الرئيس، مَنْ يعطّل مسار المصالحة ؟!
كلّ مَنْ يخاف مِنَ المصالحة يسعى الى تعطيلها إمّا بالمغالاة فيها أو برفضها جملة وتفصيلا ولكنّ يقيني أنّه لَنْ يكون هناك مستقبل مستقرّ لتونس مِنْ دون مصالحة شاملة،
وما حُسِب ويُحْسَبُ ويبقى في التّاريخ هو تلك القدرة على التسامح والتعالي عن البغضاء وتجاوز الجراحات،
ونحن في تونس لا نبتدع شيئا، فهذه الرّبوع إتّسعت دوما للجميع ولحظات الغضب والحِقْدِ والرغبة في الثّأر فيها محدودة وتمثّل الاستثناء في تاريخ تونس وليس القاعدة، بل انّ الاحتجاجات والثّورات لا تدوم في تونس .. ومَنْ تشبّع بقِيَمِ هذه الأرض على مدى تاريخها المتنوّع يُمكنه استنتاج ذلك بسهولة،
فالاحتجاجات والثورات في تونس لحظات تُكثّف الغضب والمطالب ثمّ تنتهي وتزول، هي ليست نَمَطَ عيش للتونسي.
ولا ندري بل نحن ندري مِنْ أين جاءت هذه الوصفات «الثورية» و«الثأرية» و«الحِقْدية»، فقد حملتها المشاريع السياسية المغالية في فكرها المتطرف يمينا ويسارا،
نحن أرض الوسط وأفكار الوسط والتسامح وقدرنا أن نحقّق هذه المصالحة وسنحققها بإذن الله قريبا.
سيدي الرئيس ألا تتدخلون بذلك في صلاحيات «هيئة الحقيقة والكرامة» ؟!
مسار العدالة الانتقالية ليس حِكْرا على أحَدٍ ولا وجود لأيّ جهة تمتلك لوحدها حقّ تجسيدها. العدالة الانتقالية واحدة لكن أدوات تنفيذها متعدّدة.
المصالحة مِنَ الاشياء الّتي تُكتب في التاريخ والاصلاحات الكبرى كذلك سيدي الرئيس؟!
وهو كذلك .. الاصلاحات الكبرى مِنَ الأشياء التّي يحتفظ بها التاريخ ولكن ما العمل إذا كانت النخبة ذاتها تخشى الاصلاحات الكبرى وبصرف النظر عن أسباب ذلك السياسية أو الايديولوجية أو الانتهازية فانّ النتيجة تبقى ذاتها وهي طغيان الفكر المحافظ الذي يحول في أغلب الأحيان دون القيام باصلاحات كبرى سواء كانت في المجال الاقتصادي والسياسي أو في المجال المجتمعي.
هل تشيرون بذلك الى مبادرتكم الأخيرة بخصوص المساواة التامّة بين الجنسين ؟!
هذه المبادرة وغيرها، وبالمناسبة فانّ طرح مسألة المساواة التامّة بين الجنسين هي مِنْ صميم صلاحياتي الدستورية وهي تكريس لمبدإ دستوري لا لُبْس فيه وهو مبدأ المساواة التامّة في المواطنة وبين المواطنين ومِنْ واجبي إثارة كلّ الشوائب القانونية التي لا تنسجم أو هي تتضارب مع هذا المبدإ الدستوري والذي هو حقّ أساسي مِنْ حقوق الانسان.
أنا لا أقدّم فتاوى، أنا أطرح مبادرات مدنية وليست فقهية وهي في صميم ما هو مطلوب منّي وفي انسجام تامّ مع تراث تونس الكبير في الاصلاح،
وأعتبر أن تنزيل المسألة في إطار «ديني» هو هروب من «المحاججة المدنية».
واذ لا أستغرب أن تصدر هذه المعارضات عن أطراف تتخفّى وراء التأويلات الدينية، فإنّي لا أجد تفسيرا لأن تصدر عن أطراف تمثّل قضيّة المساواة مسألة جوهرية في طرحها السياسي ومَجَالاً حيويّا بالنسبة إليها وذلك لا لشيء إلاّ لكونها صادرة عن جهات قد تختلف معها سياسيّا. هناك مع الأسف من لا يمكنه التفريق بين المعارضة في نظام ديمقراطي والمعارضة في نظام استبدادي.
وبالمناسبة فان ايماني بمبدإ المساواة التامّة بين الجنسين لا يخضع لتغيّرات السياسة ولا يتأثّر بمطبّاتها فهو مِنْ صميم قناعتي الفكرية والسياسية وهو إلى ذلك مبدأ دستوري وجب عليّ ايجاد كلّ السبّل مِنْ أجل انفاذه الى الواقع المعيش.
أختم سيدي الرئيس .. كيف ترون تونس غدا ؟!
تونس ستكون مثلما أحببنا ونحبّ شريطة توفّر القدرة على حبّ هذا الوطن وتجاوز السلوكيات المصلحية الضيّقة وتخطي صعاب الأزمة الاقتصادية وايمان الجميع بأنّ الذي يربطهم هو ميثاق أخلاقي وسياسي وجمهوري مُلْزِمٌ لا تشوبه مناورات .. قدر تونس النجاح لأن في نجاحها تحقيق للأمن والسلم الدوليين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.