حركة مرور معقّدة ومصبّات فضلات في كل مكان وبنية تحتية في حالة يرثى لها صفاقس الاسبوعي: يناهز عدد متساكني ولاية صفاقس بمعتمدياتها وضواحيها البعيدة و القريبة المليون نسمة، وهذا يتطلب الكثير من الجهد على جميع المستويات ومن قبل جميع الأطراف المعنية بأمر النظافة والصيانة حتى يستطاب في هذه المدينة العيش، غير ان الملاحظ هو ان صفاقس تعيش مشاكل بيئية وعمرانية واجتماعية وتنظيمية وغيرها لأسباب عديدة لعلّ أبرزها عدم استشراف المستقبل في الوقت المناسب مما ساهم في ما آلت اليه الامور من تراكمات عديدة ساهمت في تأزّم الوضع فزاد ذلك من حيرة المتساكنين و قلقهم على مدينتهم التي كانت في وقت ما مضرب الأمثال على جميع المستويات فأصبحت مدينة منسية ، وسخة تتجمّع فيها القاذورات هنا و هناك ، وتفتقر إلى الكثير من المرافق والتجهيزات والبنى التحتية اذ انّ ما هو موجود ليس في حجم ثاني اكبر مدينة في الجمهورية بعد العاصمة والحال أنّ هذه المدينة تساهم بقسط كبير وبنسب مرتفعة في إنعاش الاقتصاد الوطني، أليست الولاية أهمّ منتج لزيت الزيتون واللوز ومنتجات البحر والعديد من الصناعات الكيميائية وغيرها...؟ في هذه المدينة مسرح صيفي لم يكتمل منذ سنوات ومدينة رياضية تنتظر الإنجاز ومستشفى جامعي جديد لم ينجز كذلك ليفي بحاجة الجنوب التونسي، والمدينة في حاجة أيضا إلى تجديد شبكات الطرقات داخلها وتوسيع الأنهج والشوارع التي ازدحمت بروادها .. مشاهد مخجلة كلّ الذين كانوا يترددون على المدينة يلاحظون بسرعة هذا التحول المفاجئ منذ سنوات في المشهد العام، يلاحظون كيف كانت المدينة نظيفة في مختلف الأنهج والشوارع والأحياء الشعبية و الراقية، أمّا اليوم فأصبحت مدينة متّسخة في كل مواقعها ، فالمشهد أضحى مقرفا بفعل تراكم القاذورات و المزابل في كل مكان ، حتّى على بعد بضع أمتار من قصور البلديات وهذا أمر مخجل حقّا، ومن المشاهد التي ترفضها العين بمجرّد أن تلمحها تلك المشاهد المقرفة بسبب تراكم المزابل حذو مجموعة من الأزهار والورود بمختلف ألوانها ، وهي مشاهد تتكرّر يوميا بإحدى المنارات البارزة في المدينة ونعني بها جامع سيدي اللخمي ، في نفس المكان إحدى الفستقيات تشهد إهمالا كبيرا ، ففيها تركد مياه قديمة منذ زمن طويل تعشّش فيها الحشرات و الناموس وفي ذلك خطر على صحة الجميع ، وهي مشاهد تكاد تنطق وتغني عن أيّ تعليق ...و«العيان لا يحتاج إلى بيان» كما يقال، المسألة لم تعد تقتصر على ذلك فحسب فالمجتمع قد شهد تحوّلا قيميا سريعا إذ أنّ الكلام البذيء أصبح هو الأكثر استعمالا في غير حشمة و غير حياء ، فضلا عن غياب نظافة الأيدي التي أصبحت عملة نادرة ، المسؤولية مسؤولية الجميع ، فالمجتمع المدني يتحمّل قسطا هاما منها وكل مسؤول في إطار اختصاصه عليه أن يقوم بواجبه على أحسن وجه حتّى لا ندخل في دوّامة من التسيّب والإهمال يعسر الخروج منها فيما بعد. سلوك مرفوض في هذه المدينة توجد حوالي 2000 سيارة أجرة «تاكسي»، هذا العدد يشغّل زهاء 5000 سائق وهذا من شأنه أن يحدث حركية داخل المدينة ولكنّها حركية فيها الكثير من الفوضى، هذه السيارات تتوقّف في محطّات غير قانونية داخل المدينة، في مواقع حسّاسة مما يدخل الكثير من الارتباك على حركة المرور فيحصل الاختناق لاسيما ب «صفاقس 2000»، ليس هذا فقط، فتنقل هذه السيارات داخل المدينة يثير الكثير من الجدل بما يأتيه سواقها من تصرّفات غير مقبولة كالمجاوزة على اليمين وعدم احترام الأولوية والسير ببطء «لاقتناص حريف» والسير بسرعة عندما يعثر عليه والشجار فيما بينهم من أجل الفوز بحريف، والوقوف وسط الطريق أو في وضع مواز لسيارة أخرى أحيانا في مستوى ثالث، إلى جانب ما يتفوّه به البعض من كلمات سوقية وعبارات بذيئة، وما يرتديه من ملابس غير لائقة في الوقت الذي يفترض ان يقدم فيه سائق سيارة الأجرة صورة ايجابية عن المدينة، هذا القطاع يحتاج إلى الكثير من التنظيم وفي انتظار تحقيق ذلك على المسؤولين في الجهة أن يرغموا سواق سيارات الأجرة على ارتداء أزياء موحّدة تجلب لهم شيئا من الاحترام. أنماط متناقضة في المدينة أنماط عمرانية مختلفة، هذه الفوضى أثّرت على الذوق العام وكانت وراء انعدام التناغم والانسجام، فكثيرا ما توجد في حيّ من الأحياء أو في منطقة ما من المدينة عمارة من نمط عمراني معيّن إلى جانب عمارة أخرى من نمط آخر وهذا هو النشاز بعينه، ممّا يؤكّد على أنّ الحركة العمرانية قد تمّت بشكل فوضوي دون عمق ودون دراسة تذكر وهو أمر يؤسف له في مدينة مضى على تأسيسها أكثر من ألف سنة ، و هذا يجرّنا إلى الحديث عن أنهجها الضيّقة التي تمّ إنشاؤها بغير رويّة ودون استشراف للمستقبل ، فالمسؤولون وقتها كانوا لا ينظرون إلى أبعد من أرنبات أنوفهم ... ظاهرة أخرى انتشرت في المدينة وهي ظهور العمارات البلورية، فإلى جانب البذخ المفرط فيه و التبذير في غير محله فإنّ هذا النوع من العمارات مخالف تماما لدعوات الترشيد في استهلاك الطاقة، أليس في ذلك تناقض كبير لما نقوله وما نمارسه ؟ «أنين» الطرقات طرقات المدينة في حالة رثّة، فهي تشكو من المطبات والحفر هنا وهناك داخل المدينة العصرية وهذا يدل على إهمال واضح و نقص لا مبرّر له في العناية والتعهّد بالصيانة، في هذه الطرقات يخيّل إلى المارّة وكأنّ هذه الطرقات «تئنّ» تحت وطأة ما لحقها من أضرار مما يخلّف معاناة كبرى لأصحاب وسائل النقل بمختلف أصنافها وما يتسبّب فيه ذلك من نزيف للعملة الصعبة لجلب قطع الغيار من خارج أرض الوطن، و هذه مسألة أخرى من الضروري النظر فيها بعمق كبير دون تأخير لتدارك كلّ النقائص في هذا المستوى. سبات عميق خلال فصل الصيف تغطّ المصالح المتخصّصة في نوم عميق ولا تلتفت إلى مسائل على غاية من الأهمّية ، في هذا الفصل من المفروض التفكير في المجاري و تعهدها بالإصلاح وتنظيفها ممّا علق بها من أوساخ و ما تراكم داخلها من أتربة تجمّعت بفعل الرياح وغيرها من العوامل الطبيعية والبشرية المختلفة تماما كما في العديد من البلدان المتقدّمة، فلا ينبغي الانتظار حتى تنزل الأمطار بغزارة وتغرق المدينة في برك من المياه حتّى تتدخّل الجهات المتخصّصة لإنقاذ الموقف، وقتها تكون الخسارة مضعّفة، فلماذا تتواصل هذه التصرّفات السلبية في مدينة في حجم صفاقس، ازدادت فيها المسؤوليات وعظمت، لقد حان الوقت لكي يستفيق الجميع ... حركة معقّدة حركة المرور معقّدة إلى أبعد الحدود سواء كان ذلك في أوقات الذروة أو خارجها و ذلك يعود إلى دواعي تخطيطية وأخرى تنظيمية، مما يجعل شوارعها وأنهجها تعيش اختناقا كبيرا يتسبّب في إهدار كبير للطاقة وضياع أكبر للوقت، وما أثمنه في هذا الوقت بالذات... لذلك حان الوقت لإعادة النظر في تنظيم مختلف الفضاءات من أنهج و شوارع و ساحات و تحديد الاتجاهات بها بشكل مدروس يضمن مصالح الجميع ومصالح المجموعة الوطنية ... الوقت يمرّ بسرعة والمشاكل تتضاعف باستمرار، وكل الجهات المعنية تبدي الكثير من اللامبالاة، فإلى متى سيستمرّ الوضع على ما هو عليه...؟ دون توقف هذا الوضع يحتاج إلى حملات متواصلة دون توقف على مدار السنة سواء أكان ذلك على الميدان للقضاء على كل المظاهر السلبية أو في أذهان الناس لتنظيف العقليات وذلك بمحو تقاليد وعادات بالية فيها الكثير من الأنانية وحبّ الذات، وعدم احترام الآخر ... هذه الحملات هي من مسؤوليات المجتمع المدني الذي بدا في وقت ما أنّه استقال استقالة فجئية أفسدت كل المخطّطات وكل ما بناه الآخرون ... مجتمعنا وسلط اشرافنا في حاجة إلى استفاقة كبرى للقضاء على مختلف هذه المظاهر المزعجة والمزرية في الآن نفسه. محمد القبي للتعليق على هذا الموضوع: