كتب إدريس الكنبوري (الرباط) : بتاريخ 15 - 4 - 2006 انعقد بالعاصمة المغربية الرباط في الأسبوع الماضي أول اجتماع لحلف شمال الأطلسي(الناتو) في بلد عربي إسلامي، بمشاركة ست وعشرين دولة عضو في الحلف والدول السبع المتوسطية المشاركة في مشروع"الحوار المتوسطي"، وهي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا ومصر والأردن وإسرائيل. اجتماع وصفه مسؤولون في الحلف بالمهم نظرا لكونه الأول من نوعه في بلد عربي، واعتبره أمين عام الحلف، "هوب شيفر" خطوة متقدمة على طريق الحوار المتوسطي الذي انطلق قبل اثني عشر عاما في قمة اسطنبول بتركيا، ويتضمن الشق السياسي والعسكري . وقال شيفر إن الهدف من عقد اللقاء في المغرب هو "توطيد التعاون بين الحلف من جانب وبلدان المغرب العربي والشرق الأوسط من جانب آخر ". ويأتي عقد اللقاء في المغرب ليعطي بعدا أوسع للتعاون السياسي والعسكري بين دول الحلف والدول المغاربية، وليرسل رسالة قوية مفادها أن الحلف عازم على توسيع دائرة تأثيره ، وتوسيع شركائه من خارج بلدانه. كما أن اللقاء عكس الاهتمام الذي توليه الإدارة الأمريكية الحالية للتنسيق الأمني والعسكري مع بلدان المغرب العربي، خاصة المغرب، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في مايو من العام قبل الماضي أن المغرب"حليف قوي" لإدارته من خارج البلدان الأعضاء في حلف الناتو، مباشرة عقب تولي الحزب الاشتراكي في إسبانيا الحكم على أنقاض اليمين واتخاذ قرار- فاجأ المحافظين الأمريكيين- بسحب القوات الإسبانية من العراق، مما جعل إدارة بوش تبحث عن شريك عسكري آخر في المنطقة، قريبا من المتوسط، وتخطط لبناء قاعدة عسكرية أمريكية في جنوب المغرب، بديلا عن القاعدة الموجودة شمال إسبانيا في حال سعى الاشتراكيين الإسبان إلى إغلاقها. المغرب العربي والعقيدة العسكرية الجديدة شكلت قمة واشنطن عام 1999 منعطفا حاسما في الاستراتيجية الأمنية الكلاسيكية لحلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه عام 1949 في مناخ الحرب الباردة ، والتهديدات الأمنية المتبادلة آنذاك ما بين المعسكرين الشرقي والغربي ، من خلال المواجهة الصامتة ما بين حلف وارسو وحلف الناتو. ففي تلك القمة الشهيرة التي تزامنت مع ذكرى مرور نصف قرن على إنشاء الحلف تم اتخاذ قرارات فاصلة غيرت الرؤية الأمنية التي تم تبنيها خلال السنوات الخمسين الماضية. حيث أصبح من حق الحلف منذ ذلك التاريخ التدخل خارج محيطه الجغرافي كلما كان ذلك ضروريا لدرء خطر محدق بأحد أعضائه. وقد حددت الوثيقة التي اعتمدتها القمة بعنوان"المخاطر العالمية" التهديدات الأمنية التي تستدعي تدخل الحلف والتي تشمل : احتمال انقطاع الإمدادات بمادة حيوية كالنفط مثلا. - وقوع أعمال إرهابية انطلاقا من بلد ما خارج بلدان الحلف. - نشوء حركة تشريد أو هجرة جماعية في منطقة ما. - انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع، بمفهوم الحلف طبعا . - استفحال الجريمة المنظمة مثل تجارة المخدرات. احتمال وصول أسلحة الدمار الشامل إلى بلد لا يجب أن تصل إليه. ومنذ تلك القمة شرع الحلف في التوسع العالمي جنوبا وشرقا ليبسط هيمنته ويؤكد تواجده في المناطق التي كانت في الماضي خاضعة لتأثير المعسكر الشرقي الشيوعي، ودخل في حوار مع عدد من البلدان في إفريقيا وآسيا في إطار تنفيذ مقتضيات رؤيته الأمنية الجديدة، حيث منح لبعض هذه البلدان صفة الحليف الموضوعي من خارجه، مثل الدولة العبرية ثم المغرب. غير أن تفجيرات سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية أعطت زخما قويا لهذه الرؤية الأمنية الجديدة للحلف، ليبدأ الإسراع في تطبيقها وتوسيع دائرة الشركاء"المتطوعين". وهكذا بدأ التفكير في بعث الحوار المتوسطي الذي انطلق عام 1994 لكن بخطوات بطيئة ودون أجندة واضحة، كونه اصطدم في تلك الفترة بمستحقات الشراكة الأورو متوسطية التي انطلقت رسميا عام 1995 في مؤتمر برشلونة، وبتداخل المصالح والأولويات ما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي. وكان أبرز عناوين عودة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي والبلدان المتوسطية لدى دول الحلف هو انطلاق أول مناورات عسكرية مشتركة بين الجانبين عقب تفجيرات 11 سبتمبر تحت عنوان"التحرك النشط" شاركت فيها المغرب والجزائر والدولة الصهيونية، كما أن قمة الرباط الأخيرة خرجت بقرار يؤكد القبول المبدئي من قبل الحلف بمشاركة المغرب والجزائر إلى جانب إسرائيل، في عمل الدوريات البحرية المشتركة لحراسة ومرافقة السفن غير العسكرية أثناء عبورها منطقة مضيق جبل طارق، تحسبا لنشاطات إرهابية محتملة أو خوفا من حملها أسلحة ومواد خطيرة يمكن أن تستعملها تنظيمات معادية. وقد تعزز التعاون العسكري ما بين الحلف وبلدان المغرب العربي، خاصة الجزائر والمغرب، في الفترات الأخيرة بحيث أصبح يشرف على تدريب العسكريين والخبراء الأمنيين من البلدين، كما لعبت الإدارة الأمريكية دورا كبيرا في رفع الحصار على التسلح الذي كان مفروضا على الجزائر منذ انطلاق المواجهات الداخلية العنيفة عام 1991 إثر انقلاب الجيش على صناديق الاقتراع. التهديد الأمني ووفق المنظور الأمني لزعماء الناتو، فإن منطقة المغرب العربي، ومعها منطقة الساحل الإفريقي، باتت تشكل مصدر تهديد حقيقي للاستقرار الأمني في شمال إفريقيا والضفة الجنوبية للمتوسط. إذ يعتقد الخبراء العسكريون في شؤون النزاعات والتهديدات الأمنية أنه ليس من المستبعد أن يكون تنظيم القاعدة قد حول تركيزه إلى المنطقة ، بعد الضربات التي وجهت إليه في أفغانستان. كما يرون أن"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية التي تنشط في المناطق الصحراوية يمكن أن تكون مصدر إزعاج أو حتى تهديد واقعي لعدد من بلدان المنطقة كالمغرب والجزائر وموريتانيا ، لذا تسعى بلدان الحلف، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية الطامحة في لعب دور أكبر في المنطقة، إلى تكثيف التعاون والتنسيق الأمني والعسكري مع بلدان المغرب العربي، وتنظيم مناورات عسكرية ثنائية مع كل من المغرب والجزائر، كان آخرها عملية"فلينت لوك" بين الجزائروالولاياتالمتحدة التي انطلقت في يونيو الماضي. وإلى جانب تعزيز الدور الأمني والعسكري لحلف الناتو في المنطقة، تسعى واشنطن إلى التقريب بين الجزائر والمغرب على خلفية التهديدات الأمنية، وفي هذا الإطار دخل البلدان المغاربيان في تنسيق جهودهما الأمنية المشتركة على الحدود بينهما، حيث انطلقت في شهر يناير الماضي أشغال بناء معبر على طول الشريط الحدودي لتسهيل تحركات الدوريات الأمنية للبلدين، كما قام الجيش الجزائري بإقامة مركز أمني على مشارف خط الحدود مع المغرب تم تمويله من طرف بلدان الاتحاد الأوروبي. غير أن هناك من يدعو إلى منح حلف الناتو في المنطقة المغاربية دورا أكبر مما هو عليه حاليا ، وتوجيهه ناحية محاربة المد الإسلامي بشكل عام، وهي أطروحة ظهرت خصوصا بعد تفجيرات مدريد ولندن. وقد دافع عن هذه الأطروحة رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسي ماريا أثنار زعيم الحزب الشعبي اليميني سابقا قبل ثلاثة أشهر، حينما وضع ورقة حول"حلف الناتو ودوره في محاربة الإسلاميين"، قال فيها إن الإسلام هو التهديد الرئيس لبلدان الغرب في القرن الحالي ، ودافع على أهمية وضع التهديد الإسلامي على رأس سلم الأولويات الأمنية المقبلة، بعد زوال الحرب الباردة واختفاء خطر الشيوعية "التي يجب أن يحل الإسلام محلها اليوم "حسب قول "أثنار" الذي دعا في نفس الورقة أيضا إلى دمج إسرائيل في الحلف كعضو كامل العضوية، بوصفها"دولة ذات قيم غربية في الشرق الأوسط". وإذا كان اجتماع الرباط لم يخلص إلى نتائج مهمة، على الأقل علنيا، إذ إن المراد منه هو الطابع الرمزي لجهة انعقاده في عاصمة دولة عربية ، وفي منطقة يراهن عليها الحلف بشكل أساسي في محاربة الإرهاب الدولي، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو:هل يتم جر بلدان المنطقة المغاربية إلى التقارب أكثر من حلف الناتو على حساب أمنها واستقرارها، لكي تكون جدارا يوفر الحماية لبلدان أوروبا ؟ وهل إشراك الدولة العبرية في المناورات العسكرية مع بعض بلدان المنطقة بداية للتطبيع النهائي والرسمي مع إسرائيل وإزالة جميع التحفظات من لدن هذه البلدان لصالح الأمن والتركيز على محاربة الإرهاب، بعيدا عن اعتبار ما تمارسه إسرائيل في فلسطين إرهاب دولة منظم ؟؟. المصدر : الاسلام اليوم