«إنَّ حصيلة تجربة السنوات الماضية تؤكد أنَّنا أمام نظام هو الأسوأ عربيّاً، والأشد تطرفاً في مجال الحقوق والحريات».. هكذا وصف الصحفي التونسي عبد الله الزواري أوضاع حقوق الإنسان والحريات في بلاده في عهد الرئيس الحالي زين العابدين بن علي. ولا يستطيع أحد أن يتهم الزواري بالتجني على النظام التونسي الذي يخنق يوماً بعد يوم بلداً عربيّاً مسلماً، كان بمثابة منارةٍ للعلوم الإسلامية، ونقطة ارتكاز لقطار الفتوحات العربية الإسلامية إلى باقي شمال إفريقيا والمغرب العربي ومن ورائه بلاد الأندلس. فقد بلغت الدولة التونسية مداها في انتهاك حقوق الإنسان والحريات, حتى وصل الأمر إلى حدِّ تبديل هُوية البلد الدينية والقيميّة والاجتماعية، عن طريق سلسلةٍ من القرارات والقوانين التي أتت على حق المواطن التونسي المسلم في العبادة، وحق المسلمة في ارتداء الحجاب، في كانون الأول الماضي صدر حُكم على 25 شخصاً من قادة وأعضاء حركات الاحتجاج الاجتماعي في البلاد بالسجن لفتراتٍ تتراوح ما بين أربعة إلى عشرة أعوامٍ بعد إدانتهم بتهم ملفقة مثل «التمرد المسلح والشغب»، إثر مظاهرات جرت في شهر حزيران الماضي, احتجاجاً على غلاء المعيشة وتردِّي الأوضاع الاجتماعية في البلاد، ومن بين هؤلاء الناشط الاجتماعي عدنان حاجي المتحدث باسم الحركة الاحتجاجية، وكل من بشير العبيدي وعادل الجيارة، من قادة التحرك. وكذلك التضييق على المدونين والصحفيين، ومنع عقد الاجتماعات العامة، وتعرض الأفراد المدنيين للضرب والتضييق على أيدي رجال الأمن والشرطة، وأحياناً الحظر على أنشطة منظمات حقوق الإنسان، ومن بينها الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ومنظمة «حرية وإنصاف» لحقوق الإنسان المحظورة» (!!) بما في ذلك تعرض نشطائها لاعتداءاتٍ بالضرب، ومصادرة جوازات سفرهم وقطع خطوط الهاتف الخاصة بهم. وقانون الصحافة في تونس يحظر طباعة أيَّة دوريةٍ لم تحصل على تصريحٍ من وزارة الداخلية، بحسب الفصل الثالث عشر من القانون، وهذا يعني أنَّه لن يتم نشر سوى الصحف التي تتلاءم مع سياسات ومواقف النظام الحاكم، أو بعض الصحف ضعيفة الانتشار التي تصدرها أحزاب المعارضة الضعيفة. نفاق غربي : وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ ملف حقوق الإنسان في تونس هو أحد الملفات الشائكة ذات الطابع السياسي بامتيازٍ, حيث إنَّ هناك العديد من الخلفيات التي تحكمه، وتحكم السلوك الغربي والدولي في إطاره، ومن بين هذه الخلفيات: 1- صمت الغرب «المتعمد» إزاء هذه الأوضاع في تونس. 2- تركيز السلطات التونسية على الممارسات المتعلقة بالتديّن، وهوية البلد الإسلامية في انتهاكاتها لحقوق الإنسان. وقد فتحت تقارير بعض المؤسسات الحقوقية الدولية الموثوقة, ومن بينها تقرير لجنة الحريات الصحفية الدولية ومقرها الولاياتالمتحدة، بمناسبة ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة من أنَّ تونس هي واحدة من الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الصحفيين والمدوّنين ومستخدمي الإنترنت في العالم العربي والعالم.. فنشطاء حقوق الإنسان في تونس، على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية، يتهمون الغرب وتحديداً كلٌّ من فرنساوالولاياتالمتحدة، بغض الطرف عن عمليات القمع والتعذيب والمحاكمات غير العادلة التي تجري في بلادهم، التي آخرها المحاكمة الجائرة التي تتم بحق الدكتور الصادق شورو الأمين العام السابق لحركة النهضة التونسية, بتهمة تتوارثها في ما يبدو الأنظمة الديكتاتورية العربية، هي محاولة إعادة إحياء «جماعة محظورة»، في إشارةٍ إلى حركة النهضة (الإسلامية). ومن بين هذه الاتهامات، تلك التي وجهتها المحامية الحقوقية راضية نصراوي وزوجها الناشط الشيوعي حمّة حمامي، إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والحكومة التونسية بتجاهُل الممارسات السلبية ل«بن علي»، لتحظى بدعم تونس لمواقفها في العالم العربي والشرق الأوسط. محاربة الدين : تقول الصحفية والناشطة البريطانية المسلمة، إيفون ريدلي: «كل يوم تقريباً تتناهى إلى أسماعنا قصص مفزعة عن رجال الشرطة في تونس، وأساليبهم في نزع الحجاب عن رؤوس النساء التونسيات.. بعض النسوة تعرضن للتحرش الجنسي، بل حتى أُلقِيْن في غياهب السجون بأمرٍ من السلطات الحاكمة، في حين أنَّهن لا ذنب لهن سوى الامتثال لفريضة دينية وهي ارتداء الحجاب». وتضيف ريدلي قائلةً: «ولعل اندهاش المرء يتزايد إذا تصور في المقابل حال السائحات الغربيات واستمتاعهن، وهن عراة، بحمامات الشمس التونسية في المنتجعات الساحلية». زين العابدين بن علي نفسه عبر أكثر من مرةٍ عن رفضه الصريح للحجاب، باعتبار أنَّه «زيٌّ مستوردٌ» وليس جزءاً من الثقافة التونسية، ولكن يبدو أنَّه لم يرَ الصور التي التقطت للتونسيات قبل توليه الحكم، التي تظهر بوضوح كيف كانت المرأة التونسية لا تخلع الحجاب في أيِّ مكانٍ تذهب إليه. لقد أصدرت الشرطة أوامرها للنساء بخلع أغطية الرأس قبل السماح لهن بدخول المدارس والجامعات أو أماكن العمل، بينما أجبرت الأخريات على خلعها أثناء سيرهن في الشوارع (!!)، وتفصيل ذلك كله مذكور في أكثر من تقريرٍ حقوقيٍّ دوليٍّ موثقٍ, مثل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في كانون الأول الماضي، الذي كشف عن أنَّ بعض النسوة اعتقلن من جانب قوات الشرطة، وتم اقتيادهن إلى مراكز الشرطة, حيث أُجبرن على التوقيع على تعهُّدٍ يقضي بتوقفهن عن ارتداء الحجاب. تفشي الإيدز : أكد أطباء تونسيون أنَّ استمرار الدولة في إبعاد الدين عن الحياة العامة، وخاصة في مناهج التعليم، أسهم في تفشي مرض (الإيدز) بين التونسيين، بسبب انتشار الزنا والدعارة، بمقابل أو من دون مقابل، وتقلص نسبة الإقبال على الزواج بسبب ضعف الواقع الاقتصادي والاجتماعي للشباب التونسي. وبحسب الأرقام الرسمية، يوجد في تونس 1009 إصابات بالإيدز، وتفيد تقارير لمنظمة الصحة العالمية أنََّ عدد المصابين فعليّاً يبلغ 3700 مصاب. فالنظام التونسي بإبعاده الدين عن الحياة الاجتماعية العامة والخاصة للمواطن، بات يحفر قبر هذا البلد الجميل بيديه.