و أنا أقرأ المقال المعنون" أما لهذه المأساة من نهاية" للدكتور عبد المجيد النجار، وجدته في بضع فقرات قد وضع النقاط على الحروف، فلخص مشكلة الإسلاميين و السلطة تلخيصا موجزا منصفا و محايدا ثم وصف العلاج الناجع و المنطقي و المتاح فكان حديثه يفيض عقلا و رصانة و موضوعية في مسؤولية و وطنية قل و جودها في زمن التملق الكاذب المدمر للأنفس و الأوطان. فهل من عاقل حكيم في السلطة و دوائر النفوذ يقدر هذا الكلام و يمضي في تحقيقه في الواقع؟ حقا و صدقا إني أتمنى أن يغتنم بن علي و حاشيته هذه الفرصة الذهبية لإنقاذ الوطن و بناء صرح الثقة من جديد بين أبنائه فيبادرون فورا و بدون وسائط في حوار وطني شامل يزيل الإحتقان و يعطي كل ذي حق حقه فإن وجدوا محاورا مسؤولا من كل الأطراف الوطنية بلا استثناء فقد نجحوا في بناء وطن الغد الذي يتسع للجميع و يأمن فيه الجميع و إن لم يجدوا الأيادي الممدودة فقد برّ أوا ذمتهم أمام الله و التاريخ و أقاموا الحجّة على الفرقاء. والله لو كنت مكانك يا بن علي ولا أتمنى أن أكون، لعظم الأمانة و ضخامة المسؤولية أمام الله أولا و أمام التاريخ لو كنت مكانك لبعض الوقت لرفعت سمّاعة هاتفي مباشرة و اتصلت بالشيخ راشد الغنوشي أو الدكتور النجار و حددت معه موعدا قريبا للحوار المباشر دون شروط. و بذلك تتبع السارق حاشى الشيخ و الدكتور أن يكونوا سراقا و لكنه المثل التونسي إلى باب الدار. و هذا لعمري لن ينقص من ملكك شيئا و لن يزيدك إلا براءة أمام الله ورسوله، سيما و قد تجاوزت السبعين واقترب لقاؤك مع الله و كلنا للقاء الله سائرون. فهل لك من عمل تختم به حياتك و يشفع لك أمام ربك عسى أن يقبل الله توبتك و يغفر لك الدماء التي سالت في سجونك و شوارعك بغير حق. هي فرصتك و رب الكعبة فالكل يتحدث عن الإنفراج و أنا متأكد أنك قرأت ما كتبه المخلصون من أمثال صلاح الدين الجورشي في مقاله " ماذا بعد العفو الرئاسي " أو الأستاذ مرسل الكسيبي و غيرهم من الوطنيين الصادقين و لك في نصائح الدكتور النجار خير مثال في هذه الكلمات التي لك ان تأمر بكتابتها بماء الذهب " أما إذا كان العقلاء يريدون حلا لإنهاء هذه المأساة، وتفكيك أسبابها بالوئام فإنهم كما أعتقد في قناعتي الشخصية سيجدون طرفا محاورا كما اتصف بالرجولة عندما خاصم أو خوصم، فصبر وصابر، وتجرّع الآلام، وامتصّ الأوجاع فلم يردّ مطلقا بعنف، ولم يستنصر مطلقا بجهات خارجية على حساب الوطن بل على حساب من خاصمه من أهل الوطن، فإنه يتّصف بذات الرجولة حينما يحاور، فيبدي من المرونة والتدرّج في الإجراءات والوسائل بقدر ما يبدي من الصلابة في القيم المبادئ، ويبدي من الشجاعة ما يعترف به من أخطاء الذات حينما تستبين له، وما يتفهّم به أوضاع المحاوِر وظروفه ومقتضياته حينما يقتنع بها، ويعطي من الالتزامات والمواثيق ما يكون له قدر محقّق من الوفاء، فالمرجعية الأساسية هي مرجعية التزام ديني ثابت وليست مرجعية ذرائعية ليس لها قرار، كلّ ذلك في سبيل أن يصطلح الوطن بكلّ فئاته مع نفسه، فلا يبقى فيه من يشعر بظلم قد يجرّه إلى حقد، ولا من يشعر بقهر قد يجعل نفسه تحدّثه بانتقام". ختاما أسوق لك سيادة الرئيس و للشيخ راشد الغنوشي هذه القصة من تاريخ سلفنا الصالح. قصة سيدنا عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله صلى اله عليه وسلم: " أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الطاغية: تنصّر وإلا ألقيتك في البقرة،( البقرة إناء كبير من نحاس)، قال: ما أفعل. فدعا بالبقرة النحاس فملئت زيتاً وأغليت، ودعا برجل من أسرى المسلمين فعرض عليه النصرانية، فأبى، فألقاه في البقرة، فما رأى إلا عظامه تلوح على سطح الزيت المغلي ، وقال لعبد الله: تنصّر وإلا ألقيتك كما ألقيت صاحبك. قال: ما أفعل. فأمر به أن يلقى في البقرة فبكى رضي الله عنه، فقالوا: قد جزع، قد بكى: قال الطاغية: ردوه. فقال رضي الله عنه: لا ترى أني بكيت جزعاً مما تريد أن تصنع بي، ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفسٌ واحدة يفعل بها هذا في الله، كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعرة في جسدي، ثم تسلّط علي فتفعل بي هذا. فأعجب به الطاغية: وأحبّ أن يطلقه، فقال: قبل رأسي وأطلقك. قال: ما أفعل. قال تنصّر وأزوجك بنتي وأقاسمك ملكي. قال: ما أفعل. قال قبل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين. قال: أما هذه فنعم. فقبّل رأسه، وأطلقه، وأطلق معه ثمانين من المسلمين. فلما قدموا على عمر بن الخطاب قام إليه عمر فقبل رأسه، قال: فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازحون عبد الله فيقولون: قبلت رأس علج، فيقول لهم: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين من المسلمين. تعليق: لست يا شيخ راشد أكرم من عبد الله ابن حذافة حتى لا تتنازل ولست يا بن علي أطغى من طاغية الروم حتى لا تطلق بقية الاسرى الذين في يدك فلم لا تطلق الحريات السياسية و إن أردت من الشيخ الغنوشي أن يقبل رأسك فلا أظنه يبخل على الوطن بتقبيل رأس ولي أمر تائب ينوي الإصلاح. فقد أعطاك من قبل صكا على بياض عندما قال :" ثقتنا في الله وفي بن علي كبيرة"