لا جمعة ولا جماعة علي المسافر، ومع هذا فقد كنت أغشي المساجد في تونس، التي عدت منها قبل أيام، لكي أقف علي الدعاية التي تم الترويج لها علي نطاق واسع، من أن دخول المساجد هناك يتم ببطاقة ممغنطة، ولم أجد لذلك أثرا!. ما قيل عن تقنين ظاهرة الصلاة في المساجد التونسية، أذاعته في البداية قناة الجزيرة، ثم انتشر في مواقع الإنترنت انتشار النار في الهشيم، وقيل إن الشيخ يوسف القرضاوي ألمح الي ذلك في حديث له، فأصاب قوما بجهالة، وربما مع سبق الإصرار والترصد!. الجزيرة كثيرة التحرش بتونس، والمسؤولون التوانسة يقولون إن علاقاتنا بالدوحة طيبة للغاية، وتبقي المشكلة في الفضائية المذكورة. وتمنيت أن يتم وضع الأمر في نصابه الطبيعي، فتتوقف الدولة التونسية عن سياسة سحب السفراء، كلما أساءت الجزيرة لبلادهم، ومن الواضح أنهم توقفوا، فقد شاهدت محاولة من فيصل القاسم قبل شهور، للتعريض بتونس مع أن البرنامج لم يكن عنها، ثم استمعنا الي بعض الأخبار السلبية، ولم يحدث ما كان يحدث في السابق!. البعض يلمح الي أن سبب الهجوم مرده إلي أن إدارة الجزيرة يسيطر عليها أصولي، وليس سراً أن وضاح خنفر ينتمي الي تيار الإسلام السياسي، وهذا أمر قاله كثيرون، وأكد عليه حافظ المرازي في محاضراته بالقاهرة، بعد أن ترك العمل في الجزيرة، وعاد الي مصر ليستقر فيها بعد هجرة دامت أكثر من عشرين سنة في واشنطن، برز كنجم تلفزيوني من خلال برنامجه الشهير من واشنطن ، وترك غياباً لم يملؤه الذي حل محله. وإن كانت شهادة حافظ في وضاح مجروحة!. ويقول البعض إن هذه الأصولية كانت سبباً في استمرار مذيعة، كانوا يفكرون في الاستغناء عن خدماتها، لأنها لم تثبت جدارة للالتحاق بقناة بحجم الجزيرة، فكان أن تحجبت، وعاشت في جلباب خديجة بن قنة، مقلدة لها، ليتم الإبقاء علي الصورة الباهتة، لأصل لامع وموجود، وقيل إن الشيخ القرضاوي توسط للإبقاء عليها. بيد أني أختلف مع هؤلاء البعض، فعملية التصيد لتونس سابقة للإدارة الحالية، وربما يكون في رد الفعل التونسي علي كل عملية تحرش سببا في ذلك، فالمعني أن الجزيرة لا تزال قناة موجعة، وهي التي تسعي الآن الي عدم إغضاب عدد كبير من الحكومات عليها، وربما فإن تحاملها الشديد علي تونس، يرجع الي أن تونس تحصل علي جرعتها من الهجوم بالإضافة الي الجرعة التي من المفروض أن تكون من حظ النظام الشقيق في ليبيا، فالجزيرة تعطيك إحساسا في بعض الأوقات أنها تبث إرسالها من الجماهيرية، وأن الديمقراطية الليبية هي النموذج الأمثل الذي ينبغي علي شعوب المنطقة أن تأخذ به، حتي تنال رضاها، حيث يقوم الوالد بدور السلطة ويقوم الابن بدور المعارضة!. الجزيرة تنفخ في أي مشكلة تونسية لتجعل من الحبة قبة، وتتجاهل ملفات كبيرة في بعض البلدان، وكما قيل فإن حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمني لك الغلط. وقد قيل إن الجزيرة تريد أن تفرض مراسلا في تونس وأن السلطات هناك لا تريده، وأن هذا ما كان سببا في توتير العلاقات، ولا أعرف حقيقة هذا الأمر، وهو أمر لو صح فلا يمكن الدفاع عنه. وإن افترضنا أن ما قيل صحيحا، وأن الجهات التونسية المختصة قد رفضت هذا، فهل حدث في أي قطر عربي أن فرضت الجزيرة، أو غيرها، مراسلا علي أسنة الرماح؟! تونس تمثل أزمة للتيارات الدينية المتشددة، وهذا ما يبرر الترويج لشائعات تستهدف التشهير بها، مثل موضوع المساجد سالف الذكر وغيره، فبعد أن تمددت حركة النهضة في الشارع التونسي، إذا بها تتحول الي أثر بعد عين، ولم يكن اللجوء الي المعالجة الأمنية وحدها، وإنما كانت المعالجة شاملة، والحلول الأمنية، تقوي ولا تضعف، وتمد الحركات بالأنصار والمتعاطفين، وليس العكس، والحالة الاخوانية في مصر، مردها الي اللجوء للحل الأمني، وفي كل مرة يزداد الاخوان قوة علي قوتهم!. لقد تم استدعاء الشعب التونسي ليقف بنفسه علي الخطر الذي تمثله هذه التيارات، وتم السعي للقضاء علي المناطق الفقيرة، فالفقر هو أكبر مورد أنفار لهذه الجماعات، وتم استحداث صندوق للتضامن يهدف للنهوض بها، وتم توسيع رقعة الطبقة المتوسطة التي تآكلت في معظم البلدان العربية، وهي عماد المجتمع وذروة سنامه، وتم التأكيد علي الهوية الإسلامية والعربية، ورد الاعتبار للغة العربية ولجامع الزيتونة، وهو المعهد الديني الأشهر. ففي تونس كانت يد تضرب التطرف الديني، وأخري تشيد المساجد، حيث بلغ عدد المساجد التي شيدت في عهد الرئيس التونسي الحالي هي ثلت ما تم تشييده منذ أن دخل الإسلام البلاد!. وطوت تونس صفحة التطرف الديني ولم تعد تتكلم عنه، وفي خطاب الرئيس بن علي بمناسبة مرور عشرين عاما علي تحول السابع من نوفمبر، وتوليه السلطة، لم يرد هذا الأمر علي لسانه، فليس مستساغاً أن يتحدث عن قضية لا وجود لها، وهو الخطاب الذي لم توله الجزيرة اهتماما، وتعاملت مع الذكري علي طريقتها وقامت بالتصيد!. بن علي في خطابه منح جائزة السابع من نوفمبر للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وأشاد بالمبدعين الفلسطينيين ونضالهم رغم صعوبة أوضاعهم، الي جانب بعض المكتسبات التي أقرها هذا الخطاب لصالح التعددية الحزبية وللحياة السياسية، وقد تعاملت قناة المنار مع الخطاب بمهنية، وتعاملت الجزيرة تعامل الإذاعات الموجهة في فترة الستينيات، وبات مستقرا في يقين كثيرين أن تونس لو فعلت المستحيل فلن ترضي الجزيرة، ربما لأنها ليست بلداً ديمقراطياً شأن ليبيا وسوريا.