- كيف تقيمون الأوضاع التونسية بعد 23 عاما من حكم الرئيس زين العابدين بن علي، وواحد وعشرين عاما من خروجكم من تونس؟ الشيخ راشد الغنوشي:البلاد في أزمة تتفاقم، أمام إمعان السلطة في اعتماد شرعيتها على عصا البوليس والإعتقالات العشوائية والمحاكمات المصطنعة، فضلا عن تفاقم نهب الأرزاق من قبل العوائل المتنفذة وتفاقم البطالة، واستمرار الأسئلة الكبرى الحارقة معلقة بلا جواب والتي كان التعامل معها الخاطئ مصدر الأزمة، وأهمها: أ- يعلم كل متابع للشأن التونسي أن أهم العوامل التي فتحت أبواب التفاؤل على مصارعها جاءت من اطلاقه صبيحة انتصابه عدة آلاف من مساجين النهضة هذه العقبة التي اصطدم بها العجوز الهالك وأودت بنظامه، ودخوله في حوار مع قادتها لتسوية هذا الملف الخطير، وأعطت مشاركتهم في انتخابات افريل 1089 زخما كبيرا لها غير مسبوق بما كان يعمر الراي العام من تفاؤل وأمل في المستقبل، إلاّ أن تورّط نظام 7/11في مستنقع التزييف الواسع عودا بحليمة الحزب الحاكم الى عادتها القديمة، وبروز برلمان بلون واحد أطاح بكل تلك الآمال، وأحلّ محلّها خيبة آمال مريرة، سارعت السلطة الى الحلّ السهل القاتل، اعتماد خطة استئصال شامل للمعارض الأساسي في البلاد، بما أجهز على السياسة وعلى بيان 7/11، بمزيج من القمع البوليس والقضائي والتشويه الإعلامي و الإصرار على رمي المنافس السياسي بالإرهاب وتهديد مكاسب الحداثة، وهي اتهامات لم يعد يصدقها أحد، لا داخل تونس ولا خارجها. والدليل على ذلك :اندراجها ضمن هيأة 18أكتوبر التي تنضوي تحتها أهم أحزاب المعارضة وهيآت من المجتمع المدني وشخصيات، لا يمكن لأحد التشكيك في ديمقراطيتها وحداثتها. أما في الخارج فقد قبل مهاجروا النهضة لاجئين في كل دول الإتحاد الأروبي وكندا واستراليا ونيوزيلاندا، حيث تعتبر شهادة الإنتماء المسلّمة للنهضوي طالب اللجوء موقعة من رئيس النهضة وثيقة أساسية في قبول مطلبه، كما فشلت كل دعاوى السلطة أمام محاكم أروبية في تجريم النهضة بالإرهاب، بل برّأت رئيس النهضة من التهمة وأجبرت المحاكم وسائل الإعلام التي تورطت في ذلك على الإعتذار ودفع الغرامات العالية لرئيس النهضة. ب-الملف الثاني الذي ظلّ معلقا رغم تفاقمه ملف الفساد، فرغم تداول المعلومات حول وقائع الفساد على كل لسان، بما في ذلك وسائل الإعلام الخارجية، وفي منتديات التونسيين، فلم يحصل أن أقدمت السلطة على محاكمة كارتل من كارتلات الفساد الكبرى التي يردد الناس أسماءها صباح مساء. ج- الملف الثالث ملف الخلافة، فرغم أنها الدورة الرئاسية الأخيرة للرئيس بحسب الدستور وبحسب السن الذي يكون قد استشرف الثمانين حين انتهاء دورته، ورغم إلاشاعات عن صحته التي تطفو على السطح مدة ثم تخبو لتعاود الظهور، والرئيس بشر ليس مبرأ من عوارض البشر، فلا يزال الصمت الرسمي مطبقا حول هذه المسألة الهامة، وهو ما يضيف عاملا آخر قويا الى القلق العام حول مستقبل البلاد. فما ظنك بحال بلاد تجتمع عليها مشكلات من هذا الوزن الثقيل وتظل معلقة بلا جواب؟ لا جرم أن تفرز الأمراض المزمنة تقيحاتها، ومن ذلك ظهور بؤر انتفاضات شعبية تنقلت بين أكثر من جهة من جهات البلاد، بدأت بالأطراف في منطقة الحوض المنجمي بجهة قفصة، وانتقلت الى قرى أخرى احتجاجا على البطالة وعلى المحسوبية، كما تفاقمت الإضرابات وتتالت محاكمات شباب الصحوة الإسلامية الجديدة التي تفجرت على امتداد البلاد مخترقة كل الطبقات، بما يشبه الإنتفاضة الدينية الصامتة، التي لم تجد معها السلطة غير توخي مزيج من السياسة والقمع، من طريق الإفراج عن إذاعة للقرآن الكريم وبعض الإجراءات الأخرى، وفي الوقت ذاته القيام بحملات شملت آلاف الشباب، وإخضاعهم لضروب وحشية من التعذيب، وإصدار أقسى العقوبات عليهم بتهمة الإرهاب، والتفكير في الإلتحاق بالمقاومة العراقية. أما الإضرابات العمالية، فرغم تواطئ الرسمية النقابية، فقد اتسعت دائرة الإحتجاج على تدني القدرة الشرائية وطرد العمال وقفل أبواب المؤسسات نتيجة لسياسات رأسمالية فرضت على البلاد. ومع حرص السلطة على الإستجابة لمطالب النظام الدولي في كل الميادين الإقتصادية و السياسية و القضائية و الأمنية، وجزيت على ذلك بقبولها أول شريك لأروبا في الجنوب المتوسطي، إلا أن طلبها في الحصول على رتبة الشريك الممتاز التي حصلت عليها المغرب رغم تأخرها عن تونس في دخول نادي الشراكة حزّ كثيرا في نفوس أهل السلطة، وعبر عن مدى الإستياء الأروبي من إحجام السلطة عن معالجة ملفات أساسية ولو بالحد الأدنى المعقول، مثل ملف الفساد والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام. كل ذلك يضع البلاد على طريق المجهول، وتفاقم التأزم واتساع دائرة الإحتجاج الشعبي، والإنتفاض وصولا الى حالة التفجرالعام، بما يعيد للأذهان انتفاضات 78و84 من القرن الماضي - من حوار أجري لصحيفة الشروق الجزائرية بتاريخ 9 ماي 2010