تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمان الحامدي: إعدام الرئيس

تذكرت هذا الشعار و أنا أشاهد مع ملايين البشر من أبناء و بنات أمتنا والعالم عملية إعدام الرئيس السابق لدولة العراق؛ شعار رفعه حشد من العراقيين و هم يلتفون حول رئيسهم إثر ظهوره المفاجئ في إحدى شوارع العاصمة بغداد بعد فترة إختفاء إثر الغزو الأمريكي البريطاني الثاني للعراق.. و تساءلت في قرارة نفسي وأنا أرى حبل المشنقة يلتف حول عنق الرئيس عن مدى إيمان الشعب العراقي بهذا الشعار وأنا الذي إعتقدت بسذاجة المواطن العربي الحالم بخلاص الأمة مما هي فيه أن الجيش العراقي ستكون له جولات و صولات في التصدي للغزاة في مرحلة أولى وأن الحرس الجمهوري بولائه المطلق للرئيس وبما لديه من أسلحة متطورة و بما أنفق عليه حزب البعث العربي في العراق من أموال طائلة لتدريبه أحسن تدريب سيكون الورقة الرابحة في الأخير لتلقين الغزاة درسا لن ينسوه في قدرة الأمة على كبح جماح الغطرسة الأمريكية في المنطقة.
كان هذا حلمي!
وتمضي الأيام ويختفي قائد القوات العراقية المسلحة و صانع أمهرنخبة قتالية في تاريخ العرب؛ و أعني به الحرس الجمهوري؛ ليقع الإعلان فيما بعد عن العثور عليه في حفرة !! وفي هيئة إنسان العصر الحجري!! و لا أخفي عليكم حينئذ تلك الأحاسيس المتناقضة التي حاقت بي وأنا أشاهد جنديا أمريكيا يفحص الرئيس العراقي كما يفحص شاة!
و كانت الرسالة وا ضحة للأمة: هذا نبيكم الذي آمنتم بأن يعيد أمجاد أمتكم؛ ها هو اليوم ذليل بين أيدينا؛ نحن سادة العالم؛ فلا نبي لكم بعده!!!
لم أستطع حينها أن أميز بالتحديد حقيقة مشاعري لأني و ببساطة لم أجد الكلمات المناسبة للتعبير عنها؛ فأطلقت العنان لعقلي و تساءلت أين الجيش العراقي؟ وأين تلك النخبة من رجال الحرس الجمهوري المسلحة تسليحا جيدا و الذين روى الناس عنهم الأساطير في درجة الولاء لصانع عزهم الرئيس صدام حسين؟
أسئلة لم أجد لها سوى إجابة واحدة من شيخنا راشد الغنوشي وهي أن السبب قد يكون متعلق بخيانة من لدن هذه القوات؛ وهو ما قوى في ذهني؛ وأنا الجاهل بتعقيدات الوضع في العراق؛ إحتمال و قوع صفقة بين هذه القوات والقوات الغازية! خلاصتها باللهجة التونسية( بينكم و بينو) أي( المشكلة بينكم و بين صدام) أتركونا بسلام و خذوا ما جئتم لأجله ولكم منا السلام!
حقيقة مرة قد لا يقبلها البعض من أبناء الأمة من الذين يعسر عليهم هضمها والتي ذهبت بأحلامنا جميعا أدراج الرياح؛ كما يعسر عليهم بالنتيجة مواجتها بآثارها المحبطة في النفوس وهو ما ينبغي في رأيي أن نفعل عكسه: أي نواجه الواقع بمرارته حتى نساهم مع الأمة في إستخلاص ما يمكن أن يساعدنا على المضي إلى الأمام !!
كان أول محاولة مني لمواجهة هذه الحقيقة المرة وجها لوجه طرح السؤال التالي ببساطة: ماالذي جعل قواتنا هذه تتخلى و بشكل غير مفهوم ولأول و هلة عن الزعيم الذي صنعها بيديه؟ مالذي جعل هذه القوات التي يدعو الرئيس الراحل عناصرها في خطبه ب ''أيها النشامئ'' و التي تربت على الولاء المطلق للزعيم وعلى معاني الفداء والبطولة والرجولة إلى آخره؟ مالذي جعلها تبخل عليه و على العراق بالغالي و النفيس؟!
ماالذي جعلها لا تقدم أنفسها فداء لحماية أرض العراق و زعيمها من الغزاة و هو ما فعلته بشجاعة نادرة عندما قلبت موازين القوى لصالح العراق إثر إحتلال القواة الإيرانية لميناء البصرة إبان الحرب الإيرانية العراقية؟ إذ من باب أولى وأحرى أن تقوم بأكثر من ذلك إذا تعلق الأمر بمن صنفتهم النخبة بأعداء الأمة الحقيقيين وأعني بهم الأمريكان و أذنابهم كما يقال في لغة التخاطب السياسي!!
الإجابة الصحيحة والكاملة عن هذا السؤال بيد العليم وحده و قد يكون جزء منها بيد من عايشوا تلك الفترة عن كثب وإطلعوا على خيوط اللعبة كما يقال و تشابكاتها و خفاياها.
لن يمنعني هذا من أن أدلي برأي قد لا يوافقني فيه الكثيرون وقد يحتمل لدى البعض وجها من الصدق و يبقى الغرض في الختام مساهمة مني متواضعة في تشخيص بعض مما تعيشه الأمة و فهمه عسى ذلك يساعد قليلا!
إذا إتفقنا على أن من بين أسباب المصير الذي لقيه الرئيس العراقي هو تخلي من و ثق فيهم دوما و حملهم أعباء حمايته الشخصية و حماية البلد في الأوقات الصعبة؛ أمكن لي طرح الأسئلة الإستفهامية التالية؟
أولا:هل أن التخلي عن صدام حسين كان بسبب موقف سياسي و إنساني من قبل قيادات القوات المسلحة العراقية هدفه تجنيب البلاد أنهارا من الدماء أمام عاملين إثنين هما:
إختلال موازين القوى مع الغزاة خصوصا بعد حصار شامل للعراق دام سنوات و لم ينج من آثاره المدمرة عراقي بما جعل الدفاعات المعنوية والروح القتالية للجيش و نخبته تصاب بالضمور و الفتورخصوصا بعد تجريد العراق من أسلحته؟
ثانيا تصميم القيادة السياسية الأمريكية هذه المرة على إسقاط النظام العراقي بأي ثمن خصوصا و أنها تراجعت عن ذلك لحسابات؛ ليس هنا المجال للحديث عنها؛ إبان الغزو الأول للعراق عند ما و صلت القوات الأمريكية بقيادة شوارزكوف إلى مشارف بغداد..
بعيدا عن الإيغال في تبني نظرية التآمر لوحدها والتي إعتادت جملة من النخب العربية تحليل ما يحدث للأمة من خلالها بإعتمادها كقميص الخليفة عثمان إبن عفان في النظر للنكبات و تعليق كل ما يحدث للأمة على شماعة الغرب!!!
وبعيدا عن أهمية العراق والمنطقة عموما من الناحية الإستراتيجية لضمان تدفق البترول و أمن الكيان الصهيوني مما جعلها محط الأطماع المتواصلة و خطط الهيمنة.
و بعيدا عن ردات الفعل و لغة البيانات التنديدية بعملية الإعدام على أيدي ممن صنفوا بأعداء الأمة وعملاؤهم بالعراق وبغض النظر عن توقيتها و كيفيته.
وبعيدا عن لغة الرثاء والتمجيد لشخص الرئيس الفقيد والتي تندرج في إطار لملمة الجراح و التنفيس عن الشعور بحالة عامة من المشاعر إختلط فيها الإحساس بالظلم والغبن والقهر واليأس من حكام أصروا على لعب دور المتفرج في حق رجل تجرأ على ما خلنا لعقود أن لن يتجرأ عليه أحد وهو تحدي الممنوعات الدولية و قائمة الخطوط الحمراء التي وضعها سادة العالم الحاليين لضمان إستمرار الهيمنة التي يسمونها زورا و بهتانا السلام العالمي أو الإستقرار و السلم الدوليين!!
فصدام حسين عانق بعضا من أحلام الأمة عندما تجرأ على ضرب الكيان الصهيوني بما طوره من صواريخ الحسن و الحسين و العباس؛ في إطار من توازن الرعب؛ وبذالك ضرب ومن جديد أسطورة الجيش الذي لا يقهر وسعى لإمتلاك ما يسمى بالأسلحة المحرمة دوليا إلا على الصهاينة من أجل إعادة توازن الأمة عسكريا مع الكيان الصهيوني وخلط الأوراق من جديد في المنطقة كما شجع الحركة العلمية و تضامن مع القضية الفلسطينية ومول؛ على عادة الأنظمة القومية فصيلا أو فصائل منها؛ مع إقصاء فصائل أخرى؛ ورعى أسر بعض الشهداء؛ ومد يد العون والمساعدة إلى الشعوب العربية؛ و فتح أبواب العراق لكافة العرب ؛ و أمم صناعة النفط في بلده و حقق نوعا من الرفاهية
لذلك و لغيره كانت ردود الفعل التي أتبعت عملية الإعدام تعبيرا آليا وطبيعيا تجاه رجل بهذا الحجم؛ وهي تندرج ضمن ميكانيزمات التعويض و هو أمر مفهوم من باب ما يسمى ب
Processus de deuil
بإعتبار حاجة الكثيرين من أبناء الأمة إلى هذا الأمر!
إنه موعد آخر للأمة مع العزاء و السلوان والتي وصمت حياتها لأحقاب طويلة من الزمن بدءا بإنهيار الخلافة و ضياع فلسطين و مرحلة الإستعمار و وتعدد نكبات الأمة في هذا القرن و الذي قبله من البوسنة و الهرسك إلى الشيشان إلى أفغانستان إلى العراق حاليا؛ والله وحده يعلم على من الدائرة مستقبلا وبأي حال لن تغادر النكبات الأمة و لن تخرج عن حياضها ولا يبدو في الأفق القريب أن الأمة ستستريح منها ولو إلى حين!!
قلت إذا؛ بعيدا عن هذه العوامل مجتمعة في فهم ما حصل للرئيس و ما حدث ولا يزال يحدث للعراق و للأمة؛ فإني أرى و الله أعلم؛ أن جزءا كبيرا مما حدث للرجل و للعراق يتحمله حزب البعث العربي الإشتراكي بقيادة قائده صدام حسين؛ وهي تجربة عددت ما لها آنفا وآن الأوان أن أعدد ما عليها:
لقد كان خطأ حزب البعث إستراتيجيا بكل المقاييس فهو لم يشأ من ناحية الإرتهان إلى الغرب كلية كما تفعل الإنظمة العربية الحالية بحيث مكنها ذلك من ممارسة ديكتاتوريتها على شعوبها في مأمن من التدخل الأجنبي و المحافظة في آن على عروشها بالإبقاء على مصالح هذا الأجنبي فيها.
ومن ناحية ثانية؛ وهذا هو الوجه الثاني للمفارقة المضحكة المبكية؛ لم يحسن صدام و حزبه الإحتماء بشعبه والمراهنة عليه.بصيانة كرامة الإنسان في العراق و حفظ حرماته.
و الذين يتحدثون عن الفتنة الحالية في العراق ويردون سبب زرع بذورها إلى الأمريكان بالتنسيق مع من يسمونهم بالعملاء من الطائفة الصفوية والأكرد يتغافلون عن حقيقة أن هذه الفتنة زرعت بذورها منذ مجيئ نظام صدام حسين إلا أنها بقيت نائمة بحد السلاح و الدكتاتورية و ذلك عندما كان حزب البعث يحكم بتلك الشوفينية المتعصبة للعنصر العربي والتي جرعت إخوتنا الأكراد الغصص تلو الغصص و شردتهم في بلدهم و في المهاجر شر تشريد أوعندما كان يحكم بتلك النرجسية و هي الوجه الآخر للشوفينية عبرضرب إخوتنا الشيعة وقتل علمائهم و مفكريهم؛.
فالتربة كانت جد خصبة بسبب ثلاثة عقود من الإستبداد لتنتج تلك الأحقاد التي جعلت؛ على سبيل المثال لا الحصر؛ الذين وضعوا حبل المشنقة حول رقبة الرئيس لم يمهلوه؛ إنتقاما؛ حتى ينهي نطقه كاملا للجزء الثاني من الشهادة في المرة الثانية(لمن تابع شريط الإعدام كاملا يمكن أن يلاحظ ذلك بسهولة)**.
إن الإستبداد ومركزية القرارات وحكم العصبيات و غياب الشورى من بين ما أعمى حزب البعث العفلقي* الصدامي عن إدراك حقائق التوازنات الدولية وسياسة المراحل في تغيير موازين القوى والتصدي للمؤامرات بالمناورات الحكيمة والبحث عن التحالفات الصحيحة وإعطاء الزمن اللآزم لكل ذلك والمراهنة في الأول و الآخر على الشعب وهو ما تفعله حاليا ثمان دول في أمريكا اللآتينية للتخلص رويدا رويدا ودون حرق للمراحل من الهيمنة الأمريكية وعبر المراهنة على قيمة العمل وكرامة الإنسان المواطن.
لئن كان حزب البعث في العراق قد فهم ما يخطط له الغرب في حق الأمة وفقه إستراتيجيات الغرب الموضوعة للحفاظ على الهيمنة؛ إلا أنه؛ برأيي؛ لم يحكم إدارة اللعبة السياسية وفنونها للتصدي إلى مخططات الهيمنة وما تتطلبه من تحالفات و مشاورات و خطط!! بل و قع فيما هو محظور حقيقة عندما إستنزف شعبه و جيشه و ثروات البلد و لمدة ثماني سنوات في حرب لم أشهد مثيلا لها في الغباء بدعوى مقاومة الفرس و إسترجاع الخليج الفارسي العربي؛ وهو في الحقيقة يخدم أجندة أمريكية في القضاء على الثورة الفتية في إبانها و التي راح ضحيتها من الجانب الإيراني فقط مليون شهيد!
ثم أعاد الكرة بغزوه الكويت وإعتبارها المحافظة التاسعة عشر للعراق؛ و هو ما يفسر إلى حد كبير وبرأيي؛ عزوف الحرس الجمهوري والجيش العراقي عن الدخول في مغامرة ثالثة وإن كانت هذه المرة من أجل حماية الزعيم والقائد صدام حسين!!
إن ثقافة الإستبداد التي تربى عليها أجيال من الأمة بدءا بالبيت ثم المدرسة ثم مكان العمل قد ترتبط في ذهنية الإنسان العربي بالشوفينية والنرجسية إذا إقترنت بسلطة ونفوذ كبيرين فتتحول إلى عمل سادي بشع عبر إستعمال السلاح الكيمياوي في العراق مثلا ضد الشعب الكردي؛ و الإغتيالات السياسية؛ و جدع الأنوف و الآذان؛ والتعذيب حتى الموت وإنتهاك الأعراض وحفر المقابر الجماعية التي شملت سنة و شيعة وأكرادا مما حدا بأحد المحللين إلى القول بأن الأمة لم تشهد في تاريخها الحديث و القديم ديكتاتورا أكثر دموية من صدام حسين و حزبه!!
إن هذه الممارسات في حق شرائح من الشعب العراقي لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا ونحن نستعرض واقع العراق وننعى وفاة الزعيم لأن التاريخ لن يهملها وإن تعمد بعض من نخبنا إخفاءها في معرض تعدادهم لخصال الزعيم وتمجيدهم لسيرته ورثائهم له تأثرا بما يكونوا شاهدوه من كيفية إعدام الرئيس في يوم عيد وعلى أيدي أمريكية و طائفية.!!
ممارسات البعثيين في العراق جعلتني أقول في نفسي: بأي ثمن و بأي مقابل أنجز صدام و حزبه ما أنجز؟ ثم تساءلت وأنا أطالع ما كتبه البعض عن الراحل: لو أن أحد هؤلاء كان له قريب أو حبيب من ضحايا التعذيب أو الإغتيالات السياسية أو من ضحايا السلاح الكيمياوي أو من ضحايا الأنفال(ردم
الآلاف من الأكراد أحياء في خندق محفور خصيصا لهم) أو أو أو فبماذا كان سيذكر الرجل؟؟؟!
أقول؛ و هذا يلزمني و حدي؛ بئس الإنجازات مهما علت إذا تساوق معها دوس لكرامة الإنسان و إستباحة لدمائه و عرضه و ماله و صدق الله تعالى عندما قال ''...من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا...'' المائدة آية32 و تعسا لإنجازات يكون وقودها حرمات البشر و كراماتهم!
إن لعنة الإنسان المداس ستلاحق أي حاكم مستبد وتلك؛ والحمد لله؛ من سنن الله في خلقه التي بدأها بنفسه سبحانه و تعالى عندما دمر أقواما بسبب ظلمهم وهو مدار كل قصص القرآن التي لم يستفد منها الظلمة في شرق الأرض و غربها مهما أوتوا من العلو و القوة!
فإذا لم يكن الإنسان هو المنطلق و هو الغاية في كل ما ينجز موصولا بالله أولا و أخيرا؛ تكون النتيجة مصداق قوله تعالى'' فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض'' صدق الله العظيم.
ذهب صدام و ذهب حزب البعث و إنجازاته!
ذهب جمال عبد الناصر و ذهب حزبه و كثير مما أنجز!!
و ستذهب أمريكا و عملاؤها؛ كما سيذهب الكيان الصهيوني بشهادة بعض من إستراتيجيي أمريكا أنفسهم!!
إنها ثقافة القرآن التي علمتنا أن عرش الرحمان يتزلزل لظلم الإنسان أخيه الإنسان.
و أنه لن تبنى حضارة أو تدوم من جماجم المظلومين؛ ودموع الثكالى و آهات المعذبين ودعوات الشيوخ و صراخ الصبية وإغتصاب الحرائر من بنات أمتنا العفيفات.
و لن تقوم قائمة الأمة إلا بأناس يدركون قيمة الإنسان الذي كرمه ربه وعلمنا نبيه صلى الله عليه وسلم كيف يكون التكريم؛ فيراهنون عليه على أن يكون كل ذلك موصولا بالله حتى لا تكون المراهنة عوراء فنخطئ الطريق الذي أخطأه الأمريكان والشعوب المتقدمة بمراهنتهم على الإنسان في الغرب دون وصله بالله مما يفسر ما هم فيه من تناقض و تخبط رهيب بين ما يدعون إليه من حقوق الإنسان في بلدانهم و ما يسمحون به للأنظمة؛ التي يدعمونها؛ من دوس لهذه الحقوق في حق شعوبها !!
كيف لا و قد إتخذ الغرب من مصالحه ربا ومن براجماتية التعامل غير الأخلاقي نهجا و من الميكيافيلية هدفا!!
وفي الختام رحم الله كل شهيد عراقي دون إستثناء و دون أن أزكي منهم على الله أحدا ولله الأمر من قبل و من بعد وحسبنا الله و نعم الوكيل. و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
*نسبة إلى ميشال عفلق صاحب نظرية البعث العربي
** لمن فاته مشاهدة شريط إعدام الرئيس صدام حسين كاملا إضغط على الوصلة التالية:
http://www.liveleak.com/
لاجئ سياسي مقيم بسويسرا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.