رغم التعزيز المعنوي الذي عرفته وثيقة قرطاج بالتحاق الاتحاد الوطني للمرأة خلال الاجتماع الأخير، وبالرغم من المساعي السياسية لإنقاذ ما تبقى من الاتفاقية الا انها لم تعد تفي بالحاجة على ما يبدو بعد جملة الانسحابات المسجلة منها بعد خروج حزبي آفاق والجمهوري بالإضافة إلى النقاشات الدائرة داخل أكثر من حزب حول البقاء أو الانسحاب منها. وكشف موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لدى كلمته الافتتاحية السبت الماضي أمام الموقعين على وثيقة قرطاج النية باتجاه مراجعة اتفاق قرطاج عندما صرح «أنه نظرا للمستجدات على الصعيد الوطني، فإن هذا الاجتماع سيخصص لتقييم وثيقة قرطاج وهل وقع احترامها أو أنه من المستحسن تحيينها». ثلاثة أهداف للتحيين ويبدو واضحا وعي الرئيس بأهمية ضمان تغييرات للمحافظة على تماسك الوثيقة أولا وحكومة الوحدة الوطنية ثانيا على اعتبار أنها كانت مخرجا من مخرجات اجتماع قرطاج، ولإبعاد شبح الانسحابات ثالثا خاصة بعد أن عبرت أطراف سياسية عن قلقها من بقاء الوثيقة على حالها وجمودها أحيانا بما خلق جملة من الفراغات التي انعكست سلبا عن تماسك حكومة الشاهد والتداخل الحزبي بالحكومي. وبدا عدد من الموقعين على الوثيقة في تراجع ملحوظ، فبعد أن انسحب الجمهوري ومغادرة آفاق، لم يكن مشروع تونس بمعزل عن التحولات السياسية الحاصلة بعد أن عمد حزب نداء تونس إلى العودة للمربع الأول حيث التزاوج بين الدولة والحزب اثر إقرار الاجتماع الأخير للنداء باستغلال عناصر من الحكومة من وزراء وكتاب دولة من اجل حشد المواطنين للتصويت على قائمات النداء المترشحة للانتخابات البلدية. وقد اعتبر الأمين العام لمشروع تونس محسن مرزوق أن الحزب سيراجع خياراته السياسية بعد اجتماع مكتبه السياسي، وقال مرزوق لدى حضوره في «اكسبراس اف أم» إنه سيتم الحسم في مسألة انسحاب الحزب من عدمه من قائمة الموقعين على وثيقة قرطاج خلال اجتماع المكتب السياسي وأن الحزب حذّر خلال الاجتماع الفارط للموقعين على وثيقة قرطاج من تبعات الإجراءات الواردة ضمن قانون المالية لسنة 2018، لكن دون جدوى». وكان الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي تغيب عن اجتماع قرطاج مبررا ذلك بقوله «ان حزبنا لن يقبل المشاركة في هذا الاجتماع في ظل غياب المسؤول عن الأزمة الراهنة وهي الحكومة وبالتالي إن مشاركتنا في هذا الاجتماع هي بمثابة حوار طرشان وان الحالة الطبيعة هي عدم مشاركتنا لأننا لا نقبل دور شهود ديكور». وأضاف المغزاوي: «بالنسبة لنا لا مشكل مع أي حوار لكن حوار اليوم يتمّ في ظروف لا توفر شروط نجاح الحوار من أجل إخراج البلاد من الأزمة». تغير سقف الطموحات ويُظهر موقف المغراوي ان وثيقة قرطاج لم تعد تلبي طموحات السقف السياسي المشار إليه في الوثيقة منذ نحو سنتين بما يؤكد أن مسالة تغيير مضامين الوثيقة باتت بعيدة عن الأهداف الحقيقية التي بعثت من اجلها. ولَم تكن أحزاب الجمهوري وآفاق تونس والشعب والمشروع وحدها المطالبة بالإصلاحات الضرورية للوثيقة بل إن هذا الموقف كان المطلب الأساسي لنداء تونس، نداء تونس الذي يتهمه خصومه باختراق الوثيقة دعا في وقت سابق وعلى لسان ناطقه الرسمي منجي الحرباوي إلى ضرورة صياغة وثيقة قرطاج 2. وقال الحرباوي في هذا السياق «إن الوقت حان لنفهم التغييرات السياسية لعدد من الموقعين على وثيقة قرطاج إذ لا يمكن أن تجمع بعض الأحزاب بين مقعدين، مقعد المعارضة بإمضاء توافقات خارج ما تنص عليه حكومة الوحدة الوطنية وبين البقاء في الحكم في نفس الوقت. واعتبر الحرباوي أن «وضعية المنزلة بين المنزلتين لا يمكن أن تؤسس لاستقرار حكومي في وقت نبحث فيه جميعا على استقرار لها وهو ما يدفعنا للتساؤل عن جدوى وجود أطراف لا تلتزم بمبادئ الوثيقة، وهو أمر يدفعنا لدعوة رئيس الحكومة لإعلان تحوير وزاري وإعادة النظر في وثيقة قرطاج». وعن شكل المراجعات الممكنة لوثيقة قرطاج أوضح الحرباوي انه «لابد من مراجعات صلب الوثيقة سواء على مستوى المضمون أو حتى في مكوناتها وهو ما قد يأخذنا للحديث عن واقع سياسي أكثر استقرارا ستفرضه وثيقة قرطاج2.» ويذكر أن عدد المنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج هو 3 منظمات و9 أحزاب لم يبق منها سوى 7 بعد انسحاب الجمهوري وآفاق وقد تعرف الانسحابات ارتفاعا خاصة وان أحزابا بصدد مناقشة مسالة البقاء أو الخروج من اتفاقية قرطاج. فهل ينجح رئيس الجمهورية في المحافظة على الركائز السياسية للوثيقة؟