المراسل-الإحداث الأخيرة التي جدت في بطحاء محمد علي وسيلان دماء التونسيين في معقل النضال ضد المستعمر الفرنسي تمثل ومن دون شك منعرج خطير في التاريخ الحديث للجمهورية التونسية، حادثة محمد علي جاءت أيام قليلة بعد أحاث سليانة التي حدثت فيها مواجهات عنيفة بين ألاف المحتجين من الأهالي وقوات الأمن ونتج عنها إصابة قرابة 300 مواطن تونسي. انزلاق البلاد نحو دوامة العنف السياسي يأتي في ضل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وتندي مستوي الخطاب السياسي بشكل (مقرف) ولا يليق بنخب سياسية تعتبر نفسها من إفرازات الثورة. الأحزاب السياسية في تونس تبدوا غير واعية بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد والمشاكل التي تغرق فيها البلاد بعد يوم. تونس إلي أين؟؟ وهنا خيارين يفرضان نفسهما الفوضى الشاملة إذا تواصلت الحسابات السياسية و الانتخابية الضيقة وتواصل منطق التعنت السياسي وتواصلت سياسة الأرض المحروقة التي تدفع إليها عديد الحساسيات السياسية فمن الممكن ان تتجه البلاد إلي حالة فوضي شاملة. والحديث على الفوضى الشاملة ليس من باب تهويل الأشياء فعديد الإشارات السياسية والمجتمعية أخذت في البروز مؤخرا وهي تمثل تنبيه لجميع التونسيين بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد . فحالة التعصب السياسي و الانقسام الإيديولوجي بدأت تتعمق والخاطر من ذلك هو ان عملية الشحن والتعبئة أصبحت تستقطب يوما بعد يوما شرائح واسعة من المواطنين لفائدة هذا الطرف او ذلك. كما ان ظهور ثقافة المجموعات العنيفة والتي تسعي في كل مرة وتحت عناوين مختلفة (دينية وثورية ومطلبية) الي فرض رأيها خارج اطر الدولة والقانون يمثل أصبح خطرا حقيقيا، خاصة وان هذه المجموعات تستغلها أحيانا جهات سياسية ضد طرف أخر وتحاول تبرير ممارساتها وهو ما قد يدفع بالطرف المقابل في مراحل لاحقة إلي تكوين مجموعات عنيفة مضادة وفق نفس المنطق وهذا ما يعبر في علم الاجتماع السياسي ب"ملشنة المجتمع"...والتجربة اللبنانية تعتبر خير مثال على ذلك، حيث ان كل طرف سياسي في لبنان اتخذ له ميليشيات مسلحة موالية له تعمل تحت إمرة قيادات سياسية خارج منطق الوطن والراية الوطنية والوحدة الوطنية. أضف إلي ذلك حالة فقدان الأمل والإحباط التي أصبحت تنتاب شرائح واسعة من المجتمع التي زرعت أغصان ثورة 14 جانفي لكنها أصبحت تشعر بأنها لم تجني شيء من ثمار الثور والخير كله أصبح لغيرهم ، وهذا الشعور قد يحولهم الي قنابل موقوتة يكمن ان تنفجر في لحظة يقترب منها عود الكبريت. كل هذا الإشارات وغيرها تدفع الجميع إلي التفكير بكل جدية وبروح مسؤولية في مصير البلاد والعباد. فإذا انفجرت الأوضاع بطريقة يصعب السيطرة عليها لاحقا ستعصف عاصفة الغضب بالجميع ، فالشعب التونسي إذا كان قد انفجر في المرحلة السابقة على نظام بن علي فانه سينفجر هذه المرة على النخبة السياسية برمتها وهنا مكمن الخطر ..فالشعب الذي نجحت حساسيات سياسية ونقابية في تاطير انفجاره على نظام بن علي. سيصعب إذا لم نقل سيستحيل تاطيره اذا انفجر مجددا خاصة وانه بداء يفقد الثقة في النخبة السياسية برمتها. الحوار والتوافق. الخيار الثاني والذي يعتبر الأسلم للوطن وأيضا لجميع الفاعلين السياسيين هو حوار وفق منطق القبول بالشخص الأخر والفكر الاخر،ومن ثم التوافق وفق منطق القبول بالتنازل لصالح الوطن والمصلحة الوطنية حتى وان كانت التنازلات مؤلمة. وبحديثنا على ضرورة الحوار والتوافق يجب ان لا تتكرر تجربة الحوار الوطني التي دعا لها الاتحاد العام التونسية للشغل سابقا والتي أثبتت فيها الحساسيات السياسية عدم جادتها في التحاور من اجل الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة وإنجاح ثوريتها والانتقال الديمقراطي بين من اعتبر هذا الحوار فرصة لمحاكمة النهضة وتأديبها وإخضاعها سياسيا و بين من رفض الجلوس على مائدة الحوار بتعلة وجود نداء تونس في الحوار وقد شاهدناه بعد ذالك يجالس نداء تونس في طاولة السفارة الأمريكية للاحتفال بالعرس الديمقراطي الأمريكي. وأمام هذان الخياران يجب على جميع الفاعلين السياسيين ان يعوا بحجم الصعوبات ودقة المرحلة التي تمر بها البلاد ويجب ان يعلموا ان تواصل الأمور فيما هي عليه الان ليس في صالح اي طرف .كما انه يجب على جميع الوطنيين الغيورين ان يعملوا على تنقية الأجواء والدفع نحو التحاور والتوافق وإعلاء مصلحة الوطن.