إلى حدود هذه الفترة من السنة يلوح الوضع المائي في تونس حرجا للغاية بفعل تواتر موجات الجفاف وتواصل تراجع المياه بالسدود إلى أدنى مستوياتها قبل حتى أن تنطلق أهم المواسم الزراعية. وضعية دقيقة تعكسها المؤشرات السلبية التي استدل بها عبدالله الرابحي كاتب الدولة المكلف بالموارد المائية في تصريح ل»الصباح» والتي تبدو هذا العام أكثر صعوبة من السنة الماضية التي كانت بدورها شحيحة على مستوى كميات الأمطار ونقص إيرادات السدود. تظهر آخر المعطيات أن مستوى مخزون المياه لم يتجاوز مطلع هذا الشهر 556 مليون م3 مقابل 641 مليون م3 في نفس الفترة من نوفمبر2016. وتغني الوضعية الحرجة بأهم وأكبر السدود التونسية وهو سد سيدي سالم عن التعليق بعد انحسار منسوبه هذه الفترة إلى أدنى مستوى بكميات لا تتجاوز87.7 مليون م3 مقابل109مليون م3السنة الماضية. وليس الحال أفضل بالنسبة لسد سيدي البراق وقد تراجع مخزونه إلى 133مليون م3 مقابل 232 مليون م3 في أول نوفمبر2016. هو إذن نقص حاد في المياه تعرفه البلاد منذ سنوات بتفاوت نسبي في الكميات لكنه استوجب الصائفة المنقضية اللجوء إلى ضخ جزء من المخزون المائي الاستراتيجي بسحب نحو200مليون م3 من سدود أقصى الشمال لتعويض النقص في سد سيدي سالم. إجراء يعتبره الرابحي عاديا في مثل الظرفية المناخية السائدة واستقرار حالة الجفاف لسنتين متتاليتين. ترقب وفرضيات.. كيفية التعامل مع هكذا وضع تقتضي حسب محدثنا ترقب تطورات الحالة المناخية والإيمان برحمة ربنا كبير في نزول الأمطار. وأردف قوله بأن سياسة التعامل والتصرف في الموارد المتاحة ستتحدد فرضياتها وفقا لمستجدات الوضع إلى حدود نهاية شهر نوفمبر الجاري. وذلك بالمواصلة في سياسة تقسيط مياه الري. او بمزيد الضغط والترشيد في حال تفاقم النقص. وبطبيعة الحال وفي صورة تواتر الهطولات المطرية سيتم التصرف في الموارد المائية بأكثر مرونة. في الأثناء وإزاء المؤشرات الراهنة لا يمكن إلا المضي في سياسة التصرف حسب الطلب ومزيد دعم آليات إدارة الحاجيات والطلبات بدل التعامل السائد سابقا والذي يحتكم إلى التصرف في العرض. فعدّاد المياه بصدد الدوران البطيء ونقص الكميات أضحى يقتضي مقاربة تعتمد ترشيدا أكبر للاستغلال والتصرف بالرفع من كفاءة الري على مستوى الطلب وإحكام قيادة هذه العملية، بإسناد المساحة السقوية الحصة الكافية واللازمة من الماء دون زيادة أو نقصان عبر تقنيات محددة تضبط حاجيات النبتة. وهو ما يعني مزيد أقلمة المنظومات الزراعية مع الوضع المائي، وضمان الاقتصاد في هذا المورد وترشيد الاستهلاك الطاقي وإضفاء نجاعة أكبر على عمليات الصيانة في كل مستوياتها. نجاحات رغم المآخذ رافقت إجراءات تقسيط المياه المستعملة في المجال الزراعي من قبل وزارة الفلاحة هذا الموسم موجة من الانتقادات والمآخذ الكبيرة في صفوف الفلاحين في عديد الجهات. وكان للإجراء تأثير مباشر على نقص المساحات ومنه على تراجع الإنتاج في عدد من القطاعات برزت تداعياته على أسعار التزويد.غير أن تجربة التحكم في الطلب لم تكن سلبية وعامة بالدرجة المتوقعة حيث أن التقليص من حصص استعمالات المياه وتنظيمها لم تحل دون تحقيق نتائج قياسية في إنتاج القوارص الموسم المنقضي وقد تم تمكين جهة الوطن القبلي بنحو40 بالمائة فقط من مجموع الحاجيات المعتادة بحسب كاتب الدولة للموارد المائية تطبيقا لخطة التصرف في الموارد المائية حسب الأهداف على مستوى المندوبيات الجهوية للفلاحة. وهذه السنة يتوقع أن يبلغ الإنتاج حدود250ألف طن رغم التخفيض في حصص التزود بالماء إلى25بالمائة، ما يعكس سيطرة على التبذير وتحكما أكبر في الاستعمالات. إستراتيجية وأهداف تعتمد الإستراتيجية الوطنية للتصرف في الموارد المائية على عدة محاور لإحكام إدارة المياه وترشيد استغلالها حاضرا ومستقبلا بتثمين مخططات المياه السابقة ومجابهة تهديدات شح المياه على المدى المنظور. تنطلق الاستراتيجية من مؤشرات باتت شبه قارة في تشخيص واقع الفقر المائي حيث لا يتجاوز نصيب الفرد الواحد 467م3 في السنة وهو الأضعف مقارنة ببلدان من جنوب وشمال المتوسط،علما أن 13بالمائة فقط من مجموع المعدل السنوي للمحاصيل المطرية قابلة للاستغلال ما ييمثل 4،875مليارم3 من جملة 36مليار م3سنويا. ومع تصاعد وتيرة التهديد بشح الموارد التقليدية وما يقابلها من ارتفاع في مستوى الطلب يتعين التوجه إلى موارد بديلة ستكون حتما أرفع كلفة على المجموعة الوطنية،لكنها تبقى حتمية. التوسع في استغلال المياه المعالجة سيتم الاعتماد مستقبلا بصفة أكبر على المياه المعالجة في مستوى استعمالات الزراعات السقوية بالمساحات العمومية التي ستشهد توسعا ب 10آلاف هك جديدة في أفق2020منها 8500هك مروية بالمياه المعالجة. مياه بلغ إنتاجها السنوي 255مليون م3 لكن استغلالها يراوح أدنى مستوياته بأقل من20بالمائة. إلى جانب الرفع من كفاءة الشبكات والتوسع في تجهيز المناطق السقوية بمعدات الاقتصاد في الري مع تحديد سياسة سعرية لعقلنة الاستغلال، ووضع منهجية مستقبلية للاستخلاص. يبقى تعديل توجهات الخارطة الفلاحية من أولويات العمل الحيني بما يتلاءم والموارد المتاحة وربطها بامتيازات والتشجيعات الدولة. إدارة الطلب على مياه الشرب ترتكز إستراتيجية التصرف في مياه الشرب على جملة من العناصر من أهمها سياسة إدارة الطلب وتطوير مردودية شبكة «الصوناد» واعتماد سياسة سعرية تحفز على الاقتصاد في الماء والتعامل مع ارتفاع تكاليف الاستعمال وتحلية المياه. مجالس جهوية للمياه ينتظر أن يحمل مشروع مجلة المياه الجديدة عديدة الإجراءات والإصلاحات التي ستدعم منظومة المياه وحوكمة استغلالها. في هذا السياق أكد عبدالله الرابحي أهمية الإجراءات المصاحبة ومنها الجانب الإصلاحي المؤسساتي والقانوني للقطاع في اتجاه مراجعة صلاحيات الإدارة وقانون المحافظة على المياه والتربة. وأورد بأنه لأول مرة ستكون هناك مجالس جهوية وأخرى محلية للمياه، وتحقيق القيمة الاقتصادية للموارد المائية، وتطبيق مبدأ التضامن الوطني والعدالة في توزيع الماء. إلى جانب إعادة النظر في المجامع المائية ومراجعة القانون المنظم لها.. وفي انتظار استيفاء التوجهات الحالية أهدافها تعتزم وزارة الفلاحة إطلاق إستراتيجية جديدة للتصرف في الموارد المائية إلى أفق سنة 2050.