ينهار المتتبعون لنشاط البنك المركزي التونسي من هول المفاجأة وهم يعدون الهفوات التي ارتكبها المحافظ الجديد مصطفى كمال النابلي منذ توليه... مهمة الإشراف على اكبر مؤسسة مالية بالبلاد حيث أصبحت هذه القلعة أداة للمناورة تحركها فلول "الردة" كيف ما تشاء وقت ما تشاء... وكلنا يتذكر كيف أعلن البنك المركزي قبل انتخابات 23 أكتوبر أن الوضع الاقتصادي يسير نحو الانفراج لتنقلب هذه التوقعات بعد فوز النهضة رأسا على عقب لتفاجئ الرأي العام بالحديث عن وضع كارثي ينتظر البلاد وهو ما فندته مصادر أخرى وطنية ومسؤولة من داخل البنك المركزي نفسه. وفي نفس السياق يتساءل الرأي العام عن فشل المشاريع التي كان من المقرر بعثها من قبل رجال أعمال ليبيين بدعوى ولائهم وانتمائهم للعقيد المخلوع معمر القذافي...الشيء الذي أجبر هؤلاء على تغيير وجهتهم إلى المغرب الأقصى الشقيق. وعلى إثر اجتماع عقد بالبنك يوم 13 سبتمبر 2011 جمع المحافظ بممثلين عن الجامعة المهنية للبنوك والكاتب العام للنقابة الأساسية بالبنك المركزي تم خلاله تدارس وضعية المناولة بالبنك والتذكير بالمبادئ التي حفت بإبطال العمل بها ثم مناقشة اقتراح إدارة البنك واقتراح المكتب النقابي وقع الاتفاق على انتداب عمال المناولة الحاليين والمباشرين قبل تاريخ 18 فيفري 2011 ضمن سلك أعوان ودادية البنك المركزي... على إن يخضع العمال لنظام 40 ساعة في الأسبوع ويتم تأجرهم 6000 دينار سنويا بما فيها مساهمات المؤجر بعنوان التغطية الاجتماعية تصرف على سبعة عشرة أجرة ونصف (17.5) كما يؤجرون على الساعات الإضافية. ويتكفل البنك المركزي التونسي بالحلول الملائمة لضمان استمرارية الشغل للمنتدبين في صورة حل الودادية. وقد تولى محافظ البنك الإمضاء على هذا القرار إلى جانب كل من ممثلي جامعة البنوك والكاتب العام للنقابة الأساسية. وما راعنا إلا وتراجع المحافظ عن تطبيق تعهداته المتفق عليها والمذكورة آنفا حسب الاتفاق الحاصل بينه وبين الطرف النقابي برئاسة الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل الأخ المولدي الجندوبي بتاريخ 17 أكتوبر 2011 والقاضي بانتداب أعوان المناولة وانتفاعهم بكل الامتيازات الممنوحة لأعوان الودادية. هذا التراجع وتجاهل القرارات الرسمية أحدث جوا مشحونا داخل المؤسسة انعكس عنه تراخيا ملحوظا في مردود هؤلاء المنتدبين الجدد الشيء الذي جعلهم يهددون في صورة عدم الاستجابة لمطالبهم باللجوء إلى الإضراب. وتبعا لذلك فقد لاقت هذه المجموعة من المنتدبين الجدد صورا مختلفة من الإهانة والاحتقار والمس من الكرامة الشخصية تعرضوا لها من قبل المكلف بالسهر على شؤونهم الإدارية والمهنية كما لم ينقطع هذا المكلف عن استفزازهم في كل مناسبة يعبرون فيها عن استيائهم وغضبهم من تصرفه العدائي بالرغم من رفع أمره إلى المحافظ بتاريخ 01 ديسمبر 2011 وكأن في الأمر شك بأنه مأمور بإتيان هذا الصنيع لجرهم إلى ما نصب إليهم وفعلا كادت هذه التصرفات إن تؤول إلى ما لا تحمد عقباه نتيجة ابتلاع أحد المناولين لسانه إثر إصابته بنوبة عصبية حادة لو لا تدخل أحد عمال الحراسة. وقد تم نقله إلى الاستعجالي في ظروف صعبة وفي غياب أي مسؤول طبي لإسعافه. ومن بين المؤشرات التي كشفت لنا بالواضح تلاعب المحافظ بقراراته الشخصية والرجوع فيها متى يحلو له. انعقدت جلسة عمل يوم 29 نوفمبر 2011 ضمت ممثلي عمال المناولة المتعاقدين مع الودادية في إطار عقد شغل لمدة غير معينة من جهة وممثلي ودادية البنك المركزي التونسي من جهة أخرى وقع خلالها التطرق إلى جملة من المطالب تتمحور بالأساس حول تمكين عمال المناولة من صرف منحة الساعات الإضافية المنجزة خلال الفترة السابقة أي من يوم 25 جويلية إلى غاية 25 نوفمبر 2011 الخلاص على اعتبار الأجرة القارة وليس على حساب ساعات العمل المنجزة مع الترفيع في سقف المقدار السنوي المقرر (6000 دينار) تفعيل الزيادة في الأجور إعادة النظر في التغطية الاجتماعية مع المطالبة باعتبار العطل المرضية التي يقع في شأنها تقديم شهائد طبية في الآجال القانونية كأيام عمل خالصة الأجر والمطالبة بالتمتع باللباس المهني والامتيازات العينية الأخرى. وبالرغم من البرقية الصادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل الموجهة إلى كل من السادة: * الوزير الأول * وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيون بالخارج * الكاتب العام للحكومة * التفقدية العامة للشغل والمصالحة والممضاة من طرف كل من الأمين العام المساعد المسؤول عن الدواوين والمنشآت العمومية والكاتب العام والتي تدعو على إثر المماطلات والتجاوزات المتكررة التي أقدمت عليها المؤسسات العمومية في ما يخص تفعيل تطبيق الاتفاق بين الاتحاد والحكومة والقاضي بإلغاء المناولة بتاريخ 22 افريل 2011 والداعية إلى تفعيل محضر الاتفاق المذكور أعلاه عدم إبرام عقود هشة ولا للإدماج ضمن مؤسسات أخرى تعيد المناولة. المساواة بين جميع الأعوان وخاصة في المسائل الاجتماعية عند تطبيق الاتفاق هذه التجاوزات دفعت بأعوان المناولة للدخول في إضراب كامل يوم 25 جانفي 2012 بالمؤسسات العمومية بكامل تراب الجمهورية. وتستمر المماطلة والمهادنة وبتاريخ 12 جانفي الجاري عقدت جلسة عمل بين المكتب النقابي لأعوان البنك المركزي التونسي ومحافظة البنك بعنوان:"الوضع الاجتماعي المتردي" بعد الإعلان عن نتائج الترقيات للسنة الحالية وبعض التسميات في الوظائف في إطار إعادة هيكلة المؤسسة. وقد عبر المكتب النقابي عن عدم رضاء العديد من الموظفين عن نتائج الترقيات التي تم الاعتماد فيها نظام المكيالين أو الكيل بالمكيالين والأقربون أولى بالمعروف او بالأحرى التجمعيون أولى بالمعروف مع تدني نسبتها بالقطاع البنكي في حين كان من المفروض الرفع من هذه النسبة حسب الاتفاق الحاصل مع المحافظ وعلمنا من مصادر قريبة من البنك أن المكتب النقابي عبر عن استيائه لعدم أخذ المحافظ بالاعتبار قائمة التدارك في الترقيات وقد تمسكت محافظة البنك بعدم إسعاف أي كان بالترقية خلافا للأعوام السابقة كما رفض المحافظ التفاوض في ما يخص ترقية المديرين درجة استثنائية معتبرا ذلك سابقا لأوانه وهذا يعتبر مخالفا للقانون الأساسي. وحول موضوع التسميات عبر المكتب النقابي وأغلبية الإطارات العليا الشابة الكفأة والمفروض أن تتسلم المشعل عن ضرورة أن تلبي مبدأ إدخال دم جديد والقطع نهائيا مع أزلام النظام الفاسد وتابعيه وما اتفق على تسميتها حكومة الظل وعدم تمكين الوجوه القديمة الفاشلة من فرصة جديدة باعتبارها لم تقدم إضافات للمؤسسة والابتعاد عن الانتماءات الجهوية والحزبية والشخصية والمحسوبية العائلية وتقديم الكفاءات ونظافة اليد على جميع الاعتبارات الأخرى. غير أن محافظ البنك ومن خلال بعض التسميات وقعت في الظلام وأعطت الإشارة على أن هذا المحافظ سيستمر في انتهاج نفس السياسة ضاربا عرض الحائط جميع النداءات والقرارات الداعية إلى القطع مع الماضي وقبر السياسات المنتهجة في عهد الرئيس السابق. وسنعود إن شاء الله إلى الموضوع بأكثر دقة في إعدادنا القادمة. محمد الشاذلي الشلبي