في حركة شبيهة بحركة دبيب النمل يقدّمون الخدمات لكلّ طالبيها بابتسامة رقيقة غير أنّها تحمل في طياتها معاناة صامتة صامدة، تكاد تصرخ منطلقة ليتلاشى انينها بين اروقة المحطّة، هكذا هم وهكذا هو قدرهم الذي شاء لهم أن يكونوا عرضة لكل المصاعب والمتاعب قصد تأمين سفرات قد يقال عنها مريحة وقد يقال عكس ذلك لكن ما يهمنا انهم يعملون بقدر المستطاع وفي حدود الامكانيات المتاحة. تونس الرقمية اختارت محطّة الحافلات ب "الباساج" وتوغلت بين الاروقة لترسي في رواق حافلات الضاحية الشمالية (المرسى والعوينة وقمرت…) أي حافلات ال "20 ومشتقاتها". شباك التذاكر شبيه بالزنزانة وباجتيازك الباب الرئيسي لشباك التذاكر تصطدم بواقع اقل ما يقال عنه انه مؤلم فالابواب والشبابيك الخارجية شبهها اعوان النقل بابواب وشبابيك السجون حتى ان احدهم قال مازحا "اقضّي 8 ساعات من العمل داخل هذه الزنزانة التي تفتقر الى الحد الادنى من مقومات الراحة والتي تقدّر مساحتها ب 3 متر مربع على اقصى تقدير." وانت تتأمل محتويات شباك التذاكر هذا يشير احدهم الى ستار اسود علّق على احدى النوافذ ويقول "اشترينا هذا الستار بمالنا الخاص من "الفريب" لنقي انفسنا ما امكن من اشعة الشمس فلا مكيفات هنا" يصمت قليلا ليواصل حديثه ضاحكا "… حتى المروحة التقليدية لا توجد ونحن نطمع في مكيفات … أمر يثير الشفقة حقا فلا بلور للنوافد ولا طاولات سليمة نضع فوقها التذاكر والنقود" وانت تستمع الى عون الاستخلاص هذا يشوش عليك زميله تركيزك من خلال جذبه للطاولة من امام زميله وهو يتمتم "هذه الطاولة الرثة…" يدفعك قليلا ليجذب الباب الخشبي "هذا الباب المحطّم…" يرفع "فوطة" وضعت فوق الكرسي الذي يجلس فوقه ليظهر ما اخفته عن العيان فاذا به كرسي مزّقت السنوات العجاف حشاياه الاسفنجية. يقول هذا العون "شباك تقدّر عائداته في حدود ال 3 آلاف دينار كل يوم ويفتقر الى ادنى متطلبات العمل امر يطرح عديد الاسئلة على المسؤولين الذين مللنا وعودهم الزائفة" معاناة ولّدت روحا مرحة ورغم هذه المعاناة فان هؤلاء الاعوان لا تفارقهم الابتسامة حتى ان كثيرين يمكن ان يحسدوهم على وضع خادع ويتمنون لو كانو مكانهم. معاناة ولّدت روحا مرحة لدى هؤلاء حيث يقول احدهم "مع ارتفاع درجات الحرارة تظهر الحشرات وتزاحمنا في سجننا هذا حتى انه ذات يوم خرجت لي احدى الحشرات وطالبتني ان امكنها من تذكرة الى العوينة" في ذات السياق قال زميله "في فصل الصيف يصبح هذا المكان اشبه بالحمّام لذلك ترى كلّ منا يحمل منشفته فوق كتفه … كما ان هذا المكان يصلح لتجفيف العولة…" يتنهّد بعمق ويستدرك قائلا "من يبيع خبز الملاوي أفضل حالا منا … اكشاك شركات الاتصال (تونيزيانا وتليكوم واورونج وعليسة) تتوفر على مقومات الرفاهة من مكيفات وتجهيزات جديدة رغم الفرق الواضح في المداخيل …. نحن نعاني صيفا من ارتفاع درجات الحرارة ونعاني شتاء من سيول الامطار فلا عازل يمنع دخولها وحتى النوافذ لا تغلق جيدا ." معضلة اخرى يعاني منها هؤلاء الاعوان وتتمثل في "الصرف" على حد تعبيرهم فهم المعنيون بتوفيره بدلا عن الشركة اضف الى ذلك اسئلة المواطنين التي لا تنتهي فارقام الحافلات التي تعلّق على شبابيك التذاكر تمّ نزعها على امل استبدالها باخرى جديدة الا ان ذلك لم يتم بعد الامر الذي سبب بعض الازعاج لهولاء الاعوان. غير بعيد عن شباك التذاكر هذا يقف سائق حافلة ينتظر ان تكمل حديثك مع زملائه حتى ينقضّ عليك ليروي المشاكل التي يعانيها السواق ومرافقيهم فيقول "السواق معرضون الى الاعتداء المادي والمعنوي في كل لحظة ودون موجب كما انهم يعانون من تقادم الاسطول… تخيل ان الحافلة التي يصيبها عطب لا يتم اصلاحها رغم الاعلام عنها في المستودع" يضحك قائلا "الحالة الوحيدة التي تتم فيها الصيانة هي عندما "تبرك الكروسة". " ومن بين المطالب الاخرى التي اعلمنا بها اعوان النقل والتي تبناها اتحاد عمال تونس ان تكون منحة الخطر ما بين 150 دينارا 250 دينارا كذلك مجانية النقل عبر الشركات الوطنية والرفع في سقف استرجاع مصاريف العلاج والرفع من قيمة وصولات الاكل من 2800 مليم الى 3800 مليم وتفعيل الفصل 35 الذي يمنح الترقيات دون العمل بها كأن يرتقي مثلا سائق حافلة في سلم الترقيات ليصبح مراقبا لكنه يظل يمارس مهنته كسائق حافلة لا كمراقب. هذه المعاناة التي بلغّنا اياها اعوان النقل نتمنى ان تجد طريقها الى الحلّ سريعا حتى ينعكس ذلك على خدماتهم المقدّمة والتي يعتبرها الحريف دون المامول وليست بالمستوى الجيد وحتى تنعكس على علاقتهم بالمواطن هذه العلاقة التي تشهد في كثير من الاحيان فتورا.