بعد أن تم عرضه على أنظار مجلس نواب الشعب، ينتظر أن تتم مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2018 من طرف لجنة المالية وبعدها تقع المصادقة عليه من طرف جلسة مجلس نواب الشعب قبل يوم 10 ديسمبر 2017 كيف ما جاء بالدستور. وحسب الوثيقة الرسمية الصادرة عن وزارة المالية والتي تحصلت عليها «الصباح» فان المشروع جاء به 53 إجراء جبائيا ترمي إلى دفع الاستثمار والتشجيع على الادخار ودعم القدرة التنافسية للمؤسسات وتوسيع قاعدة تطبيق الأداء ومواصلة مقاومة التهرب الجبائي ومكافحة التهريب وحماية المنتوج الوطني وترشيد التوريد للحد من عجز الميزان التجاري والحفاظ على توازنات المالية العمومية وإجراءات ذات طابع اجتماعي. وفي تعليق على مشروع قانون المالية لسنة 2018 اتصلت «الصباح» بزياد بن عمر عضو الجمعية التونسية للمختصين في المحاسبة، والذي ذكر ان المشروع تضمن عددا من الأولويات وان إعداده تم بهدف المحافظة على التوازنات المالية العمومية والتقليص من عجز الميزانية في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة. ونظرا لكل الظروف المذكورة يبدو أن الدولة وجدت نفسها أمام خيار واحد وهو «تغليب منطق التوازنات المالية على حساب الإصلاحات الهيكلية» وأوضح زياد بن عمر أنه بعد «تخمة» الإجراءات الجبائية التي جاءت بقوانين المالية في السنوات الاخيرة التي عرفنا معها بعض الإشكاليات منها الإجرائية ومنها التطبيقية، يخرج علينا مشروع القانون لسنة 2018 بكم هائل من الاجراءات منها الايجابية التي تحمل في طياتها الأهداف المرسومة والإصلاح المنشود على غرار مراجعة النظام التقديري بإرساء نظام جبائي خاص بالمؤسسات الفردية الصغيرة رغم التحفظ على المقترح خاصة ان انعكاسه المالي ضئيل لا يتجاوز 35 مليون دينار فقط وكان من المفروض المحافظة على النظام القديم بالنسبة للمؤسسات المنتصبة خارج مناطق البلدية مع الترفيع في الضريبة الدنيا وإدراج البقية في النظام الحقيقي بصفة تفاضلية اي بنسبة 10% فقط . إجراءات ستزيد في تعميق الأزمة وأضاف بن عمر انه ومن بين الإجراءات كذلك ما سيزيد في تعميق الأزمة، مما يستوجب إعادة النظر فيها حتى تكون في إطار رؤية واضحة اقتصاديا واجتماعيا، وأخرى تستوجب الاستغناء عنها خاصة وان انعكاسها المالي ضئيل. غير أن التوجه الذي انتهجته الحكومة بات شبه واضح والمتمثل في تعبئة موارد إضافية لميزانية الدولة وهنا اختارت الحكومة التوجه نحو الترفيع في الضرائب والأداءات والمعاليم كحل آني للحد من أزمة المالية العمومية غير أن هذا الحل لا يخلو من انعكاسات سلبية على المؤسسات الاقتصادية والمواطن عموما حيث أن الترفيع بنقطة في نسب الاداء على القيمة المضافة سيوفر حوالي 313 مليون دينار للميزانية. لكن في الاثناء سينعكس مباشرة على نسبة التضخم مما سيشجع على اللجوء الى السوق الموازية في حين ان السياسة العامة تتوجه نحو محاربة هذه السوق الموازية التي باتت تهدد اقتصاد البلاد بعد أن استحوذت على نسبة تفوق 50 بالمائة منه وهنا نلاحظ التضارب بين المأمول أي السياسة العامة والمعمول به أي الإجراءات المتخذة. واستغرب بن عمر التعتيم الحاصل على الفرضيات التي اعتمدت في اعداد ميزانية الدولة على غرار نسبة النمو المتوقعة لكامل سنة 2018 وسعر صرف الدينار وكذلك سعر برميل النفط المعتمد مع غياب الانعكاسات المالية للإجراءات المقترحة والتوازن المالي مما يحول دون قراءة موضوعية وشاملة لمشروع القانون. تضارب واضح وذكر محدثنا أن هناك بعض الإجراءات تحمل في طياتها تضاربا واضحا على غرار التشجيع على السكن وإقرار أداء على العقارات المعدة للسكن وبنسبة 19% بفلسفة عدم قطع سلسلة الطروحات غير أن مثل هذا الإجراء سيكون سببا في تضخم سعر العقارات بما لا يقل عن 10% بما أن هناك عديد من المواد والخدمات غير خاضعة للأداء وبذلك تكون غير قابلة للطرح. ومن بين الإجراءات الأخرى هو الترفيع في نسبة الخطايا لتمر من 0.5 % الى 2 % بعنوان الستة أشهر الأولى للتأخير بهدف دعم الامتثال الضريبي وحث المطالبين بالأداء على المبادرة بالتصريح بالأداءات المحمولة عليهم ودفعها في الآجال المحددة وفي المقابل وفي حالة تدخل مصالح المراقبة الجبائية ترفع الخطية المستوجبة ب0.5 % وتخفّض هذه الخطية ب0.25 % بعد أن كانت 0.5% من مبلغ أصل الأداء المستوجب عن كل شهر تأخير أو جزء منه إذا تم دفع الأداء المستوجب في أجل أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ الاعتراف بالدين فمن جهة يتم الترفيع قصد الحث على القيام بالواجب ودخول الموارد الجبائية لخزينة الدولة في آجالها القانونية. ومن جهة أخرى وعند اختيار المطالب بالضريبة تصفية دينه الجبائي في ظرف شهر يحرم من نصف الامتياز المعمول به حاليا والتضارب يبدو هنا صارخا. لذا يرجى إعادة النظر والتقليص من الخطايا التي على عكس ما قدم فهي تنفر المطالب بالقيام بواجبه الجبائي. دعم ديمومة الشركات الصغرى والمتوسطة وحول دعم ديمومة الشركات الصغرى والمتوسطة بإرساء نظام جبائي تفاضلي بتخفيض نسبة الضريبة على الشركات من 25 % الى 20 %، فضل زياد بن عمر تغيير عنوان الفصل إلى «دعم ديمومة الشركات متناهية الصغر TPE « لأنه لا يمكن اعتبار شركة تحقق رقم معاملات لا يتجاوز 600 ألف دينار من ضمن الشركات الصغرى والمتوسطة كما طالب بضرورة ارفاق هذا الاجراء بتخفيض في نسب الخصم من المورد والأقساط الاحتياطية قصد ملاءمتها مع الإجراء المقترح حتى لا يتم إثقال كاهل المؤسسة وكذلك تخفيفا على الإدارة الجبائية التي انهكت بدراسة المطالب المهولة لاسترجاع الفائض في حين الأولوية اليوم إلى تكثيف المراقبة وتحسين الاستخلاص. وأكد بن عمر على ضرورة تعريف دقيق للمؤسسة الصغرى والمتوسطة يأخذ بعين الاعتبار عديد المعطيات على غرار عدد العملة ورقم المعاملات المحقق أسوة بما هو معمول به في الاتحاد الأوربي خاصة وانه سبق تعريف المؤسسات الكبرى حسب الأمر عدد 201 لسنة 2008 مؤرخ في 29 جانفي 2008 المتعلق بضبط مجال وشروط تدخل إدارة المؤسسات الكبرى بالإدارة العامة للأداءات. في حين تظل هناك عديد التعريفات بالنسبة للمؤسسة الصغرى والمتوسطة نجدها في بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وكذلك في السجل الوطني للمؤسسات وبعض قوانين المالية السابقة مع ضرورة التفكير في إرساء نظام جبائي متكامل بالنسبة لهذه المؤسسات التي تمثل عصب الاقتصاد التونسي. الإجراءات الاجتماعية واستحسن محدثنا عديد الإجراءات الاجتماعية التي جاءت بمشروع قانون المالية على غرار إعفاء الحرفيين من تسديد الديون المتخلدة بذمتهم بعنوان قروض المال المتداول حتى يتمكنوا من العودة في الدورة الاقتصادية خاصة وان عددهم ليس بالهين وهم قرابة 30 ألف شخص ومن بين الإجراءات المحمودة ايضا منح الجمعيات الناشطة في مجال العناية والإحاطة بالأشخاص الذين يعانون من أمراض خطيرة امتيازات جبائية غير ان إحداث مساهمة اجتماعية تضامنية تبقى عليها عديد التحفظات خاصة بشأن إخضاع أصحاب الدخل المحدود إلى هذه المساهمة وكذلك الحد الأدنى المقترح على الشركات الذي يستوجب المراجعة. إجراءات مرفوضة وأخرى مستهلكة ومن بين الإجراءات المرفوضة قطعا والتي تعد من بين الإجراءات المستهلكة والتي أثبتت عدم نجاعتها نجد إجراء تجميد فائض الأداء على بعض القطاعات وسبق وان اعتمد مثل هذا الإجراء وخلف حيفا جبائيا ويقوض مصداقية النظام الجبائي المعتمد ودون أن يكون له مردود يذكر. واعتبر محدثنا أن بعض الاجراءات المدرجة في هذا المشروع قد سبق وان تم اعتمادها لكنها كانت دون مردودية لعديد العوامل خاصة التعقيدات الإجرائية والإدارية.. مما يستوجب العمل على فض هذه التعقيدات حتى تحقق هذه الاجراءات الاهداف المنشودة على غرار إحداث خط اعتماد لدعم ودفع المؤسسات الصغرى والمتوسطة. ولم يخف محدثنا أن هناك بعض الاجراءات المدرجة لا تتعدى أن تكون سوى إجراءات «تسويقية» لا طائل منها. وفي الأخير أكد بن عمر انه وقبل إدراج إجراءات جديدة أصبح من الضروري تقييم الإجراءات السابقة ومدى مردوديتها وعلى ضوء هذا التقييم يتم تعديل البعض والاستغناء عن البعض الآخر وتفعيل بعض الإجراءات الأخرى التي بقيت الى حد الان حبرا على ورق. وشدد زياد بن عمر على ان تكون الرؤية في قانون المالية شاملة ولا تقتصر على الحلول الانية لتعبئة الموارد في تغافل تام على الجانب التنموي والاقتصار على الجانب المالي فقط حيث أن الجانب التشريعي وتخمة الإجراءات لن تحل المشكل خاصة في غياب الاستثمار في الإدارة ومدها بالوسائل الضرورية سواء كانت منها المادية او البشرية قصد إحكام المراقبة وتحسين الاستخلاص والحد من التهرب وشدد بن عمر على ضرورة تكريس الاستقرار الجبائي، ودونه لن يكون هناك دفع للاستثمار الخارجي وكذلك الداخلي.