أثارت تصريحات أحد نقابي قوّات الأمن في المدّة الأخيرة بخصوص وجود مجموعات تتدرّب في الغابات والجبال، جدلا كبيرا في الوسط السياسي، ونفى العديد من المسؤولين في الحكومة الحاليّة هذا الخبر قطعيا مؤكّدين بأنّ قوّات الأمن والجيش يقومون بتمشيط ومراقبة الغابات والجبال وحتّى الكهوف وأشاروا إلى أنّ مثل هذه التصريحات جاءت لتعيق عمل الحكومة التي تعمل على استتباب الأمن. حيث أكّد علي العريّض وزير الداخلية، أنّ المصالح الأمنية المختصّة لا تملك معلومات عن وجود جماعات مهما كان إنتماؤها تتدرّب في الغابات أو الجبال، ولعلّ ما أكّده هؤلاء صحيح فهذه المجموعات لا تتدرّب بالجبال والغابات بل تتدرّب داخل مباني مغطّاة بعيدة عن الأعين وهذه المباني ليست بقاعات رياضية أو ما يشابهها بل هي مباني ملك للدولة وتابعة للبلديّة. ففي مدينة الزهراء بالضّاحية الجنوبيّة للعاصمة، وتحديدا شارع 7 نوفمبر سابقا والذي يعرف بشارع “النّخيل”، فرضت مجموعات ممّا يسمون أنفسهم “بالسلفيّين” سيطرتها على كامل الشارع تقريبا. حيث يوجد بهذا الشارع جامع “الصفاء” وبجانبه يوجد مقرّ محلّي لحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ وقاعة للأفراح تسمى بقاعة “الصفاء” وحديقة عمومية، كل هذه المباني أعلن السّلفيون سيطرتهم عليها فرفعوا راية التوحيد فوق الجامع كما اتّخذوا من المقر المحلّي لحزب التجمّع قاعة يتدرّبون فيها وهم بصدد إدخال اصلاحات عليها، فقاموا برفع الجدار الخارجي للمقرّ حتى يحجب عنهم الأعين ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يتدرّبون عليه ولأي غاية؟ هل هي رياضة بدنية أم فنون قتالية؟ أمّا قاعة الأفراح فهي تشهد أشغالا أيضا لتصبح مدرسة قرآنيّة، وأحيانا بعد صلاة الجمعة يخرج “الإخوة” للحديقة العموميّة بجانب الجامع، ويجلبون كراسي ومضخّمات صوت لتبدأ الدروس في علم الفقه والإسلام وهي دروس مفتوحة للعموم، النساء من جانب والرجال من الجانب آخر. هذه المباني أليست تابعة كلكا للدولة؟ أين هي بلدية الجهة من كل هذا وبأي حق يقومون بالسيطرة على مقر لحزب أو قاعة أفراح ويدخلون عليها إصلاحات ليقوموا باستغلالها لصالحهم. هل هم فوق القانون؟ هل هم يعاملون معاملة خاصة غير كل التونسيين؟ فالبلديات بكامل ولايات الجمهورية قامت بإخراج العائلات التي اقتحمت مقرات التجمع أيّام الثورة لتتّخذ منها بيوتا. ألم يؤكّد حمّادي الجبالي رئيس الحكومة في خطابه الأخير عندما تحدّث عن الأطراف المنتمية للتيّار السلفي أو المحسوبة عليه كما يقول البعض، أنّ “التعامل مع هؤلاء متّجه نحو تطبيق القانون لأنّ التراكمات في التعدّى على هيبة الدولة وعلى سيادة القانون وصلت إلى مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها.” ولكن متى؟ متى ستنتقل هذه الحكومة من القول إلى الفعل؟. إنّه من البديهي أن يظنّ البعض أنّ الحكومة متواطئة مع هؤلاء خاصة بعد أحداث الأخيرة والإعتداءات على الأملاك الخاصة والعمومية بجندوبة والكاف وسيدي بوزيد والعديد من المناطق الأخرى في ظلّ السكوت الرهيب عن هذه تصرّفات. ومن الطبيعي أيضا أن تتكلّم الحكومة وتقوم بالشيء الوحيد الذي تجيده وهو النفي.