إن الشعار الذي ترفعة الآن بلدان عدة مصنعة للنسيج في العالم الثالث هو “التكيف أو الموت”. ولم يأخذ هذا الشعار بعده الحقيقي إلا في مواجهة الرهانات العالمية التي ترتسم في الصناعة العالمية للنسيج والملابس. وقلب الاتفاق متعدد الألياف (حول النسيج) مع بداية عام ،2005 الذي منح حصصا (كوتا) للبلدان الغنية، رأسا على عقب توزيع الحصص، ودق جرس الإنذار عقب الوصول المدوي لكل من الصين والهند. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاوزت واردات النسيج والملابس الآتية من الصين مبلغ 27 مليار دولار أمريكي في عام ،2005 بنسبة ارتفاع 100% خلال خمس سنوات. وحصل الأمر عينه في أوروبا، حيث ارتفعت وارداتها النسيجية من الصين إلى 28 مليار دولار في العام نفسه. وأحدث هذا الاتجاه التصاعدي قلقا كبيرا في البلدان المصنعة للنسيج في العالم الثالث، ولا سيما أن الحصص المحددة في شهر يونيو/حزيران ،2005 حول عشرة أنواع من المواد النسيجية الآتية من الصين ستختفي نهائيا في أول يناير/كانون الثاني 2008. ويمس هذا القلق القارة الإفريقية بشكل خاص، التي تمثل المنتوجات النسيجية 75% من صادراتها، فالبلدان الإفريقية مثل جنوب إفريقيا، والمغرب، وتونس، وكينيا، وأوغندا، ومدغشقر، أو جزر الموريش، اختارت قطاع النسيج كمحرك لتنميتها، ولكنها لم تأخذ في حسبانها عند انطلاقتها بروز الصين كقوة عالمية رائدة في صناعة وتصدير الملبوسات والنسيج. حسب ديوان المستشارين المتخصصين في النسيج “ويرنر الدولية”، فإن تكلفة الساعة الوسطية لعامل صيني تعتبر قياسية ولا تزاحم، فتكلفة ساعة العمل للعامل الصيني في الداخل هي 0،48 دولار، وللعامل الصيني على الساحل، هي 0،76 دولار، وللعامل المغربي 2،58 دولار، وللعامل البرازيلي 2،83 دولار، وللعامل الجنوب إفريقي 3،8 دولار، وللعامل الأمريكي 15،78 دولار، وللعامل الإيطالي: 19،76 دولار، وللعامل الفرنسي: 21 دولارا، وللعامل الألماني 27،69 دولار. وكانت النتيجة، خفض العديد من المستثمرين في قطاع النسيج استثماراتهم في إفريقيا لكي يتجهوا وجهة آسيا، نظرا لرخص اليد العاملة الصينية، فالصناعيون يستبقون انخفاضا في الإنتاج، في ظل تزايد عدد العاطلين عن العمل في قطاع النسيج الإفريقي.إذ وصل عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 300 ألف، حسب احصاءات الفيدرالية الدولية لعمال الصناعة والملابس، والجلد. وهناك بعض الاتفاقات مثل “الكل ماعدا الأسلحة” للاتحاد الأوروبي وأفريكان غراوثآند أوبورتينيتي (آغوا) الصادرة عن الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام2000 ، سمحت بكل تأكيد بدعم الصادرات الإفريقية في الوقت الحاضر، من خلال اقتراح إعفائها من الرسوم الجمركية أو غياب نظام الحصص. بيد أن هذا الوضع لا يجوز أن ينخدع به أحد. وعلى الرغم من المزايا التي تمثلها للصناعات الإفريقية، فإنها لم تسمح إلا بتعويض جزئي للتأثيرات المدمرة الناجمة عن التخلي عن اتفاق تحديد الحصص. وفضلا عن ذلك، باتت الصناعات الإفريقية مطالبة بأن تأخذ في الاعتبار لتهديد آخر:ألبسة البالة. ففي خلال سنوات أصبح بيع الملابس العتيقة تجارة مربحة في العديد من البلدان. والمشهد أصبح مألوفا، في بداية كل شهر، تفرغ مئات البالات الآتية من أوروبا بشكل خاص، محتوياتها من الملابس العتيقة في العواصم الإفريقية الكبيرة، مقدمة للمستهلكين إمكانية شراء الملابس بأسعار أقل، وملحقة الضرر بالقطاعات المحلية.وخلال خمس سنوات، خسرت صناعة القطن في الكاميرون نصف مبيعاتها، وسرحت ربع العاملين فيها. في مواجهة هذه التهديدات، بدأت بعض البلدان تنظيم ردودها. ويضطلع كل من المغرب وتونس بدور طليعي في ذلك، إذ يبحثان كيفية توظيف قربهما من السوق الأوروبية. وأصبحت قابلية ردّ الفعل، والتدفقات الممدودة، وتخفيض قيمة التكلفة وكذلك المدة لتسليم البضائع، من المبادىء الجديدة. واليوم، بإمكان الآمرين بالسحب الإسبانيين أو الإيطاليين أن يغيروا التشكيلة حتى ست مرات في السنة. إنهم يفضلون تحديد الكميات المخزونة والشركات القادرة على تلبية احتياجاتهم بأسرع وقت ممكن. ويقول مدير المجموعة المغربية “داتما” التي مقرها في الدارالبيضاء، والتي تشغل حوالي 800 شخص، إننا قادرون على تلبية احتياجاتهم خلال عشرة أيام فقط. وللمجموعة عشرات من الزبائن الأوروبيين، منهم كيابي، وبورتون، كامايوأو زورا. وفهمت السلطات المغربية الموضوع جيدا، ووضعت قيد الإنجاز أيضا، عن طريق إطلاق مشاريع كبيرة لإعادة التنظيم والترميم، مثل ميناء طنجة. وتتركز الجهود حول الشروط الاجتماعية والبيئية للإنتاج، حيث يوليه المستهلكون الأوروبيون أهمية كبيرة عند شرائهم للمنتوجات. في دراسة حديثة قامت بها المؤسسة الفرنسية للموضة، أكدت على ضرورة تطوير الشركات النسيجية في البلدان المغاربية إنتاجها لكي تضمن بقاءها. ويجب عليها اقتراح من الآن فصاعدا، مزيدا من الخدمات لمموليها لكي تزيد من قيمها المضافة حسب شرح جيلداس مانفيال صاحب التقرير. فالشركات المغاربية تخشى أن تتخطاها البلدان المنافسة الأخرى، مثل تركيا حيث صناعة النسيج فيها تعتبرأكثر اندماجا. وتتجه سياسة إبرام الاتفاقات التي طورها كل من المغرب وتونس خلال السنوات القليلة الماضية في هذا الاتجاه. فقد وقع المغرب اتفاقية للتجارة الحرة مع كل من تركيا والولاياتالمتحدةالأمريكية يناير عام ،2006 ووقعت تونس كذلك اتفاقية للتجارة الحرة مع تركيا يوليو/تموز 2006. واختارت بلدان إفريقية عدة استراتيجيات مغايرة، تقوم على أساس زيادة الاستثمارات في ميدان البحث- التنمية، وهي تبحث في تحقيق اقتصاديات على مستوى عال، ولا سيما حول تشكيلة من المنتوجات النسيجية لم تدخلها المنافسة الصينية بعد. سوف تمثل السوق العالمية للنسيج 150 مليار دولار من الآن وحتى سنة ،2010 مقابل 90 مليار دولار في عام ،2000 في ظل طلب متزايد من أوروبا. * باحث اقتصادي