حواسيب وآلات طباعة وهواتف جوالة وتجهيزات إلكترونية مكدّسة هنا وهناك تونس الصباح: تعتبر تونس من أوائل الدول العربية والإفريقية التي اقتحمت عالم الإلكترونيك، وما ظهرت عبره من آليات مختلفة المشارب والاستعمالات. ويعود تاريخ اعتماد الحواسيب والآلات الطابعة والتلفاز وغيرها من هذه الأجهزة العصرية البديلة عن الآلات الكهربائية والميكانيكية في تونس الى بداية السبيعينات، حيث ظهرت وقتها الألات الناسخة الالكترونية بشكل كبير، وبرزت معها الأجيال الأولى من الحواسيب مثل "النيو تيب" وآلات الطباعة مثل "اوفسات" وذلك على اختلاف أنواعها. ويشير بعض العارفين والعاملين في المجال الإلكتروني أن تونس تابعت بشكل متقدم ظهور هذه الآليات الاكترونية في العالم واقتنت دوما أحدثها، وآخر ما ظهر منها، ولها نصيب هام من التعامل معها. فكيف تعاملت تونس عبر أطرافها المختصة والمسؤولة مع نفايات هذه الأليات التي بدأت تتكدس هنا وهناك، بعد أن تم التخلى عن أنواعها القديمة ؟ وماذا عن حجم هذا القديم من الإلكترونيك، وعن أخطارها لما تحمله من مواد سامة وخطيرة مثل الزئبق وما ينجم عنه من إشعاعات؟ وهل هناك تقدير وإحاطة كاملة بهذه الأجهزة أم أنها تلقى هنا وهناك دون إحساس وشعور بخطرها الدائم على صحة الانسان والبيئة في آن واحد؟ أنواع وأجيال من هذه الأجهزة تتعاقب في تونس يشير بعض المختصين في المجال الإلكتروني بتونس، أن بلادنا باتت تحمل عبئا من هذه التجهيزات الخطيرة المتروكة. وذلك بعد مضي أكثر من 30 سنة على التعامل مع هذا النوع من الأجهزة. ويعتبر هؤلاء أن تونس تعد من الدول العربية والإفريقية الأولى التي أقبلت على هذا النوع من التجهيزات العصرية التي ظهرت بشكل عام في الدول المتقدمة، وتم اعتمادها بشكل واسع خاصة خلال العشرية الاخيرة من القرن الماضي. ويؤكد هؤلاء على أن القطاعات الصناعية والإعلامية والتجارية والتربوية والادارة باتت تتعامل مع هذه الاجهزة الالكترونية بشكل عال جدا وذلك في كل المواقع الحياتية المشار إليها، منذ سنوات عديدة. كما أن أجيال اليوم في تونس تنعت "بجيل الحاسوب" لا القلم، على اعتبار الإقبال المنقطع النظير على هذه الآلة التي بات يتعامل معها الكبار والصغار بشكل يومي وكبير وذلك حتى في المنازل ومراكز الانترنات، وغيرها من المواقع التي باتت متاحة في تونس وفي متناول الجميع. ولعل التوجه السياسي العام في البلاد، وما شمله من دفع باتجاه عصرنة الحياة على اختلاف أوجهها من خلال الإقبال على الإعلامية، والتوجه والتوجيه لها، وما عرفته تونس من محطات ومواعيد في هذا المجال، كان أبرزها القمة العالمية للمعلومات التي التأمت بتونس في السنوات الاخيرة، جعل من بلادنا والمجتمع التونسي في صدارة الدول والشعوب التي يشهد لها بالكفاءات في هذا المجال، وباعتبارها من أبرز وأهم الأسواق الافريقية في مجال اعتماد هذه التجهيزات الاتصالية والالكترونية الحديثة. ويشار أيضا أن تونس بفضل التشجيعات والتحفيز والبرامج الداعمة لهذا التوجه أصبحت معظم العائلات داخلها تملك حاسوبها العائلية، كما أن الحواسيب الشخصية المحمولة والخاصة، باتت تمتلك بشكل واسع وتحسب بمئات الآلاف في تونس. طفرة امتلاك واستعمال واستهلاك هذه الأجهزة ومخلفاتها يشير العارفون بالمجال الإلكتروني في تونس، أن طول مدة الاستعملات الالكترونية في تونس، وما شهدته من طفرة في ذلك، واستهلاك لها غير منظم، خلف اليوم جبالا من هذه الآليات المتروكة التي تتراكم هنا وهناك. ويؤكد هؤلاء أن معظم مخازن المؤسسات وكل أنواع الإدارات باتت طافحة بهذه التجهيزات المتروكة، والتي وقع التخلي عنها بعد سنوات الاستعمال وذلك سواء للتفريط فيها لإعتماد الحديث منها، أو تعطبها أو زوال دورها تحت تأثير سرعة التجديد الحاصل في هذا المجال. ويبدو حسب ما أفادنا به هؤلاء الإختصاصيين، أن هذا الارث من فضلات الالات الاكترونية بات يمثل اليوم ثقلا كبيرا على كافة هذه المؤسسات، وهو تقريبا قد عوض الارشيف الذي كانت تملكه، من الاوراق والملفات، ويؤكد هؤلاء على أن حفظ هذه الآليات غير سليم بالمرة، وخطير في آن واحد لما يحمله من مواد سامة، ويبرزون ما يمكن أن ينجر عنه من مخاطر، قد لا تظهر الآن، لكنها تبقى كامنة إلى وقت لاحق، ويمكن لإنعكاساتها السلبية أن تتسرب مع مر السنين. ليست هناك رسكلة لهذه التجهيزات و«البريكولاج» فيها محدود وتعليقا على التعامل مع هذه التجهيزات سواء بالحفظ، أو الإصلاح استفدنا أن التعامل في تونس مع هذه الأجهزة الالكترونية في هذا البعد مازال بعيدا جدا في قدرة السيطرة عليها والاحتماء منها بالكامل. فمجالات حفظها مازات إعتباطية جدا، حيث تخزن كبقية السلع وربما الفضلات الأخرى، وطرق التعامل مع إصلاحها مازال في مستوى "البريكولاج" الذي يتحسس الدخول والنفاذ الكامل لها، وربما في هذا خطر أكبر. ولعل النقص في التعامل مع اصلاح التجهيزات الالكترونية، وحتى طرق حفظها وصيانتها ومحدودية السيطرة عليها، يعود الى كونها مجلوبة من الخارج وغير مصنعة ولو جزئيا في بلادنا، ونحن كغيرنا من عديد الدول التي أقبلت عليها عبر تعلم التعامل معها لا أكثر ولا أقل باعتبارها من أحدث ما أنتجه العصر في المجال العملي والإتصالي وغيره من المجالات الأخرى. وكان لابد وبموازاة مع الاقبال على المجال الاكتروني عبر التعليم والتعلم والممارسة الادارية أن يكون لنا باع في علوم صناعتها أو إصلاحها وطرق التصرف فيها. الوكالة الوطنية للنفايات الصلبة والقطاع الالكتروني وزارة البيئة والتنمية المستديمة قطعت في الحقيقة مراحل هامة في السيطرة على بعض أنواع النفايات، وعلى وجه الخصوص المواد البلاستكية على سبيل المثال، وكونت في تمشيها الهادف للحفاط على البيئة والمحيط برامج ونشاطات هامة جدا أوكلت التصرف فيها وتنفيذها الى وكالاتها. وهذه الوكلات ما انفكت تسعى جاهدة الى السيطرة على أنواع الفضلات والنفايات، مثل الزيوت المستعملة أيضا والبطاريات وغيرها، لكننا لم نسمع شيئا عن اقتحامها لقطاع الالكترونيك بكل أنواع أجهزته ونفاياته وفضلاته التي باتت تتسع رقعة حضورها في كل مكان، وربما تمثل خطرا على البيئة والانسان أكثر بكثير من بعض المواد الأخرى التي تسعى هذه الوكالات والوزارة إلى السيطرة عليها. فلماذا تناست الوزارة والوكالات هذا الجانب الذي لو جمعت نفاياته الموضوعة في الدهاليز ومخازن الادارات لمثلت جبلا من هذه المعدات الخطيرة؟ ألم يحن الوقت لفتح ملف النفايات الالكترونية؟ وهل يكفي أن يقع وضع برامج لجمع البطاريات فحسب؟ أو ليس من الاجدر أن يقع الاهتمام بهذا المجال وتطويق فضلاته، ووضع برامج وأليات للسيطرة عليه بالجمع والرسكلة أو التصدير لبعض البلدان التي تملك القدرة على التصرف في هذه النفايات مثلما تتصرف عديد البلدان في هذا المجال؟ نعتقد أن التحسيس بمخاطر الالات الالكترونية، وبطرق التصرف فيها وباساليب حفظها من الامور الموكولة لوكالات وزارة البيئة، ولابد من وضع برامج في هذا المجال، وتحسيس المواطن والمؤسسات بمخاطر هذه الآليات، وبضرورة التخلص منها عبر تسليمها لهذه الوكالات للتصرف فيها وفي طرق تخزينها أو رسكلتها.