لنتفق أولا على المصطلح! فالارهاب ليس المقاومة المشروعة للاحتلال كما يقول كل العرب والمسلمون الشرفاء،و كما يقول القانون الدولي كذلك، و لكن أيضا كما يقول العرب والمسلمون الأمناء، و كما يقول القانون الدولي كذلك، فالارهاب الأعمى الذي يضرب الأبرياء و يقتل المدنيين العزل و يحل الدم الذي حرمه الله هو الذي نستهدفه و سنظل له أعداء الى يوم الدين. و هذه الأيام تطلع علينا الصحف بجريمة اغتيال سياح أوروبيين في عمان عاصمة المملكة الأردنية بدعوى الانتقام لاستشهاد شقيق الجاني في لبنان! و المجرم يقتل سياحا كل ذنبهم أنهم اختاروا الأردن و فضلوا قضاء الاجازة في بلد عربي اسلامي مضياف و ذي حضارات على قضاء اجازتهم في أسبانيا أو ايطاليا أو فرنسا وهي بلدان توفر لهم البحر والشمس و الأمن! غريب أمر هذا الارهاب المجنون الغاشم و الذي يقتل بلا وجه حق و يشوه صورة العربي في العالم وهي لا ينقصها تشويه! و تحمل لنا الأنباء كذلك صور المداهمات التي نفذتها السلطات البريطانية لافشال مخططات اجرامية ترمي الى الاعتداء على المسافرين على متن الطائرات أو القطارات الامنة أو المجمعات التجارية المدنية في بلاد عرف مجتمعها و لا أقول سياسة حكوماتها بالعدل و ادماج الوافدين و توفير الحماية للمضطهدين دستورا و قانونا. و من جهة أخرى تطلع علينا الشاشات من تركيا بمشاهد استهداف الفنادق و المنتجعات التي يؤمها الأتراك والأجانب و يعيش على ريعها مئات الالاف من المواطنين في ذلك البلد المسلم الكبير.و في المملكة المغربية يقع اكتشاف شبكة تقول السلطات أنها تخطط لأعمال عنيفة تقوض الأمن و تفتح أبواب الفتنة.أما في العراق فالفرق واضح بين المقاومة التي لا يجادل فيها مجادل و بين الارهاب الذي يقتل الشيعي لأنه شيعي والسني لأنه سني و الكردي لأنه كردي. و بالطبع فان الاحتلال الذي لا مشروع لديه هو المسؤول الأول عن تردي حالة الأمن بسبب القضاء على مؤسسات الدولة العراقية من جيش نظامي و أجهزة أمن و بنية تحتية و جامعات متقدمة و اختراق المجتمع العراقي النبيل بمئات المندسين من مختلف المصالح الجاسوسية المشبوهة و الشركات العالمية العابرة للقارات المستفيدة من بث الفوضى و اذكاء نار الفتنة. و عندما أجزم بأن الارهاب الفردي الذي ذكرت عينات منه ما هو الا نتيجة تكاد تكون حتمية للارهاب الرسمي الذي تمارسه قوى الاحتلال ضد الشعوب المغلوبة على أمرها، فاني لا أمارس أية عقيدة ايديولوجية بل أستعرض الأرقام و الحقائق الصادرة عن مصادر الدول الجائرة نفسها و عن مراكزها الاستراتيجية و وزاراتها : فالضحايا المدنيون للحرب في العراق و أفغانستان فاق تعدادهم المائة و الثلاثين ألفا منذ العمل الارهابي الذي دمر البرجين في نيويورك يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 أي أننا اذا اعتبرنا بأن الارهاب هو قتل المدنيين بدون وجه حق فان ضحايا الارهاب الرسمي يفوق ضحايا الارهاب الفردي بمئات المرات. و في فلسطين و لبنان ليس هناك وجه مقارنة بين ما اعتبرته اسرائيل ارهابا عربيا وبين ما قامت به تلك الدولة من مجازر راح فيها الشهداء المدنيون الأبرياء بالالاف. ثم انه من العبث أن تدين بعض الدول الارهاب الفردي لأنه ينتقم من المدنيين ما دامت الدول أيضا تنتقم من المدنيين. فنحن اذن شاهدون على نفس السلوك المدان أ صدر الفعل عن شخص أم صدر عن دولة، وهذا هو الارهاب كبيره و صغيره وهو دوامة العنف و العنف الأشد منه لا تنتهي الا بانتهاء الأسباب. و هنا فان المجتمع المدني العربي مطالب بتحمل أمانة اقتلاع الارهاب بنوعيه من جذوره، بدءا بتنقية برامج التربية و التعليم و كذلك المحتوى الثقافي من كل كراهية أو حقد للاخر المختلف بسبب اختلافه، أي تركيز البنية الفوقية الفكرية على العقل. فالعقل كأنما أصبح لنا عدوا بينما نحن علمناه للحضارات الأخرى و منها الحضارة الغربية، باعتراف النزهاء من أبنائها. و أنا أعيد هذه الأيام مطالعة أشهر الكتب الأكاديمية التي كتبها علماء غربيون حول أسس حضارتهم، و أهمها كتاب المؤرخ الفرنسي / جون توناي الصادر في باريس عام 1957 بعنوان ( الحضارة الغربية: جذورها و قيمها و مبادؤها ) يؤرخ فيه لبداية النهضة الغربية بدخول العلامة ابن رشد سنة 1169 الى الثقافة الأوروبية ليفتح لها أبواب الفلسفة اليونانية و أبواب الفكر المسلم القائم على العقل. و هذا المؤرخ الفرنسي خص الرشدية المسلمة بفصل كامل يشكل خمس الكتاب المذكور. و لعل رسالة المجتمع المدني العربي هي أن تقوم بدورها في اقتلاع جذور الخرافة و التطرف من الثقافة و السلوك لدى الفرد و الجماعة، تلك الجذور الوهمية التي دفعت شبابا مصريا الى محاولة اغتيال كاتب عملاق بحجم الراحل العزيز نجيب محفوظ أو رفع قضايا باطلة ضد المفكر الحر نصر حامد أبو زيد، أو التسابق نحو تكفير الناس بدون علم و بدون حق. و أنا كمسلم لي مواقفي و أفكاري في قضايا أمتي لكني أمتنع قطعيا عن ادانة هذا أو ذاك ممن يخالفني الرأي أو تشويه سمعته أو هتك عرضه كما يفعل الجبناء الذين ابتلينا بهم في بعض المواقف. فالمستقبل مهما كانت مواقعنا للاختلاف و الائتلاف و ليس لوحدانية الرأي و قمع الرأي المخالف. وهي الثقافة التي علينا نشرها و اشاعتها لنقوى على أعدائنا لا بالارهاب بل بالقوة العقلية و القدرة على مماسة الحرية التي هي مسؤولية.